شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المنهج المثالي لكتابة تاريخنا (1)
إخواني الأساتذة وأبنائي الطلاب..
أود أن أعرب في مستهل حديثي عن خالص شكري وتقديري لسعادة عميد كلية العلوم الاجتماعية فضيلة الشيخ محمد بن عرفة على تفضله بدعوتنا للتحدث إليكم.
ولقد اخترت لحديثي موضوع ((المنهج المثالي لكتابة تاريخنا)) متأثراً بدعوتكم الكريمة.. فكلية العلوم الاجتماعية حريصة على تحقيق أهدافها العلمية والنهوض برسالتها بكل السبل - فإضافة إِلى أسلوب الدراسة الأكاديمي حرصت الكلية على دعوة من تراهم أهلاً للتحدث في موضوعات ذات طابع ثقافي خدمة للطلاب والباحثين ورواد الثقافة والفكر.
وبكل معاني الشكر والتقدير سرني أن أكون من المتحدثين إليكم، وسرني أكثر أن يكون موضوع حديثنا ((المنهج المثالي لكتابة تاريخنا)).
إِخواني…
لقد تميز القرن الأخير والذي نعيش نهايته بشدة الوعي التاريخي وتصاعد مستواه، وملاحقة التطورات في حياتنا نحن البشر.. تلك التطورات السريعة التي شملت كل جانب من جوانب الفكر والعمل، والتغيرات المتعددة في مجالات حياتنا.
هذا الوعي التاريخي صاحبه تقدم في أساليب البحث والاستقراء والتحليل.. كما صاحبه كذلك اتجاهات جديدة في تحليل الأحداث والظواهر الطبيعية والإنسانية، وبذلك اتسع مجال علم التاريخ حتى أصبح اليوم يشمل كل مظاهر الحياة - يربط ماضيها بحاضرها، ويتتبع مسارها ويستخلص الحقائق حتى يستوعب فهم الماضي والحاضر فهماً شاملاً وجامعاً، فلقد ابتلع تاريخ الأبطال ما سجله المؤرخون بينما الأوضاع في عالمنا اليوم تحتم أن يكون الإنسان كل الإنسان مجالاً للبحث التاريخي، وكل ما في الحياة من تطور وتقدم واستحواذ وطغيان - أصبح موضوع التاريخ - كما أن لكل مذهب من اليمين أو اليسار - آثاراً ظاهرة على حركة تدوين التاريخ، وهناك حقيقة أخرى هي تطور الأسلوب التاريخي وتحوله من مجرد سرد أدبي إِلى تحقيق علمي، ومن هذا المنطلق الجديد لتدوين التاريخ، أود أن أوضح أن غاية المؤرخين في الماضي كانت جمال الأسلوب وتوافر الصفات الأدبية ليجذب المستمع ويشد انتباهه.
لكن الصورة اختلفت الآن وأصبح المؤرخ العالم يحرص بكل أمانة على توفير الجانب العلمي لعلم التاريخ، وأصبح بذلك تاريخاً ومؤكداً دون تعلق بالشكليات واللفظيات - فالموضوع في نظري ينبغي أن يقسم إِلى جزأين:
ـ استقراء التاريخ تدويناً، وكل هذا ما يشكر عليه المؤرخون الأوائل، وأما فقه التاريخ تحليلاً وإبرازاً وتسجيل التبعات كتسجيل المناقب، فهذه مسؤولية مؤرخي اليوم، وهكذا يتم الدور. فمؤرخ اليوم لا نلومه إِذا ما استقرأ الأحداث دون فقه ليأتي بعده.. أو حتى معاصره بالفقه تحليلاً وتعليلاً.
والحقيقة أن موضوع تطور علم التاريخ موضوع شائق ومتعدد الجوانب، وأخشى أن يصرفنا عن الموضوع الذي أردناه في حديثنا هذا، وهو تسجيل تاريخنا العربي والإسلامي.
في القرن الهجري الأول شهدنا اهتمام العلماء والمؤرخين وحرصهم على جمع التراث العربي من مصادره الأصلية في البادية والنجوع وأعماق القرى، وأخذوا من أفواه الأعراب - لأن بوادي الأعراب كانت المصدر الصادق للغة السليمة. فلم يتأثر الأعراب بالحضارات الوافدة، ولم يختلطوا بالأعاجم.
