شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الفاروق عمر بن الخطاب(2)
 
ولا أجدني في حاجة إِلى التذكير بالمثل العليا ضربها عمر.. فأنتم تعرفونها تعيش في أذهانكم غير أن التذكير بها لازم.
يقول بعضهم: إن مفتاح شخصية عمر العبقرية. وغيره يقول: الشجاعة والآخر العزة والقوة، وهي عندي لا هذه ولا تلك، إِنما هي الخوف من الله، خاف الله عَمرُ فلم يكف البصر، خاف الله فاعتزّ بالأمن في نفسه وفي أمته، وخشيه الرجال عادلاً وراحماً، فاعتزوا بالاستقامة والرحمة.
لهذا أسوق هذه الأمثلة طبق فيها روح الإسلام نظام حكم، سيرة بين الناس لم يبخس ذا حق حقه، ولم يطلق السراح ليأخذ كل من يشتهي غير مأهولة الحق أراد وعن الحق دافع والحق نصر فانتصر أولاً على نفسه على أهله فانتصرت به العدالة نهج حياة للأمة.
وإِليكم بعض الأمثلة ومن طبقات ابن سعد.
ـ أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعت حميد بن هلال قال أخبرنا من شهد وفاة أبي بكر الصديق، فلما فرغ من دفنه نفض يده من تراب قبره ثم قام خطيباً مكانه فقال: إِن الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم وأبقاني فيكم بعد صاحبي فوالله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني ولا يتغيب عني قالوا فيه عن الجزء والأمانة ولئن أحسنوا لأحسنن إِليهم ولئن أساءوا لأنكلن بهم، قال رجل: فوالله ما زاد على ذلك حتى فارق الدنيا.
ـ أخبرنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: قال عمر بن الخطاب: ليعلم من ولّي هذا الأمر من بعدي أن سيريده عنه القريب والبعيد، إِنني لأقاتل الناس عن نفسي قتالاً، ولو علمت أن أحداً من الناس أقوى عليه مني لكنت أقدم فتضرب عنقي أحب إِلي من أن آليه.
ـ دخل حديث بعضهم في حديث بعض عن محمد بن سيرين عن الأحنف قال: كنا جلوساً بباب عمر فمرت جارية فقالوا: سرية أمير المؤمنين فقالت:
ما هي لأمير المؤمنين بسرية وما أحل له: إِنها من مال الله، فما هو الأقدر أن بلغت رجاء الرسول فوعدنا فأتيناه فقال: ماذا قلتم؟ قلنا لم نقل بأساً، مرت جارية فقلنا: هذه سرية أمير المؤمنين فقالت ما هي لأمير المؤمنين بسرية وما تحل له، إِنها من مال الله فقلنا: ماذا يحل له من مال الله؟ فقال: أن أخبركم بما استحل منه يحل لي حلتان حلة في الشتاء، وحلة في القيظ، وما أحج عليه واعتمر من الظهر وقوتي وقوت أهلي كقوت رجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، ثم أنا بعد ذلك رجل من المسلمين يصيبني ما أصابهم.
ـ عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر بن الخطاب: إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم، إِن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف قال وكيع في حديثه: فإِن أيسرت قضيت، وفي رواية أخرى أنزلت مال الله مني بمنزلة اليتيم، من كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف.
ـ عن عروة بن عمر قال: لا يحل لي من هذا المال إِلا ما كنت آكلاً من صلب مالي.
ـ أخبرنا عمران أن عمر كان إِذا احتاج أتى صاحب بيت المال فاستقرضه فربما يأتيه صاحب بيت المال يتقاضاه فيلزمه فيحتال له عمر وربما خرج عطاؤه فقضاؤه.
ـ عن ابن المبزاء بن معرور أن عمر خرج يوماً حتى أتى المنبر وقد كان اشتكى شكوى قدمت فنعت له العسل وفي بيت المال بمكة فقال إِن أذنتم لي فيها أخذتها وإِلا فإِنها عليّ حرام فأذنوا له فيها.
ـ عن عاصم بن عمر قال: أرسل إِليَّ عمر يرفأ فأتيته وهو في مصلاه عند الفجر أو عند الظهر قال فقال: والله ما كنت أرى هذا المال يحل لي من قبل أن آتيه بحقه. وما كان قط أحرم منه إِذ وليته فعاد أمانتي وقد أبقيت عليك شهراً من مال الله ولست بزائدك ولكني معيذك بثمر مالي بالغابة فأحدده فبعه ثم ائت رجلاً من قومك من تجارهم فقم إِلى جنبه فإِذا اشترى شيئاً فاستشركه فاستنفق وأنفق على أهلك.
ـ عن الحسن أن عمر رأى جارية تطيش هزالاً فقال عمر: من هذه الجارية؟ فقال عبد الله: هذه إِحدى بناتك، فقال: وأي بناتي هذه؟ قال ابنتي قال ما بلغ بها ما أرى؟ قال: عملك. لا تنفق عليها إِني والله ما أغرك من ولدك أيها الرجل.
