شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بنو هلال بين الأسطورة والحقيقة
تمهيد:
دعت الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب ببغداد إلى عقد مؤتمر الدراسات التاريخية لشرقي الجزيرة العربية بقطر، وكان من المقرر عقد هذا المؤتمر في شهر ديسمبر من عام 1976م إلا أنه تأجل نظراً لعقد مؤتمر الأوبك في الدوحة في نفس الفترة.
لذلك قامت الأمانة العامة بالدعوة مجدداً للمؤتمر خلال الفترة من 2 - 8 ربيع الآخر 1397هـ الموافق 21 - 27 مارس 1977م.
وقد شارك في هذا المؤتمر أكثر من خمسين باحثاً وأستاذاً متخصصاً في التاريخ العربي والإسلامي، ومثل المملكة وفد رسمي على مستوى عالٍ، ضم كلاً من:
الأستاذ محمد حسين زيدان.
الأستاذ عبد القدوس الأنصاري
الدكتور عبد الرحمن الأنصاري
الدكتور عبد الله العثيمين
الأستاذ عبد الله الماجد
وكان بحثي لهذا المؤتمر عن ((بنو هلال بين الأسطورة والحقيقة)).. عن الملحمة.. تلك الموجة الهلالية التي طبعت أرضنا العربية في مصر، وفي ليبيا، وفي شمال إفريقيا بالطابع العربي عرقاً ولغة..
فنحن نحمد الأسطورة كعاطفة، ولا نجمد أمام الحقيقة التي كان هذا أثرها وتأثيرها.. فهناك من التونسيين فريق يضع بني هلال في الحضيض قائلاً إنهم خربوا.. وآخر من الجزائريين ينظرون إليهم، وإلى ما عمروا من بناء اللغة وقوة العصبية.. فزعيم الجزائر شيخها الأستاذ الكبير المجاهد عبد الحميد بن باديس.. الصنهاجي قد طرح العصبية للبربر لأن إيمانه بعظمة اللغة العربية جعلته ينسى خراب الدور فلا يتذكر إلا عمران الصدور فقال كلمته المشهورة (رداً على الذين نسوا التعمير للغة، وما زالوا يذكرون التخريب).
قال بن باديس:
(لئن قيل إنهم خربوا.. فلنقل إنهم عربوا) فالفتح الأول لشمال أفريقيا لم يعربها كل هذا التعريب، وإنما كل التعريب لبني هلال وسليم كأنما بن باديس يسير هو وشوقي في حلبة واحدة.
فشوقي لا ينكر الظلم الذي بنيت فيه الأهرامات، وبن باديس لا ينكر العسف الذي جرى على يد بني هلال.. قال كلمته تلك.. كما قال شوقي بيته هذا:
هي (يعني الأهرامات)
هي من بناء الظلم إلا أنه
يبيض وجه الظلم منه ويشرق
وفيما يلي نص البحث الذي ألقيته بهذا المؤتمر.
لم أكن أدري عن بني هلال شيئاً غير ما هو مكتوب في القصة الملحمة، تنشد أشعارها وتروي أخبارها على الربابة في كل الأقطار العربية، وفي بلد قد لا تكون فيه الربابة - مع أنها كانت نابعة منه حول باديته كالمدينة المنورة، كان هناك قصاص يقرأها على الناس منغمة.. نسمعها منه فإذا بنا نحفظ ونستوعب ما يقرأ علينا كما حفظنا منه ما قرأه من ذات الهمة، وعنترة، والظاهر بيبرس، وسيف بن ذي يزن.. الخ هذه الأساطير، أو هي القصص، نغليها فنعليها فنسميها ملحمة، ويرخصها الجفاء عن البطولة فلا يرى فيها إلا عبثاً - لكن الكثير ممن يسمونه عبثاً أو أسطورة هو مائدة الأديب يشرق بها شعره من إشراق البطولة في مشاعره حتى عم وانتشر اسم أبو زيد.. زيدان.. ذياب.. العلام والزناتي.. عزة.. يونس.. مرعي - الجازية، كثرت هذه الأسماء في مصر، وإفريقية، أعني شمال إفريقيا العربية، وحتى في لبنان أكثر من الأقطار العربية الأخرى، فغريب أن لا تكثر هذه الأسماء في الموطن الأول الجزيرة العربية، وتكثر في المواطن الثانية، طبيعة النزوح من الموطن الأول، وطبع الرسوخ في المواطن التي تناسل فيها هؤلاء، أو هي التي شهدت آثارهم وتأثيرهم وبقاءهم.
