شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإسلام والمسلمون
وقرأت خبراً يقول: إن امرأة في ألمانيا ولدت توأماً أحدهما شعره أشقر يشبه أباه، والآخر شعره أسود، وليس فيه شبه من أبيه، فتقدم الأب يشكو أم الطفلين إلى القضاء، ينفي بنوة الطفل ذي الشعر الأسود.
وحكمت المحكمة ببنوة الطفل الأشقر، وبنفي الطفل الآخر، من أبوة الزوج.لأن التحاليل للدم وما إلى ذلك واعتراف الأم بأنها كانت لها علاقة مع رجل آخر. قد قنع بها القاضي فأصدر حكمه.
عجب! لكنه حكم القوانين الوضعية، وهوى القضاة. وكبرت لهذا الإسلام دين الستر والرحمة، فهذه أحكامه: الولد للفراش وللعاهر الحجر.
وصعب الملاعنة بالأيمان المغلظة يتهم بها الزوج زوجه. وتبرئ الزوجة بها نفسها. فيصدر الحكم مع اللعن، والغضب على من كذب وافترى فلا تحاليل ولا تعاليل.
إن هناك الإرشاد العظيم في قوله عليه الصلاة والسلام: لعله عرق انتزعه.. جاء صحابي يشكو من لون البشرة في ابنه، كأنه يشك في بنوته، يتهم زوجه.
فسأله الرسول أو كما قال: عن الجمل يولد بلون غير لون الفحل أو أمه الناقة؟ فقال العربي بسليقة العالم بحيوانه، وما يتنوع به الشكل واللون. لعله عرق انتزعه. فأجابه المشرع رسول الرحمة بكلمة الستر والحق وهذا لعله عرق انتزعه. فاقتنع العربي بحجة هو يعرفها.
ما أحسن الإسلام دين الستر والحب والرحمة. فلعل هذه لم تقع في بلد يحكم بقانون الشريعة السماوية.
وإنما هي واقعة في بلد يحكم بقانون من صنع البشر بأهواء البشر!!.
وعن أوروبا القارة البيضاء.. ما كنت في يوم من الأيام أحسب أن أوروبا منارة الحضارة في هذه الحروب تعامل معاملة العبيد.. حتى أخلف ظننا ما نراه من هذه المواقف التي تعامل أوروبا كأنها العبد المطيع لا يكون بعيد النظر إلا إذا أطاع السادة المستعمرين.. لكن أوروبا نفضت غبار ذلك.. وليس في هذا انتصار للعرب فحسب.. بل هو الانتصار لما ذهب إليه ديجول.. تكلم ديجول.. وأرشد ديجول.. فما سمعوا له أول الأمر.. ولكنهم الآن يسلكون مسلكه ويسيرون على طريقه... ولا أريد أن أزيد.
الله أكبر.
سمعناها تدوي في حرب السويس السابقة في نشيد... وسمعنا أن بعض المارقين أنكرها أن تكون فاعلة.. لكنها اليوم في وجدان كل جندي ساعة الهجوم.. وفي وجدان كل عربي ساعة الانطلاق.. وفي ضمير كل ملك وكل رئيس في لحظة العون والبذل... وفي كل لحظة من أشعل النار في حرب اقتصادية.
كل جندي. كل عربي. كل ملك. كل رئيس يعتقد أنها هي التي حطمت... وهي التي نصرت وهي التي يستديم بها النصر... ويستقيم بها الأمر.
إن هذه الحرب جهاد مسلم مقدس.. حين ينتصر العرب فيما ينتصر الإسلام... ولعلّي أكثر تفاؤلاً بجهاد مسلم عوناً من المسلمين الذين تضامنوا... أو الذين ائتمروا... أو الذين ترابطوا.
فكل انتصار للعرب اليوم انتصار لكلمة (الله أكبر) ولن يتأخر مسلم عن نصرة (الله أكبر)... العون. العون. يا أهل المآذن والمنابر والمساجد.. فإن ما تبذلونه ما هو إلا عون لكم فما نحن وأنتم إلا كهذه الحكاية في هذا المثل... لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
والعظة والعبرة في خبر عن القاضي.. يعطينا المعنى القويم والمشرق عن نظافة الإسلام.. خلقاً أمر به الدين، ودينا لا يتنافى مع مكارم الأخلاق، وأسلم الأوضاع؟.
