شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الاقتصاد
* لست من رجال الاقتصاد ولعلي من أكثر الناس خيبة في تعاطي التجارة.. ولكن السوق المشتركة في نتائجها الظاهرة لم تعد سوقاً تجارية أو اقتصادية فحسب. بل إنها أصبحت تحركاً اجتماعياً وتاريخياً... ووحدوياً لكل الذين يشتركون فيها.
حينما كنت أقرأ عنها فيما سبق، أسرعت إلى المخافة منها تكتلاً تجارياً اقتصادياً يرفع قيمة الصادرات من إنتاج أرضها وصناعتها... ويتحكم بخفض مريع لما يستورده من المواد الخام من آسيا وأفريقيا وما إليها.
كنت أحسب ذلك ولكن الأيام أخلفت ظني فهي اليوم تسعى جاهدة لوحدة دولها واستقلالها كتلة واحدة كأنها عالم ثالث جديد بين القوتين الكبريين. فأغلب الظن أنها ستعدل في سياستها مع أفريقيا قبل آسيا لأن أفريقيا ستكون المستودع المورد الأكثر لأوروبا للسوق المشتركة. فإذا ما سعت دول السوق المشتركة إلى اعتدال السياسة وترك مناطق النفوذ لدولة دون أخرى فإن أفريقيا حين تستريح من عنت الاستعمار الجديد - كل دولة تركب رأسها - ومن عنت التفرقة العنصرية، فإنها - أعني أفريقيا - ستحقق لأوروبا ما تغنمه من موارد بعد ذلك من قيمة الصادرات.
ثم يأتي دور آسيا لأن السوق المشتركة سوف تعتدل لئلا تضيع آسيا حين تصبح منطقة نفوذ الصين أو الاتحاد السوفياتي. إن أوروبا الآن باعتدال السياسة وعدالة السلوك مع أفريقيا وآسيا، سوف تربح كثيراً لتربح الإنسانية السلام.
إن أوروبا قد ضاقت بعنت إسرائيل من حصار قناة السويس. لهذا قلت لشاب إنجليزي يدرس اللغة العربية في لبنان زارنا في هذا البلد.
قلت له: أحسب أن الخطوات الحاسمة والسريعة في مثل هذه المشكلة في الشرق الأوسط هو في يد الدول الأوروبية لأن دول السوق المشتركة...
* * *
* وأنعم الله بالغيث سحاً غدقاً متواصلاً على جدة وضواحيها... ابتدأ في الساعة الثامنة بعد الظهر من يوم أمس الأول، ولم ينقشع غمامه الحافل غير الجهام، ولم يقف ((هتانه)) إلا بعد الساعة الثامنة ليلاً...
لم يكن مزعجاً ولا مخيفاً يحجر الناس في الحجرات بل إنهم تنسموا الشذى من رائحة الثرى، يخرجون إلى منابع القطر، ومنابت العشب... كانت السماء قد أرسلت النوار والأزهار والأطيار في التو واللحظة.
وأشرقت الشمس، ترسل شعاعاً له لون مصفى كأنه قد غسل وعلق في شرائط ذهبية. يضيء ولا يقهر!.
ومشى الإنسان إلى دكان بقال، فلم ير في الأسواق ذلك ((الرَّجَغ)) امتص الماء الهواء، هبت رياح تبخر فيها الماء لعله يعود ثانية هاطلاً أقوى، فالغيم عميم وكأنما الرياح جاءت بما تشتهي السفن.
السفن هنا. بلدية جدة، شركة الكهرباء، التلفونات. فشركة الكهرباء أثبتت قوة الإصلاح والتعمير، فلم نر ((في كندرتنا)) خراب نور، ولا احتراق ((جامعة)) ولا ظلام شارع على العكس مما تعودناه من قبل. فثناء وشكراً.
هذا الثناء هو لحساب الإحسان في الأعمال والصدق في الأقوال. وهو القاطع لدابر الشكوى وعقابيلها لا تبخل به حفزاً، فلا تبخس الناس أعمالهم.
والتلفونات أحسن من زي قبل، يعني كنا القادرين على الإحسان بس ينبغي لنا شوية إدارة وحزم فلا يعامل المعمر معاملة الموظف المكتبي، دوام ثماني ساعات وبس والفرحة بالغيث أترعت النفوس، تغسل كل شيء نسأل الله أن يمرع هذا في النفوس والأخلاق والتراب والماشية، وللحاضر والبادي... ومع الأليف والآبد والحجر والشجر والعين والبئر والشعب والوادي.
فاللهم سحا غدقاً غير ضار شاملاً مباركاً فيه ترحم به أمة، ويهنأ به قافلاً يؤوب بحاجات لعياله يتلقونها من يده هاشين باشين. وأطفالاً، وبهما ورعاء شاة، وتعين سلام وحياة..
* * *
* أمسكوا الخشب... كلام يقوله عامي تعوذا من عين حاسد، وغير العامي يعيذ من يقيه بالرحمن... بالمعوذتين، والتعوذ هنا لخير الأمس حدث العام... أمل المستقبل في ميزانية عام ۸٦-۸۷.. نعيذها أن يتعطل منها شيء ونكبرها أن تعمل لنا كل الشيء المقرر فيها.
ونأتي على مقارنة فتحت بابها جريدتان هما: المدينة، والندوة، وضعتا جدولاً مقارناً لأعوام عشرة تضطرد فيها الزيادة إلى فوق.. إلى فوق.
والتفوق هنا جاء في الكم... ليأتي منه التفوق في الكيف، ولكننا لا نسير مع المقارنة في عشرة أعوام جدولت لها الجريدتان، وإنما نرجع قليلاً ((نطوي السنين القهقرى)) إلى ما قبل خمسة وعشرين عاماً.