لم أكن أعرف غير هذا.. حتى طلب مني أستاذنا ظافر بن جمال الدين القاسمي، أن أعد خلاصة عنهم وعن مواطنهم يرسلها إلى الأستاذ البروفسور جاك بيرك، فماذا يريد جاك بيرك؟
لا بد من أنه يريد غير الأسطورة.. غير الملحمة، فأخذت أفكر عن هؤلاء الهلاليين السليميين الغطفانيين القيسيين المضريين فهل رحلوا للنجعة.. قذفت بهم المجاعة في الصحراء إلى الريف؟.. أم هناك أسباب أخرى تسير به موجة عربية من نجد ومشارف الحجاز إلى مواطن عربية أخرى.
مصر ثم في الطريق إلى ليبيا.. في المقر.. تونس.. في الانتشار.. الجزائر والمغرب.. فوجدتني أصل إلى رأي لا أصر على أنه كل الحقيقة، ولا أقبل أن يصر أحد أنه كل الباطل، وجدتني أرى أن جدب الصحراء والشظف كثيراً ما حمل على الانسياح. جماعة ليست بكثرة الجيش، ولا بالموجة الهائلة، فما هو السبب الآخر؟
إن في الجزيرة العربية، وبالذات في نجدها وحجازها.. تطاولت إلى العظمة في الجاهلية.. هذه القبائل الأربع العدنانية: قريش، قيس عيلان.. وبما تناسل منه من غطفانها وهوازنها وعامرها وهلالها وعبسها وذبيانها وفزارتها وأشجعها ومحاربها وسليمها.. وكلها جاءت الأخبار عنها أو عن بعضها كحرب الفجار وداحس والغبراء، وأيام أخرى.
والثالثة أسد ساقها الطموح لأن تصنع الحلف الأعظم مع غطفان أي مع قيس عيلان يسودها الملك آكل المرار ثم إلى أن وصلت إلى زعامة طليحة الأسدي يشاركه في زعامة الحلف الأعظم عيينة بن حصن الفزاري بعد أن هلك زهير بن جذيمة العبسي وابنه قيس نظموا له الخرزات ملكاً على الحلف الأعظم حتى إن زهيراً هذا قد مالأه أو هو مالأ النعمان بن المنذر يكون ردءاً له أو مصدراً لتطويع قبائل الجزيرة في الشمال كبكر وتغلب أبناء وائل ومن إليهم من ربيعة، وكانت القربى بين النعمان وزهير هذا الغطفاني السابق لطموح بني هلال وسليم أن تزوج النعمان المتجردة بنت زهير التي جاء ذكرها في شعر النابغة ابن عمها الذبياني فهي التي عناها في هذا البيت:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه
فتناولته واتقتنا باليد
أسد كانت الثالثة، أما الرابعة التي كادت أن تنتزع البيت من قريش فهي تميم المضرية.. أبوها مضر.. أمها خندف لأن قيس عيلان ليس ابن خندف - وإن كان ابن مضر، وإنما هو ابن شبابة.
ومن البديع عن رسوخ الوراثة أن قبائل العرب في جزيرتنا خندفي وشبابي.. كما أن شبابة العزوة لحرب وعتيبة ومن إليها في الجزيرة.. هي العزوة في الشمال الإفريقي، فالجزائري والمغرب شبابي حتى الآن، وهذا من ميراث بني هلال هناك. كما أن ليبيا ورثت عزوة أخرى من بني هلال هي عزوة ساكن موطنهم علياء نجد - القصيم - هذه العزوة في ليبيا والقصيم أولاد علي.
هذه القبائل جاء الإسلام وهي في القمة.. كأنما إرهاص الإسلام قد أوجدها كذلك لا يغشاها جدب مدة طويلة فتعيش تتحارب ويعيش الشبع فيها شعراً جاهلياً، وبياناً مبيناً عربياً نما في الأسواق فتم له الاتساق.. ولكن أمية وخؤولة عامر للمروانيين خفضت قريشاً وجعلت من تميم الدعم لنشر العربية في مربدي الكوفة والبصرة.. قريش.. هزمت من قريش، وعامر بقبائل غطفان كان لها نوع من السيادة، وأسد تأخرت وتميم كما قلنا كانت مدرسة التعريب والتقنين للبصري والكوفي.. أعني أنها قد حازت أن تكون معلمة اللغة ولا أنكر أن رجالاً من قبائل أخرى كانوا على مثال من تميم.