رجال ثلاثة كان لكل منهم مكان، القاضي والمفتي مع رجال ثلاثة لكل منهم مقام الخليفة ونفوذ السلطان. أبو يوسف كان صمام الأمان لهارون الرشيد، ويحيى ابن أكثم كان المانع للمأمون لا يبيح نكاح المتعة فله دين في أعناقنا نعيش في طهر مترحمين عليه.
وأحمد بن أبي داؤد رغم الذكاء والفقه واللسن والمقام وصم عصر المعتصم بما حمله من الفتنة والجور على الأكرمين! وهكذا تفرق بالرجال طريق، وكل ميسر لما خلق له.
يحيى بن أكثم القاضي ألزم المأمون بأن يقف مع خصم موقف المساواة لا يتميز في مجلس ولا يمتاز بمقام. أي هي عدالة القاضي؟ أم هي عظمة المأمون؟.
كلاهما أدى للقيم حقها، فأخذ من المقومين لأقدار الرجال حق الثناء، إن كساهم ثناء في سيرة، فإنما هو كساء إسلامهم النظيف لا يحب القذارة ولا يبنى بالقذرين. الخصم من عامة الناس لم يستطع جلب الشهداء، فحكم ابن أكثم على المأمون باليمين.
حلف المأمون اليمين يتبرأ من دعوى كاذبة، حينما أنكرها المأمون ملكاً، لم يشأ أن يتنكر لسلوكه خصماً. لم يترفع عن اليمين بحلفها أمام القاضي.. كبرياء الرجال، ليس هو تنصل المتعالين!.
في حديث مع أستاذ أمريكي كبير...
سأل: هل ترى أن الإسلام صالح لتطور الحياة؟
قلت: وليس ما هو أصلح منه. فهو دين يقبل كل طيب، ويرفض كل خبيث!.
دين أعطى الإنسان العزة بالتوحيد.
دين أعطى الإنسان السلامة بالتوبة.
دين أعطى الإنسان التقدم بالعمل والعلم وارتفاع النفس عن كل الدنايا.
قال: ما بال المسلمين اليوم في تأخر؟!.
قلت: لأنهم سخروا بكهنوت، وأذلوا بطغيان، وتركوا إلى الجهل، وأظلمت أنفسهم بالخرافة.
دعني أسألك؟ فهل البابوية... وصكوك الغفران وفسوق الأباطرة من أوامر المسيح؟ حينما أنقذكم لوثر منها. مشيتم في طريق النور!.
قال: أتؤمن بالبطل المحرك لمسيرة التاريخ؟.
قلت: لا بد منه. كان لوثر ضرورة، وسيكون ضرورة، وواشنطن ضرورة.
قال: كيف تقول هذا؟ هذا ما يقوله كارل ماركس حينما يفرض الضرورة التي لا تسير إلا بالبطل. إن الحاجة. والبطل طرفان من وجودهما معاً تشع الومضة للانطلاق... تجد الحاجة نفسها صانعة المختار. ليكون هو ساد الحاجة.
إن هيجل يعترف ببطولة محمد ((عليه الصلاة والسلام)) كما يعترف بنابليون.
أما شارل ماركس فجعل المادة كحاجة. تصنع الإنسان كمطلب. هذا شيء قد قتلته التجربة. فيبقى البطل.
ولا زال الإسلام هو البطل..
وسكت لأكتب هذا.
وأرجو أن ينزل ما نكتبه عن التذكير بالخدمات لتدارك النقص على قلوب الرؤساء والمرؤوسين ناعماً ومقبولاً بحسن نية، فهو منا عن إخلاص ومحبة.
كنت قبل أيام في مقبرة ((الأسد)) فوجدتها كدوة فيها الأحجار وعلب الصفيح الفارغة والأوساخ وشيء لا يرضي كرامة المسلم في مقابره!
فالإسلام دين النظافة..
