شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ناجي الأنصاري وحكاية مدينة (1)
لطالما سلك الفتى هذه الطريق من دارهم في حوش (سيد أحمد) بالسيح إلى العنبرية حيث شاءت الأقدار أن يكمل السنة الأخيرة من دراسته الابتدائية في المدرسة المنصورية والتي كانت تقوم (بحي الهاشمية) نسبة إلى السادة آل هاشم ثم استقرت به الحال في طيبة الثانوية على مقربة من سكة حديد الحجاز وكانت السكة في تلك الحقبة وقبل أكثر من ثلاثين عاماً تمثل حداً فاصلاً بين داخل المدينة وحدودها، والمثل الشعبي القديم يقول هناك (اللي في رأسه حبة يندر) (المناخة)،وأبناء الحارة يقولون الموعد في (الحفيرة) و(السكة) و(المائدة).
وكان الفتى يقطع الطريق في شيء من العجلة ولكنه ما إن يقترب من الدار المتميزة والتي كانت تقوم بين دار رجل الفضل في طيبة الطيبة السيد حبيب محمود أحمد، ودار آل الخريجي - الكرام - والتي كانت مسكناً لأمير المدينة أو من يقوم مقامه، أمام تلك الدار الصغيرة والجميلة والتي يسكنها المرحوم الشيخ إبراهيم حسوبة - رحمه الله - كنت ألمح وجوه الرجال الذين يجلسون أمام الدار عصراً وعشية وكان بين تلك الوجوه الممتلئة حيوية ونشاطاً من هم في عداد أساتذتي في المرحلة الإعدادية مثل الأساتذة، عبد الله خطيري، محمد سعيد حلابة حمزة سيسي، ومنهم من لم أحظ بتلقي العلم على يديه مثل محمد حسوبة، وحمزة مسعودي، ومحمود محمد علي خيمي، وناجي حسن عبد القادر الأنصاري، وأننا لنقابل في مسيرتنا في هذه الحياة أناساً فيحفرون بأيديهم أسماءهم في ذاكرتنا،ومنهم من لم يحالفه الحظ فيظل اسماً غريباً في الحياة وعلى الناس.
ثم كان لقائي بالأستاذ ناجي في مطلع التسعينيات الهجرية بمكة المكرمة حيث أعد هو وزملاء كرام دبلوماً تربوياً وترددت وزملاء آخرون على الحجون والنقا وعرفت في الأستاذ ناجي سعة الاطلاع، وحلاوة الحديث وطرافته،وكنت أسر إليه بما أخفيه عن زملائي، فأجده قلباً كبيراً وأذناً صاغية، فهو لا يشعرك بأن هناك مسافة تحول بينك وبينه،واكتشفت ذوقه الأدبي عندما كان يستمع في تلهف إلى معارضات شعرية بين الأستاذين الراحلين ضياء الدين رجب، وعلي حسين عامر، حيث يتشوقان إلى سلع واحد وإلى أيام قضوها في العوالي وقربان، يسمعون صوت الساقية وينعمون بنسيم الروح - واليوم - نحن نئنُّ فلا يسمع لنا صوت ولا يبلغ منا لمن نحب النداء، ولا تربت على أكتافنا أنامل عطوفة وحانية.
وانضم أستاذي ناجي لأسرة نادي المدينة الأدبي في عهد فقيد العلم والأدب في بلد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - المرحوم الأستاذ عبد العزيز الربيع، وأزعم أن (ناجي) حفظ هو وزملاء له وأساتذة لنا من أمثال محمد حميدة، ومحمد هاشم رشيد، وعبد الرحمن رفة، وحسن الصيرفي ومحمد كامل خجا وصالح البليهشي،وجعفر سبيه، ودخيل الله الحيدري، بل حفظت أجيال متعددة للأستاذ الربيع مكانته حتى بعد أن انتقل إلى جوار ربه، بينما انساق البعض وراء عاطفة ممقوتة ليوجه إلى الربيع سهاماً جارحة حتى وهو يرقد في ربوة (البقيع) بسلام وأمان، ونسي هذا البعض أن القضاء في الدنيا - لمن يجحدون ويتطاولون - يكون في الدنيا والعياذ بالله قبل الآخرة، وفي جعبة أساتذتي (حميدة) و(ناجي) عن الربيع شيئ كثير، وأحمد للصديق البلهشي اهتمامه بتراث الربيع فكان الابن والمريد الروحي له - إن صح التعبير، وقبل عقد كامل من الزمن تفرغ الأستاذ ناجي للكتابة الأدبية والتاريخية وكان في عمله التربوي مثالاً حياً للتفاني والإخلاص، فأخرج لنا سفره القيم عن الحركة التعليمية في مهد حضارة الإسلام، حيث المسجد الطاهر.
والمثوى الشريف، ومنازل الوحي الإلهي، ثم كان كتابه الشامل عن عمارة وتوسعة المسجد النبوي الشريف عبر التاريخ والذي كتب مقدمته الفقيه المالكي والمؤرخ الفذ الشيخ عطية محمد سالم - رحمه الله رحمة الأبرار - ويبقى كتاب الأستاذ ناجي نمطاً فريداً فيما استوعبته دفتاه من معلومات موثقة، ومنهجية علمية واضحة، وأسلوب ممتع.
وأخيراً تفرغ لتدوين جوانب من الأدب الشعبي الحي في المدينة المنورة فأخرج كتاب (الطيرمة) والذي ذكر المؤلف أنه يضم تلك الحكايات التي روتها الجدة قبل نصف قرن من الزمن ورسخت في الذاكرة أما الكتاب الآخر فهو (التعتيمة) وهو لفظ ليس بغريب على آذان المدنيين، وتحدث فيه أستاذنا عن الأسرة المتكاتفة في الماضي، والكتاب وشيخه، وعن الخطوبة وما يتبعها من قراءة الفاتحة، والتسليم والملكة، وعقد القران والخطيب والمجيب، ورحم الله حسين وعبد الستار بخاري وحسين هاشم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1239  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 459 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.