ولقد تمثل حرص العلماء في القيام برحلات عديدة للبادية ليجمعوا اللغة والشعر والأخبار من أفواه فصحائها وعادوا من تلك الرحلات بحصيلة من الثروة اللغوية كان لها رواج عظيم في أسواق العلم والأدب - في مربد البصرة، ومربد الكوفة، وغيرها، وكانت الأساس فيما ورثناه من المعاجم اللغوية ليس أولها كتاب العين للخليل وكتاب سيبويه، وليس آخرها لسان العرب ومغني اللبيب، وما إلى ذلك من كتبه.
من أمثال هؤلاء الذين قاموا بتلك الرحلات عمرو بن العلاء وأبو زيد الأنصاري والأصمعي وأبو عمرو الشيباني وغيرهم ممن جمعوا اللغة والأدب من طريق مشافهة الأعراب والأخذ عنهم، فهناك حكاية أوردها السيوطي في المزهر قال: جلس عمرو بن العلاء وبنوه من طلاب العلم لديه فسألهم مم اشتق اسم الخيل؟
قالوا.. لا ندري، وسكت فلم يجبهم حتى إِذا مر أعرابي (من عرب جزيرتنا الأم للغة والدين) سأله الإمام..
قال.. مم اشتق اسم الخيل؟
فأجابه العربي: من السير. وذهب فلم يعرف الطلبة ما أراد.
فقال عمرو بن العلاء:
ماذا فهمتم؟
قالوا: لم نفهم شيئاً: قال إنه يقول من السير أي من الخيلاء.. ألا ترونها تمشي (العرضدنا) تيهاً وخيلاء.. من هنا وصف بنو مخزوم بالتيه لأنهم كانوا أصحاب الأعنة في قريش.
دامت محاولات العلماء هذه أكثر من قرنين وزادت أعدادهم وتنوعت أهدافهم بتنوع البواعث إلا أنهم جميعاً وعلى مدى القرنين الثاني والثالث الهجريين بذلوا جهوداً طيبة لجمع التراث العربي وتدوينه.
كان ذلك منطلقاً لأجيالنا الإسلامية لتقبل على التأليف في علوم أخرى كالتفسير والحديث والفقه والعقائد والفلسفة وتاريخ الإسلام والنظم الإسلامية وتراجم الإعلام والرياضيات والطب والفلك وتركوا لنا تراثهم الخصب في علوم الإسلام حتى كان العصر العباسي الذي وصلت فيه الحركة الثقافية والمعارف الإسلامية إِلى ذروتها وأنتجت لنا رجال الفكر والأدب وأئمة الفقه والعلوم بأنواعها وإِن المؤرخين المنصفين قد أكدوا حقيقة هامة وهي أن حركة نشر العلم والثقافة التي دعا إِليها الإسلام ورعاها الخلفاء وجند العلماء أنفسهم منذ صدر الإسلام إِلى نهاية العصر العباسي.. كانت أكبر حافز على ما أنتجته العقلية العربية الإسلامية من رحلات علمية ودوائر معارف ونظريات في كل مجالات الفكر والأدب والتراث.
هذا وإذا أضفنا حقيقة أخرى هي مدى التشجيع الذي لقيه رجال العلم والأدباء، وإنشاء أولى جامعات العالم في بغداد والقاهرة وقرطبة وفاس، فقد هيأت هذه الأسباب للخلفاء العباسيين أن يثروا الفكر العربي عن طريق تشجيع الترجمة ونشر الثقافات المتعددة من عربية إلى فارسية ويونانية وهندية ونقلوا بذلك أهم الأعمال العلمية والأدبية إِلى العربية.
ـ كما بعث الخلفاء أيضاً بالنساخ إِلى مكتبات الدول ذات الميراث الحضاري لينسخوا لهم ما عرفت الدنيا من كتب وبحوث ذات قيمة ونفع، وإذا كانت الحضارة بمعناها العام تعني مدى ما وصلت إِليه أمة من الأمم في نواحي نشاطها الفكري والعقلي والفني - فإننا نجد أن الأبعاد الكاملة والشاملة للحضارة الإسلامية تحقق لنا هذا المعنى، تلك الحضارة التي بلغت قمة المجد والازدهار في العلوم والفنون والآداب وأصبح العرب المسلمون بحق أساتذة العالم في زمنهم.