قالت كاتبة ألمانية: إن أوروبا لم تعرف تنظيف الأبدان إلا عن طريق الشرق. حين أشرقت شمس الإسلام بدخول العرب إلى أوروبا.
إن إهمال التنظيف سببه عدم وجود المكلفين بذلك، إهمال الخدمات!.
هذه واحدة... أما الثانية فقد تحدث إلينا أحد الذين ذهبوا إلى المغسلة ((الشرشورة)) يخبر عن ميت. يطلب الخشبة والمغاسل وحفر القبر، فإذا المسؤول يزعق فيه... الساعة سبعة من الليل تصحيِّني من النوم، وكان المتحدث يلوم على الزعاق.
فقلت له: لا تلمه.. لا لوم عليه. لو كان هناك الموظف المناوب في المغسلة لما ذهب إلى بيته؟! لماذا لا يكون في المغسلة مناوب ينجز المطلوب؟ هل الموت له دوام كدوام الموظفين؟
إن الخدمات تعمل أربعا وعشرين ساعة بالموظفين المناوبين!!.
هما غاسلتان فقط لا غير! هذا لا يكفي بلداً كبيراً مثل جدة!.
وثالثة... فقد ذهبنا بالجنازة، وفي يقيننا أن القبر جاهز، فلم نجده قد هيئ.. لا حفار. لا كاشف. لا فاتح. فقام الرجال بفتح القبر وتهيئته. ودفن الميت. فما هو السبب؟ السبب هو عدم توفير الخادمين في الخدمات يعملون في الساعات كلها.
وسمعت أن غيرنا وقع له ذلك، ولعله لم يصنع شيئاً ولو تذكيراً بالتلفون لمن هو مسؤول عن ذلك.
* * *
إن غزو غينيا الأفريقية المسلمة فاتحة لفهم جديد، تصحو على طرقات أجراسه وطلقات رصاصه، ومسيرة السفن الباغية، عقول وقلوب ظلت تخدع نفسها يفتح الحوار مع البرتغال.
إن ملاوي ورأسها الدكتور ((باندا))، وإن ساحل العاج، ستعرفان ما هو الحوار؟.
إنه انقسام العالم إلى معسكرين..
معسكر البغاة الأقوياء... سواء في الشرق أو الغرب.. ومعسكر الضعاف في الشرق وفي الغرب.
إن التقسيم الجغرافي لم يعد حقيقة، وإن التقسيم المذهبي لم يعد حقيقة.
الحقيقة أن هناك أقوياء يريدون استرقاق الإنسان بالجملة، وأن هناك أرضاً وأناساً يستضعفون فتغزى أرضهم ويقتلون.
إن الخلاف الظاهر بين الشيوعية والرأسمالية الإمبراطورية ما هو إلا عملية توزيع فلا تنظم فيها معاهدة ((سايكس بيكو)) ولا تقنص الأسلاب فيها على مائدة في قصر ((فرساي)) فالتوزيع اليوم بصورة أخبث، وأشد مكراً.. هو بالخلاف والصراع.. فكل قوة كبرى تعين فريقاً حتى يسقط كل قسم جعلوه حصة في يد صاحبه!.
إن البرتغال آلة لا تستطيع أن تمول عملية حرب سنوات في أفريقيا لو لم تجد عوناً لا ينضب تشارك فيه قوى عديدة.. إنها فرقة أجنبية في حلف الأطلسي كجيش مرتزق، وإلا فهي رأس الحربة في هذا الحلف.
وإن البرتغال والمرتزقة لم تجرؤ على هذا الغزو لدولة أفريقية مسلمة لو عرفت أن أفريقيا سوف تهب هبة قوية في لحظة واحدة.
فأين مجلس الأمن، وأين هيئة الأمم؟. إنهما غير موجودين في خطوات روديسيا وجنوب أفريقيا والبرتغال وإسرائيل.. لأن القوى الحامية لهؤلاء تعطل الاثنين، كما هو جار في شرقنا الأدنى، إن حماة الطغيان لا زالوا يمارسون لعبهم بمجلس الأمن.
لو أن المنظمة الأفريقية أعلنت موقفاً ضد الحماة والبغاة لخاف الأقوياء قبل البرتغال... ولكنهم قد قالوا ألا أني أُكلتُ يوم أكل الثور الأبيض.
