شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري ))
ثم أعطيت الكلمة لسعادة المحتفى به شاعر العربية في القرن العشرين.. محمد مهدي الجواهري، فقال:
- كم أنا سعيد بهذه الفرصة السانحة التي هي من فرص العمر، وكم أنا سعيد أن ألتقي هذه الوجوه الكريمة من مشايخ، ومن شباب صاعد، ومن أدباء مجيدين، ومن شعراء طيبين، كم أنا شاكر سيادة الأستاذ عبد المقصود خوجه على إتاحة هذه الفرصة وعلى تلطفه بهذه اللقاءات الحلوة الكريمة، سيبقى يوم الاثنين من كل أسبوع عالقاً في ذهني، وستبقى هذه الذكريات جزءاً لا يتجزأ مما يتبقى من أيامي ومن حياتي؛ فشكراً لكم، شكراً لكل من تلطف بكلمة عني، شكراً لمن خطبوا وتحدثوا نثراً، وشكراً لكل من نظم بيتاً من شعر في حقي، شكراً لكم وإلى لقاء يسمح به الزمان مثل هذه اللقاء، وشكراً جزيلاً مرةً أخرى لكم أجمعين.. والسلام عليكم.
ثم ألقى المحتفى به شيئاً من شعره بدأه بقصيدة: "حنين إلى العراق" فقال:
سلام على هضبات العراق
وشطيهِ والجرف والمنحنى
على النخل ذي السعفات الطوال
على سيد الشجر المقتنى
على الرطب الغض إذ يجتلى
كوجه العروس وإذ يجتنى
على بسره يوم أعذاقه ترف
على العسر عند القنى
سلام على قمر فوقها
عليها هفا وإليها دنى
تلوذ النجوم بأذياله
هفت إذ هفا ودنت إذ دنا
كأنَّ يدا طرَّزت من
الحسن موشية تجتلى
رواء النمير لها لحمة
وذوب الشعاع عليها سدى
ودجلة تمشي على هونها
ويمشي رخياً عليها الصبا
ودجلة لهو الصبايا الملاح
تخوص منها بماء سرى
تريك العراقية الحالتين
يسرف في شحه والندى؟
فياليتهن الَّذي تبتلي
وياليتك الرجل المبتلى
وياليت أنك لا تشتكي
ظماءك إلاَّ لهذا اللما
سلام على جاعلات النقيق
على الشاطئين بريد الهوى
لعنتن من صبية لا تشيخ
ومن شيخة دهرها تصطبا
تقافز كالجن بين الصخور
وتندس تحت مهيل النقا
كأن بعينك ياقوتتين
صاغهما جوهري جلا
ولو لم ينم بريق النبوغ
بعينيك عن مثل سفع الذكا
لنم الجحوظ على شاعر
شريد الخيال بعيد الرؤى
لقد عابكن بما لا يعاب
فذمَّ بخلق جميل زرى
بسمح ينادم ركب الخلود
ويحسن للخابطين القرى
يدل على الماء من ضلَّه
ويرفع وحشة ليل طخا
 
بائعة السمك:
وذات غداة وقد أوغلت
بنا شهوة الجائع الحائر
دلفنا لحانوت سماكة
نزود بالسمك الكابر
فلاحت لنا حلوة المجتلى
تلفت كالرشأ النافر
تشد الحزام على بانة
وتفتر عن قمر زاهر
من الشيك حسبك من فتنةٍ
تضيق بها رقية الساحر
فقلنا علينا جعلنا فداك
بما اسطعت من صيدك النادر
فجاءت بممكورة بضة
لعوب كذي خبرة ماكر
تنفض بالَّذيل عطر الصبا
وتخدع بالنظر الخادر
تكاد تقول: أمثلي تموت؟
لعنت ابن آدم من جائر
أما في الصبا لي من شافع؟
أما لابنة الشيك من زاجر؟
وأهوت عليها بساطورها
فيالك من جؤذر جازر
وثنت فشبت عروس البحار
وخرت على الجانب الآخر
فقلنا لها يا ابنة الأجملين
من كل باد ومن حاضر
ويا خير من لقن الملحدين
دليلاً على قدرة القادر
جمالك والرقة المزدهاة
خصيمان للذابح الناحر
وكفاك صيغت للثم الشفاه
وليست لهذا الدم الخاثر
فقالت أجل أنا ما تنظران
وإن شق ذاك على الناظر
تعلمت من جفوة الهاجر
ومن قسوة الرجل الغادر
 