كانت بغداد في العراق، ودمشق في الشام، والقاهرة في مصر، والقيروان في شمال إفريقيا، وقرطبة في الأندلس، ومرو في خراسان وصقلية في البحر المتوسط مراكز إشعاع للعلوم والفنون في كل أنحاء العالم.. أقام المسلمون حضارتهم على الدين الإسلامي السمح وعلى لغتهم العربية التي اتسعت لكل أغراض الحضارة، فالقرآن الكريم كما هو واضح تناول الكثير من العلوم التاريخية والجغرافية والفلكية - علاوة على حث المسلمين في طلب العلم والدراسة والبحث والتأمل، ولا تزال آياته الكريمة إِلى اليوم تنطق بإعجازه في مختلف أنواع العلوم والفنون - فاتسعت آفاق الفكر العربي وتجددت معارفهم، وانفتح أمامهم السبيل لإقامة أعظم حضارة إِنسانية عرفها التاريخ.. انظروا إِلى هذه الآية في سورة المؤمنون: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ.. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ.. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (المؤمنون: 12 - 14) أفاد العرب كذلك بأنهم اقتبسوا الكثير من علوم هذه البلاد، وهنا أقول:
إن الحضارة الإسلامية.. بهذه الصفة تميزت بمعالم ذات جوانب متعددة انفردت بها بين الحضارات الإنسانية الأخرى.
ـ فهل قمنا.. أو وصفنا منهاجاً علمياً لكتابة تاريخ العرب والإسلام؟
ـ وهل استطاعت الجامعات والمراكز الأكاديمية المتخصصة والمتعددة أن تخطو أيّ خطوة في هذا المجال"؟
هل لنا أن نسلك ما سلكه السلف من جهود بناءة لجمع التراث وتسجيله؟
في مصر أسس الخليفة الفاطمي العزيز بالله (365هـ) مكتبة القاهرة، فقد كان شديد الولع باقتناء الكتب والحرص على جمعها، والإكثار منها، وبذل الأموال الطائلة لها، ويذكر المؤرخون أرقاماً ضخمة لرصيد المخطوطات التي كانت تضمها هذه المكتبة.
في بلاد الأندلس أسس المنتصر بالله مكتبة قرطبة الكبرى في قصر الزهراء المشهور، وكان يبعث التجار إِلى الأقاليم ليشتروا له المخطوطات ويودعها المكتبة - كما كان يتبع حركة التأليف، والجديد من المؤلفات، ونوادر المخطوطات ليودعها في مكتبة الزهراء كما جمع النساخ والخطاطين والمجلدين والمترجمين لنقل نفائس التراث من العربية إِلى الأسبانية واللاتينية.
ويحدثنا التاريخ عن مكتبات أخرى كثيرة كان لها نفس الدور والاهتمام مثل مكتبة سيف الدولة في حلب، والمكتبة الظاهرية في دمشق، ومكتبة جامعة الزيتونة في تونس ومكتبة جامع القرويين في فاس إِلى جانب اهتمامات المغرب العربي - ففي تونس اهتم التونسيون منذ أقدم العصور بجمع المخطوطات وجمع نسخ منها ووضعوها في بيت الحكمة، وفي المغرب اهتم الملوك الذين حكموا المغرب بمئات الألوف من المخطوطات النادرة والكتب النفيسة وإيداعها خزائن الدولة، وجهود كثيرة ليس هذا مجال حصرها، ولكن نكتفي بالإشارة إِلى بعضها كتأكيد لظاهرة الحرص التي تميز بها أجدادنا على تراثنا وتاريخنا.
إِن تاريخ المكتبات هو البرهان القاطع على الكذبة التي اتهمتنا بإحراق مكتبة الإسكندرية - فالذين حثهم دينهم وحفزهم فكرهم إِلى تأسيس هذه المكتبات - لا يمكن أن يتصور أن يحرقوا مكتبة.
