شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد الحَق الهاشمي
ـ ولعلّي لا أعذر نفسي، وقد ترجمت لبعض أشياخي أذكر بعض الذكريات.. وما قصدت من ذلك إلا التعريف به.. لعلّ بعض المحبين، يعنى بالترجمة أكثر وأكثر..
ـ ويعز علي ألا أترجم لثلاثة من المشايخ: الشيخ علي المالكي، عالم مكة في أيامه، والشيخ يحيى أمان، الفقيه الوقور، وشيخ الشيوخ عبد الحق الهاشمي. فالأولان سأسعى أطلب من بعض من عرفوهما في مكة أن يكونوا المدد لي، إذا ما ارتضوا أن يُتَرْجَمَ، أو أن يكونوا هم المترجمين.
ـ ولعلّي أعول كثيراً على الأستاذين: أستاذنا محمد علوي عباس مالكي الحسني، وأستاذنا الصديق، صاحب الثبات أحمد جمال.. أما الثالث، فقد طلبت من أستاذنا أبي محمد علي المشهور بأبي تراب الظاهري، أن يوافيني بترجمة والده وثبته في نقاط.. أضعها منسوبة إليه، تذكيراً بفضل الشيخ وشكراً لما كان يبلغني عنه من دعاء لي، فيه بعض الثناء على ما كتبت من السِّيَر، بل إن الشكر ينبغي ألا يقتصر علي.. وإنما أنا حفيل به، باسم المسجد الذي عمره ((المسجد الحرام)) وباسم دار الحديث، في دار الأرقم بن الأرقم على الصَّفا، وباسم العلم ((أعز الأسماء)) وأجل الأسماء وإليكم ما كتب أستاذنا أبو تراب من سيرة والده، ولعلّ في هذا تشجيعاً للذين يعرفون بعض الأشياخ، فينشرون أو يرسلون إليّ، لأكتب وأنشر:
أبو محمد عبد الحق بن عبد الواحد بن محمد بن الهاشم الهاشمي العمري يتصل نسبه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهو الجد الرابع والأربعون له فهو من أولاد زيد بن عبد الله بن عمر، ارتحل آباؤه إلى الهند أيام محمد بن القاسم الثقفي وتسمى قبيلته هناك قبيلة الشيوخ حتى اليوم.
ولد سنة 1302هـ ومات عن اثنتين وتسعين سنة من العمر. تربى في حجر والديه وحيداً حيث مات إخوته فرباه تربية حسنة تلقى تعليمه في الابتداء على يد والده فدرس علوم الآلة والأدب الفارسي وأتقن الصرف والنحو وحفظ القرآن، ودرس علوم العربية والشعر، ثم أمره والده بالخروج في طلب العلم فاتصل بأكثر من ثلاثين شيخاً أخذ عنهم مختلف العلوم ودرس عليهم مختلف الكتب، وكره علم المنطق والفلسفة في صغره وشرع في فروع الفقه ثم شغف بعلم الحديث وحبب إليه تفسير القرآن، فأقبل عليهما إقبال المتفاني، وترك التقليد ورفع راية الدعوة السلفية وأسس دار الحديث واشتغل بالتدريس في علوم القرآن والسنّة وحارب أهل الأهواء والبدع والشرك بالخطابة والكتابة، وأسلم على يده أناس كثيرون من الكفار وتاب آخرون على الشرك والنذور لأهل القبور كما كانوا على ذلك في بلاده التي عاش فيها.