إن غينيا شعب مسلم رأس الدولة فيه اسمه ((أحمد)) الشيخ أحمد توري فلا نكران أن أغضب لأرض فيها غانة كما هو في مقامات الحريري يرحمه الله. فغينيا ((سيكوتوري)) وغانا ((نكروما)) أرض على خليج واحد.
والكلمة في هذه اللحظة ليست من البشر، وإنما هي من قرآن كريم نزل على سيد البشر.. سيدنا محمد بن عبد الله نبي الرحمة... الهادي إلى صراط مستقيم..
اقرأوا معي آيتين من سورتين... آية عن الإسراء، وآية عن المعراج ولا شأن لكم بالبحث كيف تم... كيف جرى.. هل هو جائز عقلاً.. لقد تم أنبأ عنه قرآن... إنكاره كفر، أو تصدقون الخارق للعادة يأتي من عمل ((اليوجي)) تمرس بالرياضة فأتى بالخوارق، أو تصدقون ما صنع الإنسان من سفينة البوينج تطير وترتفع وتسرع... توصل إلى مكان بعيد في وقت قريب كأنما هي مصداق البراق.. أتصدقون كل ذلك، ولا تؤمنون بالمعجزة على يد نبي... إسراء ومعراجاً.
واقرأوا الآية: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الإسراء: 1) هذه الآية هي مصداق الإسراء... أعلنت عن مهرجان الأرض يمتد من مكة إلى بيت المقدس.
ثم اقرأوا هذه الآيات من سورة النجم: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (النجم: 1 - 18).
ما أروع البيان... ما أحلى القرآن... ما أصدق الإيمان.. كل ذلك إثبات لعظمة الله ثم هو الإثبات كل الإثبات لمقام هذا النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
وسأله صديقه: كيف الحال؟
فقال: الحال كله الرضا، فقد أصبحت الدنيا وإنسانها في زحمة مستغولة.. تفري العصب. وتغري بالعذاب. وتطر السوط، وتكره الرحمة كأنها الإنسان أصبح هو عذاب نفسه.
قال: ما السبب؟
قال: ضعف الإيمان.. سقوط المعاني. الاغتيال بالمادة. فلقد أصبحت المادة: شقة، سيارة، رغيفاً، كهرباء، ثلاجة.. كلها رغائب الإنسان.
فإذا ما تحصل عليها، جلس إلى الإذاعة يسمع الأخبار. كأنما الإنسان أصبح ثوراً مربوط العين ينصت بأذنه وأنفه وحواسه كلها.. يسمع المغريات المقلقات.
فلئن كان الـ دِ دِ تِ مبيد الحشرات، فإن هذه المقلقات سم الإبادة لعصب الناس وأفكارهم.
تركوا المسجد إلى الشارع. والحقل إلى المراغة. والسكينة إلى الوحشة.
الانفراد والاعتزال يحكم إنسان اليوم. فشقاء الإنسان بعقله ومطالبه.
فكلما توفرت المادة في هياكلها وموائدها، كلما بعد الإنسان عن الوفرة في معاني النفس والروح.
يوم كنا نركب الجمل والحمار والبغل، ونحلب العنز، ونجني الرطب تخيلنا أنا نمسك بالكون كله. فالكون كله هو القرية والكوخ والشجرة والشاة والبعير.
واليوم اتسع المدى حتى ضاق!.
يضيق المدى بالقلق من فقدان الإيمان من طغيان الهوان. من المتاجرة بالرحمة، والمشاجرة على قتل المثل العليا.
لقد ضاع إنسان اليوم بضياع الإيمان والرحمة والعدل.. فلا سلام ولا سلامة ما دامت الشهوات والنزوات تحكم الدنيا بقلوب فارغة من المعاني غارقة في قاع المادة، وحمأة المطالب!!.
والشيء بالشيء يذكر.. وخير هذه الأشياء ما لامس العاطفة، وما لامس الاستعطاف!...
سألتني فتاة غالية: هل أحضر ورقاً وقلماً تملي علي بعضاً مما قاله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثناءً على ((علي)) بن أبي طالب.. يُعد في مناقبه، وبعضاً مما قاله عمر ثناءً على ((علي)) رضي الله عنهما؟
هات الورق..