في عام 1362هـ، وفي شهر رمضان منه كنا في الخرج، وبعد الإفطار جرى ذكر الموازنة.. قد بلغت أكثر من الستين مليوناً... فصرخت أوجه الكلام إلى الشيخ محمد سرور الصبان أسأل: ما هذا... لماذا. أفي عامين تطفح الموازنة إلى ستة أضعاف؟.. لقد كانت أحد عشر مليوناً أو أكثر قليلاً، وتصبح في هذا العام أكثر من الستين... على أي أساس تم ذلك.. ألا تخشون رد الفعل إذا ما انتهت الحرب وقلت الموارد المؤقتة؟.
وضحك الشيخ!.
* * *
* وكنت أعجب من الشاعر العربي كيف استطاع بأسلوبه البديع أن يصف المروج والرياض، والأزاهير، والورود والماء... وهو في هذه الصحراء لا شيء فيها أراه يعلمه الوصف لما يراه... كيف يصف ما لم يعش معه.. أين الأقحوان، والعناب، والخزامي؟.
ولكن العجب زال في رحلة رحلناها إلى الرياض.... في ((الوسمي)) قد تواصل ((وليه)) يغمر الأرض بالحيا... لتعمر بالعشب والأزاهير!..
قمنا فجر اليوم من الدوادمي على سيارة.. فما شارفنا نفوذ ((السر)) وجدنا رمال الساقية المتحركة... لا نمر فيها إلا فجراً، أو ليلاً لئلا ((تغرز)) السيارة، وجدت نفوذ ((السر)) روضة فيحاء فيها الأزاهير أشكال وألوان ((سبع شكل)).. كأنما هي قوس قزح.. لا ينكسر على الماء نور، وإنما يتفتح بالماء نوار... رائحة عطر يفوح الشذى ليغرقنا ونحن المسرعين في خدر منعش... ننام فيه ونحن المصحون!.
ووقفت أنزل، وأتأمل... عرفت قيمة الغيث.. لقد كانوا يغاثون... فتمرع الأرض... يصفون أزاهيرها.. هكذا وجد الشاعر العربي في بيئته ما وصف... حتى إذا قرأناه اليوم، وجدناه قد ((جغرف)) الجزيرة العربية كلها في شعره!.
اقرأوا المعلقات تجدون جغرافية الجزيرة العربية كما وجد ياقوت دليله فيها... وكما وجد الهمداني ذلك... وكما نجده في صحيح الآثار لابن بلهيد!.
* * *
* قال لي: ماذا ترى في تخطيطي الجديد لأنهض بعملي القديم.
ـ وقلت له: أنت في كل ما صنعت تبحث عن الكم، ولا تسأل عن الكيف؟.
تريد الاسم اللامع لتبرز به متعاملاً معه لا عاملاً له، ولا مفيداً غيرك بعمله. وقد يكون هذا حسن في حالة من حالات..
وفي الوقت نفسه تترك المتحرك بالجدة والشباب والأمل... تردم عليه ركاماً... فلا يطيق أن يصنع شيئاً لك كما تريد... وهذا سيء ومسيء لأن فيه السوأتين..
تسيء إليه بالردم فلا يظهر جيل منه، معه لنا. وتسيء في ما تعمل.. ليسأم الناس لا يعيشون على طعام واحد... لا يصبرون على المن والسلوى.
تتصورهما في واحد من القريتين عظيم..!.
وعظيمك اليوم هو في الثوب الذي يلبس لا لقيمته.. ذاته.. وقد يتغير نظرك إليه إذا ما خلع الثوب الذي يلبس.. قد عظم به عندك... وهذا أقبح!.
هكذا فاتك أن تعمل للكيف لأنك مغرم بالكم من واحد فيك.. هو ((الأنا)) يعجبك لنفسك الجيد.. ولا تطيق أن ترى الجيد معلنا لغيرك عن غيرك.
ذلك تحكم ((الأنا)).. وضعف الـ ((هم)) أو الـ ((نحن)). فتش عن الكيف... عن الطريق لغيرك وإلا فسيغلق طريق بك لك عنك.
إن الصنمية في تقدير الكم، قضاء على الصميمية في قوة الكيف. ولا يعني هذا إهمال الكم ولكن الكيف هو الأول والكم بعد...!.
* * *
* والشيء بالشيء يذكر.... عنوان كان يتيه به سركيس، يوم كانت الصحافة جهد فرد، ينحت المقالة والخبر، والقصة، كاتبها. ناقلها. فنانها. نحتا من عصب فوار بالطموح بالمثبطات غير مانع أي شيء عنده، كأنه مشاء يجرجر طلاب المعرفة ليقرأوه ليفهموه. ليتفوقا بعد حتى عليه.
كان هذا أمس يوم كان الحلم يداعب العاطفة في نفس الرائد والمعلم حتى إذا تحققت الآمال. وتمايزت القيم، وبرزت الكفاءات، أصبح السعر في سوق سوداء. يرتفع الثمن أو يرخص كمادة في أهواء ورغبات الراضين والغاضبين والمخذلين والحافزين.
سوق سوداء في قيم الرجال ينخفض بها سعر الغوالي. ويرتفع سعر الامعات كالجواهر المزيفة تقليداً لقلادة نفيسة.
فالسوق للرجل اليوم كسوق العملة، يتحكم فيها قانون هو العملة الرديئة. تطرد العملة الجيدة.
هذا الشيء يذكر... فما هو الشيء الذي أتذكره حين أكتب هذه الزفرة؟ لا. لا. لم أتذكر الشيء.. وإنما أذكر به من يقرأ ما تقدم ليفهم ما تأخر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :910  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 751 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.