وواصل المحتفى به إلقاء قصائده فقال: وهذه قصيدة ألقيتها في أثينا.
سجـا البحـر وانداحـت ضفـاف ندية
ولوَّح رضراضُ الحصا والجنادل
وفكت عُرى عـن موجـة لصـق موجـة
تماسك فيما بينها كالسلاسل
وسدت كـوى ظلـت تسـد خصاصهـا
عيون ظباء أو عيون مطافل
ولف الدجى في مستجد غلالة
سوى ما تردى قبلها من غلائل
سوى ما تردى من مفاتن سحرة
وما جر تيهاً من ذيول الأصائل
وما حمل الإصبـاح شـوقاً إلـى الضحـى
من الورق النديان أشهى الرسائل
تثاءب أملود، ولمت كمائم
ودب فتور في عروق الخمائل
وهيمن صمت فاستكنت حمائم
وقرَّ على الأغصان شدو البلابل
كأن الدنا ملت تدنى شخوصها
بوضح السنا فاستبدلت بالمخائل
تنفس عميقاً أيُّها الشيخ لم يهن
بجري على فرط المدى المتطاول
ولم ينسه التياه من جبروته
عناق الشواطي واحتضان الجداول
وما زاده إلاَّ سماحاً وعزة
تخطى شعوب فوقه وقبائل
عبدتك صوفياً يدين ضميره
بما ذر فيه من قرون الدخائل
ويسرج فيه بالندامة معبداً
تشكي طويلاً من دخان المشاعل
وعاطيتك النجوى معطاة راهب
مصيخ إلى همس من الغيب نازل
ولونت أحلامي بما لونت به
مغانيك من كون بسحرك حافل
وناغاك قيثاري فلم تلف نغمتي
نشازاً ولا لحني عليك بواغل
فيا صاحبي لا تنس عيني شدتا
بطيفك من وجه لشخصك ماثل
ولا تنسني نفساً هوتك فتية
وناغاك بقيا جذعها المتآكل
هوى لم يـمل يومـاً وكـم مـل خافقي
بأهوائه من مستقيم ومائل
 
وهذه بريد الغربة كتبتها في المنفى في الستينات وأرسلتها إلى عائلتي، وقد سبقتني إلى العراق، وقد ترجمت هذه القصيدة إلى أكثر من لغة:
لقد أسرى بي الأجل
وطول مسيرة ملل
وطول مسيرة من دون
غاية مطمح خجل
على أني لأن ينهى
غد طول السرى وجل
تماهل خشية وونى
وعقبى مهله عجل
وقطع شوطه جنفا
كما يتقاصر الحجل
وعيش المرء فضل منى
به ما شق يحتمل
فإنْ وَلَّى ولا ثقة
ولا حول ولا قبل
أقول وربما قول
يدل به ويبتهل
أَلأَهلي ترجع الأحلام ما كحلت به المقل؟
وهل ينجاب عن عيني ليل مطبق أزل؟
كأن نجومه الأحجار في الشطرنج تنتقل
سلام كله قبل
كأن صميمها شعل
 
وهذه قصيدة عنوانها: "يافا" قيلت عام 1944م.
بيافا يوم حط بها الركاب
تمطر عارض ودجا سحاب
ولف الغادة الحسناء ليل
مريب الخطو ليس به شهاب
ويافا والغيوم تحوم فيها
كحالمة يجللها اكتئاب
وعارية المحاسن مغريات
بكف الغيم خيط لها ثياب
وقفت موزع النظرات فيها
لطرفي في مغانيها انسياب
وموج البحر يغسل أخمصيها
وبالأنواء تغتسل القباب
وبياراتها ضربت نطاقاً
يخططها كما رسم الكتاب
فقلت وقد أخذت بسحر يافا
وأتراب ليافا تستطاب
فلسطين ونعم الأم هذي
بناتك كلها خود كعاب
أقلتني من الزوراء ريح
إلى يافا وحلَّق بي عقاب
فيالك طائراً مرحاً عليك طيور الجو من حسد غضاب
علوناه ليبلغنا سحاباً
فجاوزه ليبلغنا السحاب
ولما طبق الأرج الثنايا
ولوح من جنان الخلد باب
ولاح اللد منبسطاً عليه
من الزهرات يانعة خضاب
نظرت بمقلة غطى عليها
من الدمع الظليل بها حجاب
فقلت وما أطيق سوى عتاب
ولست بعارف لمن العتاب
أحقاً بيننا اختلفت حدود؟
وما اختلف الطريق ولا التراب
ولا افترقت وجوه عن وجوه
ولا الضاد الفصيح ولا الكتاب
فيا داري إذا ضاقت ديار
ويا صحبي إذا قل الصحاب
ويا متعطفين علي لطفاً
شفيعي عندهم أدب لباب
ويا غر السجايا لم يمنوا
بما لطفوا عليّ ولم يحابوا
لأن حم الوداع فضقت ذرعاً
به واشتف مهجتي الذهاب
فمن بيتي إلى بيتي رجوع
ومن وطني إلى وطني إياب
 
وهذه قصيدة عنوانها: "من وحي الموقد" في أواسط الخمسينات في بيت من بيوت دمشق بالشام، فيه سبع بحيرات، وفيه موقد للتدفئة يطعم بالأخشاب، والقصة كما يلي:
إن عرسي وهي جامحة فجة لون من الأدب
جاءت الكانون توقده وفيه جذع من الحطب
فوق بعض بعضها نسقاً لائذات شبه مرتعب
ومشى برد الرماد بها كتمشي الموت بالركب
قلت أبكي ويك وغدتها وأريحيها من التعب
أطعميها الزيت يمشي بها مشية الكفران في السغب
فاستغاثت وهي قائلة ليس هذا الجد من لعب
قلت هاتيه وشب لها ضرم كالبرق في السحب
شب في مسود سالفتي فكأني بعد لم أشب
وأتى وجهي فخالطه كخليط البسر في الرطب
وانبرت عرسي لتسعفني وكما شاءت لتشمت بى
هتفت بئست مغامرة يا ابن خمسين أأنت صبي؟
أو ما تنفك مخترعاً لعبة من هذه اللعب؟
قلت يا هذي لو اخترمت مفرقي شقين لم أتب
أنا ذا من أربعين خلت أطعم النيران باللهب
 
- وشكراً.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :12172  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 140 من 171
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.