وجلست.. أملي عليها نبذة قصيرة من مناقب ((علي)) مما علق في الذهن وكان والحمد لله أغلبه في الجامع الصحيح للإمام البخاري رحمه الله، ولكي أزيدها إقناعاً جعلتها تراجع الجزء السابع من الفتح لترى صحة ما أملي عليها، ولأطمئن أنا على ذلك، ولقد جاءت الطمأنينة بعد التثبيت والمراجعة، وجدت فيها الصحيح في الجامع الصحيح!
وأخذت تكتب مرة ثانية بعض ما قاله عمر: لولا علي لهلك عمر، اللهم لا تجعلني في قوم ليس فيهم أبا الحسن. معضلة وأبو الحسن لها. ما أحرى أن يتولاها رجل يحملهم على الطريق.. ذلك الأرجح..
لولا خشية بني هاشم.. وتوقف القلم في يدها.. وعيناها مغرورقتان بالدموع، وقالت: عجيب أمر عمر.. عجيب أمر عمر.. إنه لواقعي حتى في ثنائه على ((علي)) لم ينس نفسه. أدخل ذاته، وهو يثني على صاحبه؟.
ولم أستدرك نفسي من دهشة لفهم جديد تعلمته من أستاذتي هذه الفتاة. جلست تتعلم مني! إني مدمن في العمريات، وقرأت عمر كثيراً، وكثيراً.. كلما أردت التفريج على نفسي طوال أيام عمري قرأت عمر.. طوال هذه السنين ولم أنتبه إلى هذه السنين ولم أنتبه إلى هذا الفهم؟! أتعلمه من ابنتي اليوم.. فهي بحق أستاذي فيه؟؟!
ونقلت الخبر إلى أكثر من صديق فرحاً به ليفرحوا به. وقالوا، ولم يكونوا جميعاً:
دعنا نرد هذا السند.. نأخذه عنك.. أستاذاً من أستاذة.. وقلت لهم: وهذا ليس بالجديد فرواية الأكابر عن الأصاغر معروفة، ورواية الفاضل عن المفضول مقررة... كما هي التدبيج بين الأنداد والأطراف وهكذا يتم الحوار والحديث والسؤال والجواب لكل طالب علم.. علم جديد، وفهم يتجدد، فسائلك يتعلم منك.. هو معلمك مما يثير في نفسك من البحث عن المعرفة والجري وراء الغالب عنك لتعلمه وكأنه الجديد!.
في ليلة أمس أدرت المؤشر على المسطرة أتسمع الإذاعة عربية مسلمة أحسب أنها بجانب المنارة البيضاء.. ينزل عندها المسيح بن مريم يحف به رجال مؤمنون.
سمعت المذيع يقول: خطاب ألقاه ((الرفيق)) وسماه إسماً عربياً.
واسترجعت حتى لم أكد أسمع ما حولي. وتذكرت خبراً تحدثوا به عن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما.
قيس بن سعد رابع المطعمين في بيته، أصبح بذلك الفرد العلم في العرب كلهم.. صاحب الراية يوم الفتح أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيه وأعطاها له، لأن النبي أراد المرحمة ولم يرد الملحمة كان صاحب علي، وأميره علي خراسان، وفاخر به معاوية الروم فارساً ومصارعاً وطوالاً.
قال قيس: رأيت يوم صفين فتى من كليب يقاتل في صف الشام قتالاً شديداً بعزم وجلد وإقدام فوقفت له أسأله: علام تقاتل يا أخا كليب.
قال: أقاتل تارك الصلاة ومانع الزكاة!
وسأله قيس؟ من؟
فقال له: ويحك.. ويلك.. ويحك والله لأن ترك الصلاة علي، ومنع الزكاة علي لم يؤدهما أحد، وأثاب الفتى إلى رشده يسير مع ابن عمه قيس يهتدي بهديه.
وهكذا غرروا بشاب فأصبح يقاتل عن عقيدة وهو مبطل. وهكذا يغررون اليوم بشباب. يلعبون بمصير أمة. لماذا لا يقول: الأخ.. الكلمة المسلمة.