وحارب القبوريين بالمناظرات والمباهلات فنصره الله وقامت مدرسته ببث علوم الإسلام في أنحاء البلاد، وتخرج على يده فيها مئات العلماء، من أكابرهم اليوم على قيد الحياة الشيخ سلطان محمود شيخ دار الحديث بجلال بور وكان سلفي الاعتقاد يحترم اجتهاد الأئمة ويقدم السنة على الرأي المجرد ولا يعترض على الأئمة المجتهدين، ويعمل بالكتاب والسنّة ويحملهما على ظواهرهما دون تأويل، وكان يجعل الحديث مفسراً لكتاب الله، وإذا لم يجد فيهما ما يريد أفتى بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المجتهدين، ولا يبالي لومة لائم في القيام على هذا المنهاج، وكان يعظم الأئمة ولا سيما الإمام البخاري والإمام أحمد وثقبي بن مخلد والطبري وابن حزم، ويقدم من كتب الحديث الموطأ ثم الصحيحين على الكتب كلها، ونفر عنه بعض رفقائه لهجرة التقليد وقوله إذا ثبت الحديث يقيناً فالتقليد إشراك في الرسالة وكان شديد التحري في إثبات الصفات على ما جاء في الكتاب والسنة على ظاهرها وينكر على المؤلفين إنكاراً شديداً، ظهر هذا منه أيام الشريف حسين حينما حج واجتمع بعلماء الحرمين، فكان موضع إجلال في مناظراته معهم.
من أكابر مشايخه شيخ الكل السيد نذير حسين الدهلوي المحدث الذي انتهت إليه الرحلة في زمانه. والمحدث محمد حسين البثالوي، والشيخ أبو محمد الطنافسي وأحمد بن سالم البغدادي، والشيخ عبد الرب الغيطي، والشيخ حسين بن حيدر القرشي والشيخ أبو الفضل القنبري وغيرهم نحو أكثر من ثلاثين شيخاً. وكان رحمه الله خطيباً جهوري الصوت، إذا كان في الخلاء يسمع من نحو ثلاثة كيلومترات، خطب مرة في دار المهاجرين بالعتيبية فأسمع من بالبيبان بدون ميكرفون وهو شيخ كبير في حفل أقيم على شرف الأمير عبد الله بن سعود أيام تأسيس دار المهاجرين، وكان سريع الخط رديئه سريع المشي، مقداماً شجاعاً يجيد الفروسية والرمي والسباحة قام بتدريس الحديث بالهند قبل أن تكون باكستان أكثر من أربعين سنة، وقام بالتدريس بالمسجد الحرام ودار الحديث بمكة أكثر من خمس وعشرين سنة أخذ عنه إجازة الرواية مئات من العلماء والطلبة وعلى رأسهم بعض كبار المشايخ بنجد والبلد الحرام لأنه صاحب سند عال، وصاحب طرائق متعددة في الروايات واتصال الأسانيد، لذا تجد تلامذته في أنحاء الدنيا شرقاً وغرباً، أنجب خمسة وعشرين ولداً، تسعة منهم على قيد الحياة، تزوج سبعاً من النساء في فترات مختلفة، أكمل شرح صحيح البخاري في عدة مجلدات، وتفسير القرآن في عدة أجزاء، وشرح المسند الحنبلي وأكمل منه أجزاء، وجمع رجال المسند في مجلد، وفهرسة المسند في مجلد، وله مسند الصحيحين في سبعة مجلدات ضخام أمر بطبعه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وله مصنف الصحيحين في ثمانية أجزاء سيطبع أيضاً على نفقة دار البحوث والإفتاء والإرشاد، وله شرح مقدمة صحيح مسلم، وأسماء رجال الصحيحين، في مجلد ضخم وشروح الألفيات في المصطلح، وشرح كتاب التوحيد للبخاري، وشرح تراجم أبواب البخاري في مجلدين إلى غير ذلك من الرسائل العلمية في مختلف المباحث، وكان صحيح البخاري لا يفارقه، ولا يند عنه حديث في السنن والمسانيد وكان حافظاً راوية. وكان زاهداً في الدنيا يحب نشر العلم، ولا يتقاضى على التدريس أجراً البتة اللَّهم إلا ما رتبت له الحكومة ودار الحديث في أخرياته. وكان هو أحد زعماء أهل الحديث بالهند - الباكستان حالياً - شهيراً بها فلما اتصل خبره بسماحة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ رئيس القضاة استصدر موافقة جلالة الملك عبد العزيز على استجلابه من هناك ليكون مدرساً بالمسجد الحرام، ولم ينقطع عن التدريس إلا أياماً مات بعدها ودفن بالبقيع بجوار الإمام مالك رحمه الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1009  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 810 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.