ـ عن مصعب بن سعد قال: قالت حفصة بنت عمر لأبيها: يا أبت: إِنه قد أوسع الله الرزق، وفتح عليك الأرض وأكثر من الخير، فلو طعمت طعاماً ألين من طعامك ولبست لباساً ألين من لباسك، فقال: سأخأصمك إِلى نفسك، أما تذكرين ما كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يلقى من شدة العيش؟ قال: فما زال يذكرها حتى أبكاها ثم قال: إِنني قد قلت لك إنني والله لئن استطعت لأشاركنها في عيشها الشديد لعلّي ألقى معها عيشها الرخيّ قال يزيد بن هارون: يعني رسول الله وأبا بكر.
ـ قال الحسن إن عمر أبى إِلا شدة على نفسه وحصراً وقد بسط الله في الرزق. فلْيبسط في هذا الفيء فيما شاء منه وهو في حل من جماعة المسلمين، فكأنها قاربتهم في هواهم. فلما انصرفوا من عندها دخل عليها عمر فأخبرته بالذي قال القوم فقال لها عمر: يا حفصة بنت عمر: نصحت قومك وغششت أباك، إِنما حق أهلي في نفسي ومالي، فأما في ديني وأمانتي فلا.
ـ وعن الحسن قال: كلموا حفصة أن تكلم أباها أن يلين من عيشه شيئاً، فقالت يا أبتاه أو يا أمير المؤمنين: إِن قومك كلموني أن تلين من عيشك، فقال: غششت أباك ونصحت لقومك.
ـ عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب كان يتجر وهو خليفة، قال يحيى في حديثه. وجهز عيرا إِلى الشام فبعث إِلى عبد الرحمن بن عوف وقال الفضل: فبعث برجل من أصحاب النبي عليه السلام، قالا جميعاً يستقرضه أربعة آلاف درهم فقال للرسول، قل له يأخذها من بيت المال ثم ليردها فلما جاءه الرسول فأخبره بما قال شق ذلك عليه فلقيه عمر فقال: أنت القائل ليأخذها من بيت المال ‍‍!! فإن مت قبل أن تجيء قلتم أخذها أمير المؤمنين دعوها له وأوخذ بها يوم القيامة. لا، ولكن أردت أخذها من رجل حريص شحيح مثلك فإِن مت أخذها قال يحيى من ميراثي، وقال الفضل من مالي.
ـ عن يسار بن نمير قال: سألني عمر كم أنفقنا في حجتنا هذه؟ قلت: خمسة عشر ديناراً.
ـ عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: صحبت عمر بن الخطاب من المدينة إِلى مكة في الحج ثم رجعنا فما ضرب لنا فسطاطاً ولا كان له بناء يستظل به إِنما كان يلقي نطعاً أو كساء على شجرة فيستظل تحته.
ـ حدثنا الحسن فقال: قدم أبو موسى في وفد أهل البصرة على عمر قال: فقالوا كنا كل يوم وله خبز ثلاثة فربما وافقناها مأدومة بزيت، وربما وافقناها بسمن، وربما وافقناها باللبن، وربما وافقناها بالقدائد اليابسة حتى دقت ثم أغلي ما بها، وربما وافقنا اللحم الفريض وهو قليل فقال لنا يوماً: أيها القوم إنني والله لقد أرى تعذيركم وكراهيتكم لطعامي، وإنني والله لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأرفعكم عيشاً، أما والله ما أجهل عن كراكر وأسنمه وعن صلا وصناب وصلائق، ولكنني سمعت الله جل ثناؤه غير قوماً بأمر فعلوه، فقال: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا (الأحقاف: 20) وإِن أبا موسى كلمنا فقال: لو كلمتم أمير المؤمنين يفرض لنا من بيت المال أرزاقنا فوالله ما زال حتى كلمناه فقال: يا معشر الأمراء أما ترضون لأنفسكم ما أرضاه لنفسي؟ قال: قلنا يا أمير المؤمنين: إن المدينة أرضٌ العيشُ فيها شديد ولا نرى طعامك يعشى ولا يؤكل وإنَّا بأرض ذات ريف. وأن أميراً يعشى وأن طعامه يؤكل. فكنت في الأرض ساعة ثم رفع رأسه فقال: فنعم فإنني قد فرضت لكم كل يوم من بيت المال شاتين وجريبين، فإِذا كان بالغداة فضع إحدى الشاتين على أحد الجريبين فكل أنت وأصحابك ثم ادع بشرابك فاشرب، ثم اسق الذي عن يمينك ثم الذي يليه ثم قم لحاجتك فإذا كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك ثم أدع بشرابك فاشرب ألا وأشبعوا الناس في بيوتهم وأطعموا عيالهم فإن تحفينكم للناس لا يحسن أخلاقهم ولا يشبع جائعهم والله مع ذاك ما أظن رستاقاً يؤخذ منه كل يوم شاتان وجريبان إِلا يسرعان في خرابه.