ذلك أن الذين ترجموا اللفظ الشيوعي جانبوا التسمية المسلمة كراهية لها فاليوم نحمدها لهم لأنهم بذلك وضعوا الفرق بين الحق والباطل فأصبحت ((الرفيق)) علامة فارقة، تفرق بينها وبين ((الأخ)) الكلمة المسلمة!.
واسترجعت مرة أخرى.. فالله أمرنا حين المصيبة أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون..
وأنشد الحارث بن خالد المخزومي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما شعراً أعجب السيد الجليل النقي النبيل بن عمر. ووجد فيه ما يستأهل ما يوجب، أن يقول ((إن شاء الله)) فقال ابن عمر: إن شاء الله يا خالد! فقال خالد: إنها تفسد الشعر!!
فأجابه ابن عمر: إنه لن يصلح شيء تفسده كلمة ((إن شاء الله)) يردون أموالهم.. كأنما هم قد صدقوا تهم المنكرين بأنها باعثة الكسل لقد كذبوا.. فإن الكسل من ضرائب الجهل والمرض والإهمال والفقر.
إنها وربي باعثة النشاط بالطمأنينة إلى الله. خالق كل شيء مُيسر العسر..
والشيء بالشيء يذكر.. فقد قالوا إن عبد الملك بن مروان أمر الحارث بن خالد عل مكة. وعللوا ذلك. بأن كلَّ مخزومي كان علوياُ إلا الحارث بن خالد فقد كان مروانياً.
وكان الحارث بن خالد يحب عائشة بنت طلحة. يريد أن يرضيها لعلها ترضى بزواجه منها. ولكنها كانت تأبى وترفض.
وحجت عائشة، وبينما هي تطوف كاد يدركها الأذان... فطلبت من الحارث تأخيره حتى تكمل طوافها.. فأمر بتأخير الأذان والإقامة فتأخرت الصلاة... وقد كان طلبها على رسول منها إليه!!
وعلم عبد الملك فعزله عن الإمارة.
فقال خالد: لقد كان رضاها واستجابة طلبها أحب إلي من هذه الإمارة.
أما عائشة فذهبت بليل لئلا يدركها حقب منه. فقد كانت الصون والعفة رحمها الله. في ذلك العصر الطري القريب من النبوة. والذي أدرك بعض الصحابة قد وقع هذا... فكيف بعصور بعده.. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وهما صورتان لإمام، ولقاضي، نرى فيهما قوة الحق من تعصب الإمام له، وحكم القاضي به لا يسأل واحد منهما عن السجن والعذاب، ولا يسأل ثانيهما عن العزل، عشت لحظة مع الإمام البويطي تلميذ الإمام الشافعي رحمهما الله.
البويطي هو أبو يعقوب يوسف بن يحيى تتلمذ على محمد بن إدريس الشافعي الغزي، المكي المدني، المصري، القرشي، المطلبي رحمه الله.
وحينما شعر الشافعي بدنو أجله استخلف البويطي مكانه، فتعقبه القائلون بقولة ابن أبي داؤد في القرآن، فلم يوافقهم تمسك برأي أحمد بن حنبل رحمه الله، وسار على نهجه في الصمود وتحمل العذاب، لم يتمكنوا منه ليأخذوا حجة يخالف به إمام السنة أحمد بن حنبل، وإن تمكنوا من جسده ترك مكان الشافعي في الفسطاط ونزح إلى قريته في ريف مصر. فلاحقوه يودعونه السجن وبقي في السجن حتى مات!
أي عذاب لإمام أكبر من ذلك، ولكنه العذوبة في الحق لها حلاوة الألم في المحبين المضحين يحبون الحق ولا شيء غير الحق، وكان البويطي إذا سمع النداء والأذان، يوم الجمعة، يغسل ثيابه، ويتطيب ويخرج إلى باب السجن يلبي النداء فيرده السجان. فيقف على الباب ويقول قبل أن يرجع إلى مكانه من السجن.
يقول: اللهم إني أجبت داعيك فمنعوني.
أي عظمة في هذه الطاعة، أي فقه في هذا الإمام، أي تحد للطغاة أكثر من ذلك؟!.