إن الأمويين قد أفرطوا إن كانوا قوميين جعلوا للعربي كل الشأن.. كل التوسع في الفتح، فقد مكثوا تسعين عاماً لم يكن لغير العربي حولٌ أو سلطان فقامت الشعوبية ضد العرب تهدم في بني أمية حتى سلمت الأمر للعباسيين.. فالعباسيون كان العون لهم الشعوبيون.. فأقصي العرب من أول يوم من عام 132هـ عن الحول والسلطان وسلبوا السلاح.. فعادت القبائل العربية تحتمي في جزيرتها إلى شعرها وبيت شعرها.. تعبث بأمن الطريق، وتناصر كل تحرك على العباسيين فناصروا القرامطة وكانوا المأوى للدولة العلوية الشيعية.. دولة بنو الأخيضر، كما ذكر لك في الجمهرة ابن حزم في نسب هؤلاء وكما أفاض به ابن خلدون في صفحة (12) وصفحة (13) وصفحة (14) إلى تمام الموضوع في الصفحات بعد من المجلد السادس.. حتى جرد العباسيون وأعني المعتصم الأفشين وبدأ قائداه التركيان يطئان نجداً فإذا الحملة تهلك أشجع ومحارب وتمحو بني عامر إلا من انحاز منها إلى شرق الجزيرة على الخليج ومن ذاب وهتم في شمال المدينة المنورة الشرقي على الحرة بين خيبر والمدينة فأغلب الظن أن قبيلة هتيم هي من هذه البقايا. فيهم العبشي والأشجعي والمحاربي والعامري.. ترسبوا في الحرة فلم يكونوا مع بني هلال وسليم في رحلتهم غير أنهم ملؤوا السودان بكثرة كاثرة هم بنو رشيد الآن ومن أسماء هتيم بنو رشيد رحلوا إلى السودان للنجعة فوجدوا الريف فعمروا هناك من جهينة والجعليين..
هذه العضة من العباسيين جعلت نوعاً من التكتل في الجزيرة يبغي المخرج. فمتى كان؟ وأين كان؟
تميم منعت بديارها في نجد في الواحات وبمسير بعضها إلى العراق ولتميم المنة على حفظ العربية في العراق.. تعليماً كما ذكرنا من قبل وصوناً فيما بعد، من هنا قالوا:
(نجد ولود والعراق داية).
فلولا هذه الرحلات لتميم ومن إليها ثم من جاء بعدها من شمر وعنزة والمنتفق لاستعجم عراقنا فبنو هلال ومن إليهم، ولولا بنو هلال لما تعرب شمال إفريقيا.. وقد عدوا بني هلال في عداد الشيعة، سواء أتمذهبوا بالمذهب أم كانوا أنصاراً لمن يحارب العباسيين. هذا الضوء أعطاني ألا أسير مع القائلين بأنهم هبوا إلى النجعة.. يريدون المرعى في الريف.. بل كانوا أنصاراً لبني الأخيضر كما كانوا أنصاراً للقرامطة حرباً على العباسيين، ويقيني أنهم ذهبوا عوناً للفاطميين حين استتب لهم الأمر في مصر، ولعلّ المعز الفاطمي ومن بعد قد ناشدوهم الحضور يؤيدون ملكهم في مصر أول الأمر ينتقمون لملكهم في إفريقية الذي حازه الصنهاجيون بقيادة المعز الصنهاجي، كأنما المعز الفاطمي ومن إليه جيشوا هؤلاء الهلاليين السليميين يحاربون المعز الصنهاجي. وقد يكون السفراء بين الفاطميين وهؤلاء الهلاليين ممن سبق للنجعة أو الالتجاء ففاوضهم الفاطميون ليجلبوا ربعهم، قبائلهم في الجزيرة العربية.
فمسيرة بني هلال قد يكون أولها للنجعة.. أما تكتلها كموجة عربية ثالثة هبت إلى موطن عربي هو مصر فإنه عمل سياسي، الحافز إليه حرب العباسيين أو النجاة من العباسيين ومناصرة من تشيعوا ضدهم.
إن ابن خلدون يصف المعز بأنه سني حين سقط من حصانه نادى اسم الشيخين أبي بكر وعمر كأنه على طريقة غير سنية في الأصل بهذه الاستغاثة ولكنها كانت إعلاناً منه لحرب الشيعة هناك - الشتامين لأبي بكر وعمر.
فقامت العامة تناصر المعز وتقتل الشيعة.. فجاء الغضب للشيعة أنصار الفاطميين كما جاء الانتقام للملك المفقود بالعزيمة جعلت الفاطميين يجيشون بني هلال وسليم ومن إليهم من زغابة يحاربون الملك الصنهاجي بن باديس المعز فيستغولون في الشمال الإفريقي.