ـ عن حميد بن هلال أن حفص بن أبي العاص كان يحضر طعام عمر فكان لا يأكل، فقال له عمر: ما يمنعك من طعامنا؟ قال إِن طعامك حشب غليظ وإِنّي راجع إِلى طعام لين قد صنع لي فأصيب منه. قال: أتراني أعجز أن آمر بشاة فيلقى شعرها وآمر بدقيق فينخل في خرقة ثم آمر به فيخبز خبزاً رقاقاً وآمر بصاع من زبيب فيقذف في سمن ثم يصب عليه من الماء فيصبح كأنه دم غزال؟ فقال: إنني لأراك عالماً بطيب العيش، فقال: أجل والذي نفسي بيده لولا أن تنتقص حسناتي لشاركتكم في لين عيشكم.
ـ عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر بن الخطاب فأعجبته هيبته ونحوه فشكا عمر طعاماً غليظاً أكله، فقال الربيع: يا أمير المؤمنين إِن أحق الناس بطعام لين ومركب لين وملبس لين لأنت، فرفع عمر جريدة معه فضرب بها رأسه وقال؟ أما والله ما أراك أردت بها الله وما أردت بها إلا مقاربتي، إِن كنت لأحسب أن فيك ويحك، هل تدري ما مثلي ومثل هؤلاء؟ قال: وما مثلك ومثلهم؟ قال: سئل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إِلى رجل منهم فقالوا له أنفق علينا فهل يحل له أن يستأثر منها بشيء؟ قال: لا يا أمير المؤمنين. قال: فكذلك مثلي ومثلهم، ثم قال عمر: إِنني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم وليشتموا أعراضكم ويأخذوا أموالكم، ولكني استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له علي ليرفعها إِليّ حتى أقصه منه، وقد رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يقص من نفسه، وكتب عمر إلى أمراء الأجناد لا تضربوا المسلمين فتزلوهم ولا تحرموهم فتكفروهم. ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تنزلوهم الفياض فتضيعوهم.
ـ قالوا: إِن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لما توفي واستخلف أبو بكر الصديق كان يقال له خليفة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فلما توفي أبو بكر رحمه الله واستخلف عمر بن الخطاب قيل لعمر خليفة خليفة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فقال المسلمون فمن جاء بعد عمر قيل له خليفة خليفة خليفة رسول الله عليه السلام فيطول هذا ولكن أجمعوا على اسم تدعون به الخليفة، يُدْعَ به من جاء من بعده من الخلفاء فقال بعض أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلم نحن المؤمنون وعمر أميرنا، فدعي عمر أمير المؤمنين، فهو أول من سمي بذلك، وهو أول من كتب التاريخ في شهر ربيع الأول سنة ست عشرة فكتبه عن هجرة الرسول من مكة إِلى المدينة، وهو أول من جمع القرآن الكريم في الصحف، وهو أول من سنّ قيام شهر رمضان وجمع الناس على ذلك وكتب به إلى البلدان وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة، وجعل للناس في المدينة قارئيْن: قارئاً يصلي بالرجال، وقارئاً يصلي بالنساء، وهو أول من ضرب بالخمر ثمانين واشتد على أهل الريب والتهم وأحرق بيت رويشد الثقفي وكان خانوتاً وغرب ربيع بن أمية ابن خلف إِلى خيبر وكان صاحب شراب فدخل أرض الروم فارتد، وهو أول من عسّى في عمله بالمدينة وحمل الدُّرة وأدب بها، ولقد قيل بعده: لَدرة عمر أهيب من سيفكم. وهو أول من فتح الفتوح وهي الأرضون والدول التي فيها الخراج والفيء، فتح العراق كله السواد والجبال وأذربيجان وكور والبصرة وأرضها وكور الأهواز وفارس وكور الشام ما خلا أجنادين فإنها فتحت في خلافة أبي بكر الصديق رحمه الله، وفتح عمر كور الجزيرة والموصل ومصر والإسكندرية، وقتل رحمه الله وخيله على الري وقد فتحوا عامتها، وهو أول من مسح السواد وأرض الجبل ووضع الخراج على الأرضين والجزية على جماجم أهل الذمة في ما فتح من بلدان، فوضع على الفتى ثمانية وأربعين درهماً، وعلى الوسط أربعة وعشرين درهماً، وعلى الفقير اثني عشر درهماً وقال: لا يعوز رجلاً منهم درهم في شهر. فبلغ خراج السواد والجبل على عهد عمر رحمه الله مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف وألوف درهم دانقين ونصف، وهو أول من مصَّر الأمصار. الكوفة والبصرة والجزيرة والشام ومصر والموصل وأنزلها العرب، وخط الكوفة والبصرة خططاً للقبائل، وهو أول من استقضى القضاء في الأمصار، وهو أول من دوّن الديون. وكتب الناس على قبائلهم وفرض لهم الأعطية من الفيء وقسّم القسوم في الناس، وفرض لأهل بدر وفضلهم على غيرهم وفرض للمسلمين على أقدارهم وتقدمهم في الإسلام، وهو أول من حمل الطعام في السفن من مصر في البحر حتى ورد البحر ثم حمل من الجار إلى المدينة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :770  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 797 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.