من الذين لجأوا من المدينة المنورة إلى مصر ((ابن القاسم)) صاحب مالك ابن أنس إمام دار الهجرة، توفي في مصر كما توفي الشافعي والليث بن سعد وابن عبد الحكيم وأمثالهم، وقد رأى أحد الصالحين ابن القاسم رؤيا منام، فقال له:
ـ ماذا صنع الله بك يابن القاسم؟!.
ـ فقال: لقد ذهب العلم والفقه، ولم ننتفع إلا بركيعات ركعناها في الإسكندرية!.
يعني أنه كان مرابطاً.. لا يقود جيشاً، وإنما هو الإمام القدوة... حين يراه عامة الناس يصبحون جيشاً وراءه!!
ـ الصورة الأخرى: ذكرت الأستاذ الإمام صاحب الجواهر (طنطاوي جوهري) كأنك تبكيه... تبصق على ضحكات بعض الساخرين منه. أتعرف أول من سخر منه؟ كثير من الأزهريين والجامعيين، وأولهم أستاذك الدكتور طه حسين. لعله قد تعرض لطنطاوي جوهري - إن لم أكن نسيت - في كتابه ((أديب)) حين قال ساخراً: إن بعض الناس يكلف القرآن مما لا يحتمل، ولا أدري عن موقف العقاد من الجوهري فلعله يوم خرج هذا التفسير كان العقاد مشغولاً بشوقي وسعد زغلول.
* * *
* إن الاتحاد السوفياتي بدأ رجعياً يسير على نهج الاستعمار الأول، فقد أذاعوا أنه سينسحب من الأفغان، إذا ضمن عدم تدخل دول أخرى!
أسلوب قديم، كأسلوب اللجان: لجنة ميللر في مصر. لجنة بيل في فلسطين. الموائد المستديرة. المبعوثون لاستيفاء المعلومات... هذا الأسلوب لا تريد منه موسكو إلا تعطيل الجهاد في الأفغان وسحب السلاح من المجاهدين، وإلا فلا انسحاب!
اللهم إنها القوة... ملكها بعض عبادك، وأنت مالك القوة كلها، فانصر المجاهدين عن دينك وأرض مسجدك وعبدك الإنسان المسلم.
* * *
* قبل سنوات كنت أمشي معه في شارع فخم ضخم يكاد يرقص من الزينة والزخارف والغادين والرائحات...
وجاء ذكر الكون والخالق، فأخذ يهرطق، كأنه حيوان لا يعرف الإيمان إلى قلبه سبيلاً.
وتركته يتحدث. أثيره. أغيظه ليستغرق في شططه لأتمكن من لي خواطره إلى موقف يذهله.
وقلت بلوعة: أنظر وراءك... سيارة دهست طفلاً. فضت رأسه فالتفت وهو لا يرى طفلاً ولا حادثاً، وإنما هو قد هزّة الخبر، فانتزعته صورة الطفل يلتفت ليقول: يا الله.... يا أرحم الراحمين.
وهدأ قليلاً. ولم أتكلم معه برهة. ليستريح ثم قلت له:
أكمل الحديث!
قال: أي حديث؟! ماذا فعلوا بالطفل؟ هل حملوه إلى المستشفى؟ أين أمه؟ ماذا صنعت؟
قلت: الطفل هو أنت.. ألم ترجع إلى الله حين كربت؟!
قال: فاكر... ذكرتني بشيء.. إني إنسان ضيعتني قراءة غير ركيزة،
قلت: ويضع أكثر ما تلمسه من إيمان بقولٍ غير مقرون بعمل؟
إنهم لو أعطوك من سلوكهم ما يدل على إيمانهم لما انتزعك فكر دخيل.
قال: إن الطفل المدهوس المدعوس قد أرجعني إلى قلبي. الإيمان مكانه القلب. آمنت بالله فلن أعود لحديث فاجر!.
* * *
* والشيء بالشيء يذكر:
ولا أدري ما هو الشيء؟ ولكني أسطر السواد على البياض لعله يأتي بشيء أبيض.