ولكننا في عصرنا الحالي وبرغم ما نعيشه من وعي ظاهر وثقافات متعددة وجامعات ومعاهد ونشاطات علمية لا أستطيع حصرها. ورغم كل ذلك فإن مهمة كتابة تاريخنا العربي والإسلامي كتابة سليمة بعيدة عن النزاعات الإقليمية والأهواء الشخصية.
أقول لا تزال هذه المهمة صعبة.
إِن لجاناً كثيرة وندوات متعددة، ومؤتمرات مختلفة - عقدت وتعقد للنظر في مشروع إِعادة كتابة تاريخنا العربي والإسلامي - ربما أهم هذه اللجان تلك اللجنة التي شكلتها الأمانة العامة لاتحاد الجامعات العربية، والتي بدأت اجتماعاتها منذ عام 1394هـ، واستطاعت في أكثر من جلسة أن تحدد بعض القواعد كأساس لإعادة كتابة هذا التاريخ وهي:
1 - وحدة الشعوب الإسلامية جميعاً وإن اختلفت الدول ونظم الحكم.
2 - ترابط الأمة الإسلامية العامة خصوصاً في حالات تعرضها أو جانب منها لخطر خارجي يستهدف الإسلام أو سلامة الوطن العربي أو الإسلامي أو جزءًا منها.
3 - وحدة التيارات التاريخية العامة التي مرت ببلاد الإسلام كلها.
4 - إظهار العطاء الحضاري الإسلامي العربي للحضارة العالمية وبيان استمراره وفاعليته وقيمته الرفيعة.
5 - الالتزام بالخط الإسلامي العربي العام وتجنب كل لفظ أو إشارة يمكن أن تمس شعور العرب والمسلمين.
6 - تجنب مشاعر التعصب والتفريق بين جماعات إِسلامية وأخرى وتحاشي تيارات التعصب التقليدية الشائعة في بعض مؤلفات التاريخ المتداولة في البلاد العربية واعتبار المسلمين أمة واحدة واعتبار غير المسلمين من سكان الوطن العربي والإسلامي جزءاً من الأمة الإسلامية تراعي عقائدهم وتحترم مشاعرهم ويبين في وضوح وإنصاف ما قاموا به من مساهمات كبرى في الحضارة الإسلامية والعربية وذلك لأن الإسلام دين تسامح ومساواة وإِخاء ومودة، ولأن العالم العربي ملك لكل سكانه من العرب مهما اختلفت أديانهم.
7 - تحري الدقة التامة في كتابة هذا التاريخ والاهتمام بإبراز الحقائق وحدها على اعتبار أن تاريخ أمة الإسلام حافل بالمفاخر والأمجاد وليس في حاجة إِلى أيّ مبالغة.
هذه القواعد كان الهدف منها أن تكون أساساً ومنطلقاً لكتابة تاريخنا بروح عربية إِسلامية تقوي أواصر التضامن والتآلف بين العرب والمسلمين مع مراعاة تجنب كل ما عساه أن يمس مشاعر عربية أو إِسلامية أو يميل إِلى ناحية مذهبية أو عصبية لأنه يكتب لكل العرب والمسلمين ليخدمهم ويقرب بينهم ويؤكد وحدتهم في الماضي والحاضر ويحفزهم بذلك على التمسك بالوحدة في المستقبل.
فقد قلت من قبل إِن الإسلام توحيد والعروبة وحدة، والحضارات واحدة، والمصير واحد.
فالتاريخ واحد ولا يغيره الانفراد بالمفاخر التاريخية في غيبة من الأممية في التاريخ - فلئن أبقت الظروف تراث الثموديين في حجر ثمود، وتراث الأنباطيين في سلع البتراء، وتراث الفراعين في مصر - فإن ظروفاً طرأت.. قد طمست في الأرض حضارة الفينيقيين والكنعانيين والآراميين والعاديين ومن هم مثلهم قبلهم وبعدهم.. لأن الانفراد بتاريخ شعب هو جزء من الشعوب العربية يعني اِدعاء التفوق على الشعوب الأخرى التي لها نفس هذا التراث، فقد قلنا من قبل إن الذين نحتوا الجبل في حجر ثمود، ونحتوا الجبل في البتراء سلع.. في البلقاء الأردن هم آباء أو إِخوان الذين بنوا الجبل أهرامات في مصر.
