سنة ((الفِتَاق))
|
أخي محمد عمر |
نعم يا صديقي، أنا مريض، ولم أبرح البيت خلال مرضي إلاّ مرات معدودات.. كنت أتحامل فيها على نفسي لباعث قاهر، فأعود أسوأ حالاً.. وهكذا حتى تعذرت مهادنة آلام المرض على طول السكون.. |
لقد دعاني والأخ عمر رفيع، للغداء عنده، الشيخ إبراهيم السليمان.. وكنَّا حتى ذلك الوقت دائمي التعقيب له في البيت، وفي المفوضية، وإن ندر أن نلتقي به. |
رأى هو أن يدعونا.. ولم يكن بد من القبول.. وأكلنا شاكرين.. ولم نلتق حتى اليوم.. |
وجاء الزائر الكريم واقتضى الأمر أن أتحامل.. وخشيت أن لا يعلم الشيخ إبراهيم من مرضي شيئاً.. فذهبت إلى زيارته بداره في اليوم السابق.. وكان كالمعتاد قد تغدى ونام.. أو هكذا كان يقال لنا.. وكانت مشاوير حامية لا تبردها -في بعض الأحيان- إلاّ حرارة "العدّاد". |
ورأيت الزائر الكريم لمحاً وهو يجتاز صالة سميراميس، وقبَّلتُ جبهته بعد أن أخذ الألم من "عصعصي" ما أخذ فمضيت أطوي الطريق في غمار الطاوين، حتى أُغلقت غرفته.. وراءه.. وكأن هذا لم يكن شيئاً منتظراً فوجم الناس ووجمت فقد يكون الباعث يستوجب الوجوم.. وإذا بطلعة الشيخ إبراهيم وصوته ينطلقان في كياني فأقبلت عليه أتعلق بما واتاني منه، وإذا به يدفعني وفي صوته رنة التوبيخ. ولم يفتني أن أضع كفي مشرعة الأصابع على جبيني.. وأن أمثل حيرة من لم يهتد إلى الزائر بعد، حتى أخذ الشيخ.. يدي، ووضعها على ما ظننت أنه كتف الزائر.. وأنا أقول.. الظُّلمة.. الظُّلمة.. |
لقد أطلت.. وما أردت إلاّ أن أريك كيف ترسم مقدرات الحظوظ، صور الرجال في عيون الرجال.. |
صورة مهزوزة في ضوء غير كافٍ.. أو في ضوء يتعدى حدود الكفاية التي يتزن بها الغرض.. هذه هي صورتي تحت عين الشيخ.. وفي كل الظروف.. والملابسات. وفي ليلة أخرى سابقة.. قديمة، أصرّ عريف على أن نلقى الشيخ.. وذهبنا.. أخي وعريف والمنديلي وأنا.. وكان الشيخ متدفقاً، فأصغيت، وأحسست به يتحدى، لأن حديثه كان لوماً صريحاً لمن يعرف الحق ولا يذب عنه، أو يؤلب له، أو يدعو إليه. ورأيتني محاصراً فقلت كلمة حارة في الحرية ولزومها. وأنها أساس البناء، وأساس العزة المفتقدة.. وشعرت بعد قليل بأن المجلس قد انقبض.. وأن ريح الحديث والحركة ركدت ركودها.. فتجمعت، ولممت أطرافي، ونظرت إلى عين الشيخ لأستأذن.. فإذا بها تستأذنني في الانصراف.. وشعرت بكلمة يا لك من بسيط! يقولها الشيخ بكل شيء فيه إلاّ لسانه.. أكُلُّ هذا يقال؟... |
إنها صور مهزوزة لا شك. |
أما مائة الجنيه التي أردت أن تضرب مثلاً من نبوَّة الوفاء على حساب أدائها، فقد وصلت.. استلمتها عداً ونقداً، من الأخ المهندس، واستكتبت بها إيصالاً أُمليت عليَّ ألفاظه إملاءً خاصاً يلخص قصة المائة الجنيه منذ كانت ملكاً خالصاً لي. |
ولقد هالني ما رأيت على وجه الزائر من تهجم وخمود، وقلت لعلّه اختصني بهذه السيماء دون غيري.. أفما كان الجميع يظنونه متهلل الأسارير؟ وذهبت ألتمس الأسباب في هذا الانقباض، وأستعرض العلل.. فكان أن انتفى كل شيء تحت محاكمات العقل.. ولم تبق إلاّ احتمالات صبيانية أخشى أن يصح أنها السبب.. |
أما كتاب اليوم، فهو مذكرات ملك إنجلترا المتنازل عن عرشه لأجل حبيبته مسز لامبسون أو سامبسون.. لا أذكر. |
وأظن أنك كنت قد قرأتها منشورة بأخبار اليوم، أو بآخر ساعة، أو بهما معاً فإن طريقة الأخوين أمين لا تختلف عن ذلك كثيراً.. |
ومع هذا فسأبعث إليك نسخة بالبريد الجوي صباح الأحد وهو اليوم الذي تصدر فيه المذكرات إن أمكن الحصول عليها، فإنه قد بلغني أن المطبوع منها لن يزيد عن 500 نسخة ستوزع على موظفي أخبار اليوم وآخر ساعة، ولحظة. لتعاد الحكاية عند نفاد النسخ أو إلحاح ملايين القرّاء في إعادة طبعتها.. فإن صح هذا فإلى اللقاء في الطبعة الثانية الأولى. |
أعتقد أنه لا بد من التوكيد بأنني قد استلمت المبلغ (إياه) من الشيخ إبراهيم.. وبهذه المناسبة ينبغي أن أقول إنك أول إنسان عرفته، يعنيه أداء ما عليه بنفس الحرارة التي يعنيه بها أمر حاله.. |
وإذا صح أن توضع هذه الحقيقة في قالب عصري فسيكون "ليس في الدنيا سوى مغفلين، ذلك الذي يقرض نقوده، والذي يرد ما اقترض". |
أنا الآن في دور النقاهة وقد أستطيع الخروج بعد أسبوع بإذن الله. |
وأخي محمد نور بخير ونشاطه للحركة في ازدياد بطيء جداً. |
عيالي بخير أيضاً. وأرجو لك ولأسرتك وعيالك الصحة والسعادة. |
لا صحة لما بلغك عن ترشيحي لمراقبة الشركة.. إنما هي إشاعات يقصد بها التهديد من بعض المسؤولين لبعض، فتكون أساساً للتفاهم.. |
كم أود أن أعود ولكن مشيئة الله هي الغالبة وقبل أن أختم رسالتي أرى من المستحسن أن أشير إلى وصول المبلغ المحوَّل مع الشيخ إبراهيم، وإذا لم يكن من المعقول أن لا أكون قد استلمته حتى الآن، فلا بد من الاعتراف باستلامه مع التحفظ بجواز سحب هذا الاعتراف وتعديله متى اتضحت حقائق أخرى تنافي الاستلام أو حتى الوصول. |
الصيف في مصر له بشائر بهيجة. وهذه سنةُ الفِتَاق فقد أُجيز به عدة موظفين، فلماذا لا ترى مصر على ضوء ما أفدته من تجارب في سنة "البواسير"؟ شكراً، إلى اللقاء. |
|
|