| خُلِقْتُ مَلُولاً، لو رُزِقْتُ سعادةً |
| ودامتْ، لساءتْ لي مَرَاحاً ومُغْتَدَى |
| ولو مُدَّ من حبلِ الحياةِ قَصِيرُهُ |
| لأشْفَقْتُ منه، أو فَزِعْتُ إلى الرَّدَى |
| ولو جاء هذا الموتُ قبلَ أوانِهِ |
| لألْفَى إلى روحي السّبيلَ مُعَبَّدا |
| (سئمتُ تكاليفَ الحياةِ) جميعَها |
| فلا أبْتَغِي جَدّاً، ولا أشْتَهِي وُدّا |
| وجرّبتُ أخلاقَ الوَرَى في شَبيبَتي |
| فما ساءني بُخْلٌ، ولا سرّني نَدَى |
| وأجْدَبَ قلبي من غرامٍ مُخامِرٍ |
| وضاقَ شُعوري، وَهْوَ مُنْفَسِحُ المَدَى |
| فلا الشّمسُ في إشراقِها تبعثُ الهوى |
| ولا الطّرفُ إذْ يَرْنُو، ولا الطّيرُ إنْ شَدا |
| لئن كنتُ فَرْداً إنَّ فِيَّ لَعُصْبَةً |
| عِدًى، أوْ هُمُو أقْسى عليَّ من العِدَى |
| نَقيضانِ من قلبٍ ونفسٍ تَبَرَّمَتْ |
| به، فَعَتَا عن أمرِها وتمرَّدا |
| ولو كان لي عقلٌ نصيحٌ مُسالمُ |
| لأصْماهُما، حتّى يَبينَ له الهُدَى
(2)
|
| * * * |
| يرى النّاسُ منِّي بينهمْ طيفَ عابرٍ |
| يروحُ ويغدُو مثلَ من راحَ أو غَدَى |
| تَحَيَّفَهُ دهرٌ شديدٌ شِمَاسُهُ |
| وأَبْدَى له وجهاً من المُقْتِ أرْبَدا
(3)
|
| ولولا بقايا من صليبِ إرادةٍ |
| لأعْوَزَني صَبْري، وعِفْتُ التَّجَلُّدا
(4)
|
| لقد طالما أقدمتُ في غير طائلٍ |
| أيَجْمُلُ بعد الآن أن أتَرَددَّا؟ |
| ضَحِكْتُ من الأيامِ ضَحْكَةَ مُرْهَقٍ |
| تَكَبَّدَ من آلامِها، ما تَكَبَّدا |
| وما كان ضَحْكي عن حبورٍ وإنَّما |
| لأجْمَعَ من شَمْلِ المُنى، ما تبَدَّدا |
| سُرِرْتُ بأشتاتِ المُنى إذْ تألَّفَتْ |
| ولكنّها من شِقْوَتي ذهبتْ سُدَى |
| تَقَلَّبْتُ منها وَسْطَ روْضٍ مُنَمْنَمٍ |
| فأضحى كصحراء، من الأرضِ أجْرَدا |
| وكمْ منزلٍ يَمَّمْتُه ما أغاثني |
| بمُرْتشفٍ، أشفي به غُلَّة الصَّدى
(5)
|
| * * * |
| لقد خَلُقَتْ نفسي، ورَثَّتْ شمائلي |
| وذا الدهرُ ما يزدادُ إلا تَجَدُّدا |
| وما الكِبَرُ العاتي عرَاني وإنّما |
| تَغَيَّرَ طبعي أو تحوَّلَ جَلْمَدا |
| وكنتُ كطير عاشَ في غير سرْبهِ |
| فأمْضى أُوَيْقاتِ الزمانِ مُغَرِّدا |
| يُخَفُّفُ عنه الشَّدْوَ أثقالَ همِّهِ |
| ويَطْرُدُ عنه بَثَّهُ والتَّوجُّدا |
| وعندي لأبناءِ الزمانِ حقائقٌ |
| يَظَلُّ لها وجهُ الغَزالةِ أسودا |
| سأُضْمِرُها حيناً، ولوْ قدْ أذعتُها |
| لما عَدِمَتْ بين الأنامِ مُفَنِّدا
(6)
|
| يُكذِّبُها عبدٌ ليكسبَ زُلْفَةً |
| ويُنْكِرُها حرٌّ ليصبحَ سيِّدا |
| * * * |
| وقومٌ يَوَدُّوني ولكنْ إذا رأَوا |
| بُروزي عليهم أصبحوا لي حُسَّدا
(7)
|
| وما حسدٌ يُدْني من المرءِ نائياً |
| ولو راشَ منه سهمَ غلٍّ مُسَدَّدا |
| يُضيف به همّاً إلى همِّ نفسهِ |
| ويُضرمُ فيه الجاحِمَ المتوقِّدا |
| وما أنا ممّنْ يُضمرُ الغلَّ لامرىءٍ |
| ولو أنه أبدى العداءَ المُجردّا |
| سيندبُني صَحْبِي وكلُّ من التَوَى |
| بحبلِ ودادي إنْ وَهَى أو تأيّدا |
| كما لو قضَوْا قبلي جميعا نَدَبْتُهُمْ |
| وأذْرَفْتُ جمَّ الدّمعِ، أسوانَ مُفْرَدا |
| وإني لمفطور على ذاك، لا أني |
| وأَمْسِي ويومي فيه قد أشبها الغَدا |
| وما كان منّي غيرُهُ فمظاهرٌ |
| تعوّدتُها يا صاحِ، فيمن تَعَودَّا |
| خلائقُ نفسي في اتّضاعٍ ورِفْعَةٍ |
| فَلِلَّهِ ما أشقاكِ نفساً وأسْعدا |