وكان الرأي لكل المشاركين من رجال التاريخ أن يكون تاريخنا في مجموعه تاريخاً حضرياً.. فلا يكون تركيزنا في ذكر تفاصيل التاريخ السياسي بل يكون التركيز الفعلي وفي المقام الأول بيان أحوال المجتمع في حياته العادية وتطوره وحرصه على الترابط وحرص شعوبنا العربية على الترابط والتماسك والمحافظة على الإطار العربي الإسلامي العام.
وأذكر أن هناك توصيات عديدة صدرت عن هذا المؤتمر ونشرها بالتفصيل في مجلة الدارة - العدد الثاني من السنة الأولى.
وكان حرص المجلة على تتبع مسار عمل هذه اللجان ولا يزال نابعاً من حقيقة نؤمن بها ونعمل من أجلها وهي أن يكون لتاريخنا في جملته طابع واحد عام من ناحية الاتجاه والأسلوب وأن نتجنب ما عساه أن يقع من متناقضات بين الآراء المعروضة في المجلدات المقترحة لكتابة التاريخ والتي يبلغ عددها 39 مجلداً كما يتناول حرصنا أيضاً.. توعية الذين سيكون لهم شرف تنفيذ تلك المهمة المقدسة ألا يتخذوا تلك المجلدات معرضاً للدفاع عن نظريات وآراء خاصة بهم، ولا بد من دليل أو مرشد يلتزم به حتى يكون الطابع العام واحداً في كل المجلدات تقديراً لهذا المشروع العلمي العربي المشترك.
إن الأمل كبير في أن يتعاون مؤرخو الأمة العربية كل بحسب تخصصه في تنفيذ هذا المشروع الذي نحن في أمسّ الحاجة إِليه أكثر من أي وقت مضى بعيداً عن اللجان والروتين، وأرجو للكلية كل التوفيق في أن تبادر من كونها معهداً أكاديمياً متخصصاً وتضم خيرة من الأساتذة الذين يعنيهم هذا الأمر أن تسرع في استكشاف مدى ما وصلت إليه المحاولات في هذا المجال حتى نستطيع أن نقدم بكل الإخلاص فكرنا ورأينا ومشورتنا انطلاقاً من إِحساس بأهمية هذا الجهد وضرورة التعاون من أجل أن يحقق هدفه السليم.
وأخيراً وكما قلنا من قبل إن الأمة تقوم على الحب.. فالتاريخ ينبغي أن يكون الحب، وهذا الحب لا يعني طغيان العاطفة على العقل.. ولا طغيان العقل على العاطفة وإِنما أن تكون العاطفة دليل العقل.. فالحب في التاريخ هو الذي حمل أستاذنا.. أستاذ الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس على أن يقول الكلمة المجنحة رداً على ما يجري على ألسنة بعض التونسيين تبعاً لابن خلدون الذي أرهق العاطفة بالعقل.
فابن خلدون الحضرمي العربي المغربي المصري قد سار مع العقل فأجحف بالعرب إجحافاً كان متعة الشعوبية ضد العرب - أما بن باديس فجاء على النقيض منه مع أن بن باديس صنهاجي من نسل ملوك البربر أزال ملكهم هؤلاء العرب الذين وصفهم ابن خلدون ويصفهم بعض المغاربة بالتخريب قال بن باديس: لئن قيل إنهم خربوا فلنقل إنهم عربوا. ويعني ذلك أنكم أيها المغاربة قواقع أصبحتم عرباً صنع ذلك هؤلاء الذين تعبوا.
إِن التعصب قد جعل على ألسنة بعض هؤلاء أن قرطاجة أبقى من القيروان وأن هانيبال أعظم من عمرو وكأنما أستاذنا العقاد قد أراد: قصد أم لم يقصد الرد على هؤلاء حين عرب عطيل باسم عطاء الله، واسم هانيبال باسم هانئ البال.
أيها الإخوة: أشكر لكم حسن استماعكم.
وأسأل الله أن يوفقنا لما فيه صلاح أمرنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرياض 5/4/1398هـ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1041  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 803 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.