في إفريقية العربية نظرتان إلى بني هلال، فبعض التونسيين قد تأثروا باستطراد ابن خلدون وقد كان حرباً على الأعراب حتى صار حرباً على العرب هذا الفريق يضع بني هلال في الحضيض.. يقول إنهم خربوا.
وفريق آخر وهم الجزائريون يرفعون بني هلال إلى السماء.. لا ينظرون إلى ما خربوا من عمران - وإنما نظرتهم إلى ما عمروا من بناء اللغة وقوة العصبية.. فزعيم الجزائر شيخها الأستاذ الكبير المجاهد عبد الحميد بن باديس.. الصنهاجي قد طرح العصبية للبربر لأن إيمانه بعظمة اللغة العربية جعلته ينسى خراب الدور فلا يتذكر إلا عمران الصدور فقال كلمته المشهورة:
(رداً على الذين نسوا التعمير للغة وما زالوا يذكرون التخريب).. فقال بن باديس وهو نسل الملوك الصنهاجيين كلمته المجنحة المشهورة (لئن قيل إنهم خربوا.. فلنقل إنهم عربوا) ذلك أن الفتح الأول لم يعرب شمال إفريقيا كل هذا التعريب وإنما كل هذا التعريب لبني هلال وسليم كأنما ابن باديس يسير هو وشوقي في حلبة واحدة، فشوقي لا ينكر الظلم الذي بنيت فيه الأهرامات، وابن باديس لا ينكر العسف الذي جرى على يد بني هلال. قال كلمته تلك.. كما قال شوقي بيته هذا:
هي (يعني الأهرامات)
هي من بناء الظلم إلا أنه
يبيض وجه الظلم منه ويشرق
فالعروبة في إفريقيا من مفاخرنا، والأهرامات في مصر من مفاخرنا.
قلت بنو هلال الموجة الثالثة.. أعدل عن هذا فأقول الرابعة.
الموجة الأولى: الفراعين وصلوا إلى مصر من قرية بون في اليمن تسجل ذلك الحرب البونية هو هل مسجل تحت مادة بومنت أو هو في السجل الجامد الناطق مكتوب على حجر يقول:
نحن الفراعين والفينيقيين والكنعانيين قد رحلنا من قرية بون في اليمن.. كما أكد هذا النص أستاذنا الشيخ معروف الدواليبي في بحث له طبعه في كتاب.
الموجة الثانية: الهكسوس.. لا أستسيغ إطلاق كلمة المستعمر على الهكسوس، فإن هذا رائحة الإقليمية البحتة لمصر، أو هو شعوبية من طراز قديم فالهكسوس قبيل عربي أراد الانسياح في أرض عربية، لم يقبله قبيل عربي.. هو المواطن العربي في مصر لم يقبله فأجلاه أو أفناه.. كأمر عادي جرى في أكثر من وطن عربي وفي كثير من الحالات في أرض العرب.. شأن القبلية.
الموجة الثالثة: موجة الفتح الإسلامي.. ليس هو الاستعمار كما يحلو لبعضهم أن يضيف الفاتحين المسلمين إلى الهكسوس.
الموجة الرابعة: موجة بني هلال.. فالفراعين أعطوا لمصر مجد السلطان والحضارة والفن، مجد التاريخ كله.. والهكسوس ذهبوا ولكنهم أحدثوا لمصر تمسكها ووحدتها.. فهم وإن ذهبوا أو ذابوا كانوا بموقفهم السلبي بناة الموقف الإيجابي، والفاتح المسلم أعطى لمصر عظمتها في حماية الإسلام وحفظ القرآن ومجد الأزهر واستمرار التاريخ عربياً.. عربياً لا أكثر ولا أقل.
وموجة بني هلال هي: عمار مصر بأكثر من ثمانين في المائة من ذراريهم.. فصعيد مصر هو من أنسالهم.. سيلين وسليم والحميدات والهوارة ومن لف لف هؤلاء.. كلهم من هلال وسليم وأولاد علي في الفيوم والصحراء الغربية هم هلاليون نسلاً وعزوة.
لقد طبعت هذه الموجة الهلالية أرضنا العربية في مصر وفي ليبيا وفي شمال أفريقيا بالطابع العربي عرقاً ولغة.. فهم بهذا الحقيقة لا الأسطورة، لكن الحقيقة لم تعد غذاء الشعب العربي.. هي قد تكون علم المثقف.. لكن الأسطورة كانت ولا زالت غذاء العاطفة العربية.. كل الشعب من فلاحين وكل العامة من غير الفلاحين يعرفون البطل في بني هلال يعشقون عزة والجازية.
إننا نحمد الأسطورة كعاطفة، ولا نجمد أمام الحقيقة التي كان هذا أثرها وتأثيرها.
