شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
من أجل فوكلاند
ـ حينما ثارت الحرب العالمية الثانية، شغل كل إنسان، بالحديث عنها. الكثرة خائفة، وقلّة حاقدة على أوروبا كلها. تريد أن يذوق الأوروبي العذاب، كما أذاق الآسيويين والأفريقيين من عذاب الاستعمار. بل وانشطر إنسان الدنيا كلها إلى شطرين. شطر يناصر المحور، يطلقون عليه هتلري، وشطر يناصر الحلفاء يطلقون عليه الديمقراطي.
فالكل يتحدث، أصحاب المراكز العليا، والزعماء محترفو السياسة، المثقف والعامي. وفي ذات يوم، انعقد مجلس حول (وجاق) في أحد بيوت الشعر وأخذوا يتحدثون عن هذه الحرب. وإذا شاب قد عرف دروساً من الجغرافيا والتاريخ فأحب أن يتظرف فقال: اليوم أعلنت بريطانيا الحرب على إنجلترا. فإذا الجالسون الذين لا يعرفون إلا اسم الإنجليز، فقد امتلأت أسماعهم بهذا الاسم فقال أحد الجالسين معلوم يوم يعلن الإنجليز الحرب على دولة، كل الدول تتعازم وتعلن الحرب مع الإنجليز على الدول التي يحاربها الإنجليز.
فالأمر عند هذا العامي أنه لا يعرف إلا الإنجليز فقط فيرى أن بريطانيا غير إنجلترا غير الإنجليز.
فضحك الشاب وشرح لهم أن كل هؤلاء هم الإنجليز.
هذه المقدمة تجعلني أطرح سؤالاً، هل يأخذ مجرى الحرب بين بريطانيا والأرجنتين من أجل فوكلاند كسبب لأن تقوم حرب عامة ثالثة؟ ذلك ليس ببعيد، وإن كان السلاح المدمِّر يمنع وقوعها. فإن الحرب العالمية الأولى قامت بسبب بسيط (قتل ولي عهد النمسا) تسترت وراءه شهوات الاستعمار والتوسع. والحرب الثانية قامت بسبب بسيط أيضاً هو غزو هتلر لدانزنج (بولندا) وليست الحرب من أجل فولكلاند إلا لسبب بسيط أيضاً، تتعدد به أسباب أخطر، كدخول دول أمريكا اللاتينية، تناصر دولة لاتينية، تحمي بحراً أقرب أن يكون لاتينياً من أن يكون سكسونياً. وإذا ما تورطت الولايات المتحدة بإرسال المدد، فإن الاتحاد السوفياتي لا يجد ما يمنعه من زيادة المدد للأرجنتين. فإن الأرجنتين لم تغز فولكلاند إلا وقد أعدت العُدة، صواريخ وطائرات، تجعل الأرمادا الإنجليزية التي أصبحت سطحاً على وجه البحر، هدفاً لطائراتها وصواريخها. كل هذا إذا لم يحتكم إلى العقل بل وإلى الخوف والحذر سيتورط العالم في حرب، أول ما تبدأ بالأسلحة التقليدية، ولن تنتهي إلا بالسلاح النووي المدمر.
فهل كان البدوي العامي حين أعطى الإِنجليز هذه التحية، كل الدول تعلن مناصرتها كما عرف، فإنه لم يهدر القيمة لأمريكا اللاتينية. وهكذا كما قلنا من قبل كم صنعت في أوروبا من وسائل المدنية ما عمر الدنيا وأطرافها بوسائل من الترف، وتقريب المواصلات، فإنها وفي الوقت نفسه كثيراً ما صنعت ما دمَّر ما كان عامراً، أبنية أخرى في أراضٍ يلحقها الدمار بعد أن أشرفت على العمار بسبب السياسة الخاطئة التي ما زالت تتلمظ على الاستعمار وتعين الطغيان، كأنما أوروبا التي إذا ما عاشت السلام أثمرت، وإذا ما تعايشت مع الحرب دمرت.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :675  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 260 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.