وقد أذكر من أصدقائي الشباب العربي الذين كنّا نتعاون معهم يوم كنت على مقاعد الدرس في بيروت، وكان هو في الصفوف العليا من الجامعة الدكتور (اليوم) حمدي الخياط، وهو عراقي موصلي متحمّس لموصله وعراقيّته وعروبته، كان ولا يزال في ألمانيا اليوم شعلة من الذكاء والنشاط والحركة، وتخرّج من الجامعة بعد أن كان نجماً من نجوم شبابها، وعضواً من أعضاء العروة الوثقى بها، وتوجّه إلى "برلين" عاصمة الرايخ الثالث والتحق بجامعاتها، وجاءت الحرب فمنعته عن الخروج من ألمانيا فتزوّج، وأكمل تعليمه ونال الدكتوراه، ثم بقي فيها عربياً يلتقي بالشباب العربي، ويخدمهم ويعينهم في دراساتهم بالتوجيه والإرشاد لمن اتّصل به أو تعرّف عليه.
انقطعت الأسباب بيني وبينه في السنين التي كان فيها في ألمانيا، ولم ينسني ولم أنسه، حتى قدمت إلى "بون" في عام 1955م وأنا مدير عام للإذاعة والصحافة والنشر في المملكة السعودية، أبحث عن إكمال صفقة محطات إذاعية ألمانية من شركة "سيمنس" المشهورة، وبقيت نحو شهر في "بون" أنهي هذه الصفقة، التي أقمنا بها المرحلة الأولى القوية للإذاعة السعودية في جدّة، وكنت أتردّد على محافل الشباب العربي من الطلاب في "بون" أتعرف عليهم وأسأل عنهم، وجاء حديث عابر عن العرب المعروفين في ألمانيا، والذين يقدمون خدمات إعلامية لبني قومهم، فقال لي محدثي: مثل الدكتور حمدي الخياط، ففرحت بما سمعت، وقلت له: هل تعرفه؟ فقال لي: إنه اليوم صاحب دار نشر كبيرة في مدينة "كولن" تصدر عنها مجموعة من المجلات والمطبوعات العربية والألمانية وببعض اللغات الشرقية الأخرى، وأعطاني رقم هاتفه، فقمت من مقعدي إلى الهاتف واتّصلت به، وكانت المفاجأة أن يكون هو الذي أجابني على ندائي، قلت له: ألست حمدي الخياط عضو العروة الوثقى في الجامعة الأمريكية في بيروت؟ فقال لي: هو بشحمه ولحمه، من المتكلّم؟ فذكرت له اسمي فكاد أن يمشي على سلك الهاتف مهرولاً من مدينة "كولن" حيث يقيم إلى حيث أكلّمه من بون.