بقي أن نقول إن جزيرتكم العربية هي الجديرة بأن نسميها الأرض الأم، ولعلّ الأمومة ستعلو عندما تأتي الكشوف تبين لنا وحدة الأثر، كان نحتاً في الجبل.. في الحجر والبتراء فاستعاض العربي الفرعوني عن الجبل لا يجده في مصر.. فصنع الأهرامات جبالاً.
أحسست أن هذا دليل على وحدة الأثر والمؤثر وأبو الهول عندكم شامخاً في ظل الأهرامات ولدينا في وادي القرى تمثال أبي الهول.
فأيهما كان الأقدم؟
تجدون ذلك في ما كتبه عبد الله فيلبي (أو جون فيلبي) في كتابه "أرض الأنبياء".
إن وحدة الأثر ستعطينا البرهان على وحدة الأمة.. تعطينا القضاء على كل الشعوبية التي تريد الانسلاخ من العربية بدعوى الفرعونية أو الفينيقية أو الآشورية.
أفليس من الإقليمية والشعوبية أن نضع هانيبال أكبر في التاريخ من عمر بن الخطاب أو حتى من أبي زيد الهلالي؟..
مع أن هانيبال فينيقي عربي، ويعجبني الأستاذ العقاد يرحمه الله حينما يعربه كذا (هانئ البال).
إن الحقيقة في بني هلال أنهم هم الآن الحقيقة في مصر والحقيقة في شمال أفريقيا، وإن ضاع اسمهم في جزيرتهم.. فلم تبق لهم إلا الأسطورة تعزو كل بناء فني من الآبار المنحوتة بالإزميل من صنع أصحاب الرس أي أصحاب البئر الأنباط العرب.. يقولون في جزيرتنا عن كل هذه الآثار.. إنها من صنع بني هلال.. خلط عليهم الأمر فلم يفرقوا بين ما صنعه العماليق والأنباط والثموديون فيضعونه لبني هلال.. مع أن بني هلال ليس لديهم من كفاءة الفن ما يصنعون به هذه الآثار.
وأخيراً فإن هذا الاستطراد أعطاني ضوءاً من الحقيقة التي أسلفت عن بني هلال وسليم ومن إليهم فقد ضيقت عليهم القبائل الموالية للعباسيين والحملات العباسية.. فوجدوا الفرصة في أن يرحلوا إلى مواطن عربية يجدون فيها الأمن حين وجدوا من يقبل وصولهم وتوطينهم في عزة وسلام.
وقد توطنوا.. صانوا لها العزة.. فحفظت لهم المعزة، وقد نالوا عزة في تونس حين صاهرهم المعز الصنهاجي، زوج أبناءه بناتهم طلباً للسلام معهم ونزوعاً إلى الحماية بهم.
فأي حقيقة أكبر من بقائهم في مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب؟ فمنهم من ساد وعظم في هذه الأقطار، فأصبحوا في عداد أهلها كأنهم لم يكونوا الجدد على هذه الأوطان.
أي حقيقة أكبر من صنع الدعامة لهذه الأمة العربية بهذا اللسان العربي المبين.. لسان اللغة الشاعرة كما هي تسمية الأستاذ عباس محمود العقاد يرحمه الله؟.
قد يكون هذا بحثاً ظريفاً.. أو طريفاً من حصيلة قارئ كل ما يعتد به أنه عربي يشعر بمشاعر الأمة الواحدة.. يرفض الشيوعية كما يرفض الشعوبية - بل إن الشعوبية أشد خطراً.. فالشيوعية إفساد من الخارج تغلبنا عليه.. أما الشعوبية ففساد من الداخل ما أصعب أن نتغلب عليه.
المصادر
1 - احسان عباس: تاريخ ليبيا
2 - عبد الحميد يونس: الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي
3 - عبد اللطيف محمود البرغوثي: تاريخ ليبيا الإسلامي
4 - إبراهيم رزقانه: الجغرافيا التاريخية لشرق الدلتا
5 - ابن الأثير
6 - ابن خلدون: الإسلام والثقافة العربية في
7 - حسن أحمد محمود: أفريقيا - الجزء الأول
هذه المصادر.. جمعتها، وقد استفدت منها وإن كان لي بعض التخريج أيضاً من لمحات وردت بها ليس لي في ذلك جهد إلا الإبراز بحقيقة القوة العربية… تكمن في رحلة قبائلها وموجاتها.. فما ارتضته هذه المصادر.. هو موضع الرضا وأرجو ألا يكون ما خرجت به موضع الإغضاب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1717  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 802 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.