شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
التأقلم والأرض
ولعلّها خاطرة قد لا تقرها الجغرفة بكل ثقة ولكن التاريخ هو الذي يستقر بها كما هو يقر، وهذه الخاطرة عن أرضنا العربية بل وعن كل إقليم له سمة تتضح بها الإقليمية أو التأقلم كما هو النظر إلى أرض ملتصقة بأرضنا ألا وهي (أرض الأناضول) أو ما يسمونها آسيا الصغرى، فالأرض العربية شرق السويس وغرب السويس تأقلم إنسانها سواء العريق فيها أو المستعرق أو حتى الطارف الجديد. فأرضنا تسخر إنسانها ليكون العربي، فأي مواغل استغول في أرضنا ألا وهي التي لم تلبث إلا أن تستغول عليه ليكون بها.. منها.. فيها.. لها. صهرت التتار فأذابتهم وقهرت الصليبيين فصلبتهم سواء كانوا الصلب أو الغجر أو النور، فالبقية منهم تغجروا أما الآخرون الذين كانوا قبلهم من النصارى فصهرتهم غرباً وإن كان سلطان القومية العربية من عهد أمية إلى عهد الذين لم يكونوا الأمويين قد أبقاهم على ملتهم سواء مرة أخرى في حماية الرومان أو غواية الذين تمسكوا بنصرانيتهم، ولكن هذا الاختلاف في العقيدة لم يخرج ساكن الأرض عن عروبته يتكلمون اللغة العربية، فكم من نصارى لبنان كانوا حفاظ اللغة العربية وكم منهم الذين أسسوا المجلة والجريدة، فاليازجيون واليوسعيون لهم بصماتهم على ديوان الشعر وديوان الصحافة في هذا العصر الحديث.
أرضنا هذه أقلمت الألبانين بيت المؤيد العظم فإذا هم الدمشقيون كانوا على الزرة من أهل دمشق وسبق الكردي نور الدين زنكي والكردي صلاح الدين والخوارزمي قطز صهرت عروبتهم دمشق. فإذا هم قادة النصر مسلمين على الذروة عربيين على السنام. وفي مصر صهرت أرضها كل من حل فيها روميًّا يونانيًّا تركيًّا فارسيًّا فهي ليست مقبرة الغزاة كما يقولون بثقة الصهر، فأحمد شوقي التركي أمير شعراء العرب ورامي اليوناني زخرف شعر الغزل العربي وولي الدين يكّن أول الناثرين في بيان رائع قبل المنفلوطي مع أنه تركي، لكنها أرضنا العربية، لكنها اللغة الشاعرة. ونأتي إلى شبه جزيرة الأناضول، بعض مدنها في الجنوب عربية مثل (آذنه التي تسمى الآن آتنا) هذه الأرض، الأناضول كانت أرض الحثيين فلم يثبتوا على تأقلمهم بها وحل بعدهم الرومان فأقلموها ولم يتأقلموا بها وحل مكان الرومان أول الأمر السلجوقيون في خونيا والعثمانيون في بورسا حتى إذا تم فتح القسطنطينية فإذا الأرض هي التي تأقلمت تركية، هل ذلك طبيعة الأرض أم ضعف اللغة حبشية ورومانية بينما الغريب أن آطنه والإسكندرية ما زالوا على عروبتهم يتكلمون العربية كأنما هي قوة اللغة لا ضعف الأرض.
دمار
وصديقنا الجزار في القافلة التي هي سوف نشتري منه بعض ما يلزمنا ليس أوله اللحم وليس آخره الجبن. فقد تحدث هذا الصديق بأنه يملك عمارة في لبنان بناها من كده وحصيلة الأجرة عن مجموعة الشقق، مبلغ كبير يوم أن كانت الليرة عملة صعبة كانت الأجرة 1400 ليرة، فما أكثر الذين تنافسوا عليه لأنه فلسطيني الأصل، سكن لبنان، فملك هذه العمارة. كان هذا خبراً يروى للتاريخ؛ لأن هذا المبلغ أصبح الآن في سوق العملة لا يساوي أقل من دولار، إنها حسرة، إنه الدمار أن تصبح الليرة لا قيمة لها 1400 ليرة لا تشتري من وسيلة العيش إلا بأقل من 3 ريالات سعودية. دماء سالت ولبنان الجنة دمرت البستان الأزهر، عصفت به ريح الخلاف بين أبناء الوطن الواحد، إنهم عرب وتفرقت مذاهبهم وإنهم الأبناء وصفهم محي الدين ابن العربي في أحد الفصول بأنهم لبانة أخنوخ أي إدريس عليه السلام. إن هذه اللبانة اصبحت حشفة يعافها الحيوان، لأن حيوانية الإنسان أعجفتها، أتلفتها. إن دمار لبنان ليس خسارة لأهله، وإنما هو حرب على مصير العرب، فهل يستطيع العرب بما يملكون من قوة النفوذ وعظمة السلطان ووفرة الإمكان أن يصلحوا هذا البلد لبنان؟
ولعلّي أذكر كيف كان يملكنا الحزن أيام حصار المدينة المنورة إبان حكم فخري باشا، العرب يحاصرونها والتركي يحتمي فيها، فإذا البيت وفي زقاق الطيار يملكه محمد يوسف عبيد ابن عم الدكتور رضا عبيد يبيعه بكيس أرز مع أن الذي اشتراه بعد حين فتحت المدينة باعه بألف كيس قيمة البيت كيس أرز وما أكثر البيوت التي بيعت بذلك وقيمة التيس بـ 30 جنيهاً ذهباً. ملكنا هذا الحزن ولم يكن من صنع أيدينا وإنما صنع الذين أدانونا وبس.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :698  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 604 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.