الإنسان لا يشبع من شيء حتى يجوع إلى أشياء أخرى تلك قيمة البشرية فيه. واقع الآدمية. لأن ذلك هو الأساس يرتفع بالطموح، وبه تبنى الحياة!
فلولا التناحر، والجري، والتشهي والإدراك والتناقض، والرفض والقبول كعوامل البقاء، وانتزاع الانتصار، لما عمر الوجود بالأحياء بالحياة.
فالعراك هو الدعامة لإقامة الحياة للمتعاركين، أول العراك الجوع لما تشتهي ونهاية المعركة الشبع بما نلت.
قالت: أريد أن أفهم هذا الذي يقوله الفارابي عن واجب الوجود؟
قلت لها: ولماذا؟
أريد أن أكتب عن شخصية عالمية!
ولماذا تكتبين عنه؟ ألا يحسن أن تكتبي عن شخصية أخف حملاً من الفارابي؟
قلت: لقد سكت الشعر والأدب والفن أريد أن أكتب عن الحقائق الصلبة. والفارابي حقيقة صلبة في وجوده وحياته. إنه بحاث عن الحقيقة لواجب الوجود ((الله)) جل جلاله، هو خالق الوجود.
وقلت لها: لكن المعلم الثاني قد يشط أحياناً!.
قالت: وهل الشطط يخيف الباحثين... إن الشطط أن لا تجرأ على البحث، وإلا نخاف المعرفة حقاً وباطلاً.. إن حقاً قبلناه، وإن باطلاً رفضناه، بعد أن عرفناه.
وأطعتها فمكثت ساعة تقرأ وأسمع لأشرح وأناقض وأقبل على قدر محصول وارتاحت في إدراكها لما فهمت. ثم قالت التسليم أشد راحة وله طعم المُيسَّر السهل.
ولكن البحث ارتواء بعد الظمأ وقلت لها: أليس من المفيد أن تقرئي الخفيف - الخفيف.. ثم الدسم - الدسم.
قالت: إن الدكتور قال لي: كُلي. كُلي. لأنه لا يخشى علي الورم ولا فقر الدم وإنما يخشى على الشيء في صدري.
قلت: القلب؟.
قالت: والعقل. يذوب أو يتجمد إذا لم يجد طعام فكر يعيش عليه. العقل حياته بالحركة والقلب صمام الأمان لجموح العقل. فاللهم إيماناً كإيمان العجائز. ورجعنا إلى التسليم.
* * *
* والسؤال القائم الآن يطرح في شكله التقريري عن رابطة العالم الإسلامي يتحرك به لسان فأكثر إذا ما انعقد المجلس التأسيسي في دورة مقررة يجتمع فيها أعضاؤه في مقر الرابطة في مكة المكرمة!
ماذا تعني هذه الرابطة؟ أو على صورة أخرى بماذا تعني هذه الرابطة؟ هل هي مؤسسة لها نهج معين ومحدود. تصدر عنها القرارات بتوجيهات واقتراحات؟.
أم أنها واسعة الجنبات في المحيط الأوسع، والمعاني الأكبر، والقيم الفاضلة كل القيم التي يتجه بها الإسلام، ويوجه الناس إليها؟
والإجابة هي كل الاثنين واحدة، فلا فرق بين أن تكون فرعاً لأصل، أو أن تكون لها كل الاتجاهات من كل الأصل.
الفرق، كل الفرق في فهمنا. في تعاملنا معها. في عملنا لها وهو أيضاً في فهمها لنا، في تعاملها معنا، في عملها لنا فهي بما تكون، ونحن بما تريد لنا وبما تعطينا نكون معها ولها هي مؤسسة لها كيانها وقوامها وقيمتها وأهدافها.
وهي كل البلد في المعنى الكبير والقيمة الأكبر لهذا البلد.
فلو أنها قامت في بلد آخر ليس هو مكة. لكان الحد لها محدود بقيمة البلد نفسه الذي قامت به رغماً عن اتساع الإسلام وارتفاعه، فسياسة أي بلد وطبيعته وأوضاعه تحد من أي مؤسسة تقوم ولو كانت الحزب المناصر له، أو المؤسسة المدعمة لنظامه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1377  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 738 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.