الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > ذات عصر غائم

ذات عصر غائم

ـ وجلس يتكلم صامتاً كأنما هو يضحك كيف كان على هذه الصورة بينما هو قد شبع من الاستكناه لهذه الصورة لا بدافع الفرحة وإنما بواقع الترحة أن يرى الجمال يكسوه الجلال فلا يذاق ولا ينال وكان معه صاحبه واسمه عبد الله الماجد فإذا العراك بين اثنين أحدهما قد تولى شبابه والآخر قد أينع شبابه كان الصراع في وجدان أحدهما غيره في وجدان الآخر لكن السبب واحد فإذا عناق الحسرة بالحسرة هو الوفاق بين حزنين استحالا أعني الحزنين إلى فرحتين فالصدمة لم تكن وافدة تحتاج إلى علاج وإنما كانت ومضة من لمحة رأى كل منهما ما أدهش حيث أوحش وما أنس من حيث لم يأنس.

كان ذلك ذات يوم في عصر غائم وفي الرياض وفي شارع عسير ولم يكن الغيم سحابة صيف ولا جهاماً يتجهم الجوبة وإنما كان مزنة ابيضت حين ودق ودقها فماذا رأياً.. لقد أقبلت فتيات ثلاث يستدبرن الشآم كأنهن أخوات الثريا تستهل شامية وكأن العجوز وصاحبه قد تيامنا فإذا هما في لقاء كمخطفة البرق وكن عرباً أتراباً كاسيات عاريات فالأنثى جميلة.. جميلة حين لا تكون عارية.. ومشتهاة.. مشتهاة حين تكون كوصف الرافعي إذ قال يصف العاريات على البحر.

(يا لحوم البحر سلخك من ثيابك جزار) كن كاسيات في خمرهن السود.

قل للمليحة في الخمار الأسود

ماذا صنعت بناسك متعبد

قد كان شمرّ للصلاة رداءه

حتى وقفت له بباب المسجد

وكان على وجه كل واحدة البرقع قد استأنف الأنف إلا أن يكون ذا شمم لم يظهر وإنما تظاهر ولكن العينين كانتا فاضحتين لأنهما واضحتان.. العين حوراء لها إشعاع يخترق الشغاف كأنهن التي وصفها جرير.

إن العيون التي في طرفها حور

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

وهن أضعف خلق اللَّه إنسانا

قالها العجوز ولم يسمع من صاحبه كلمة فاستأنف يلتفت عنهن ليقرأ (ما شاء الله تبارك الله أحسن الخالقين).. ومشى الصديقان فتساقطت الرهبة التي صنعها الجمال والجلال والستر والأنف والعينان فإذا العجوز ينشد يحرك الشجن فالمتنبي قال:

(راميات بأسهم ريشها الهد

ب تشق القلوب قبل الجلود)

.. فاستراح الصديق وهكذا المتنبي يمنح الراحة للمتعبين.. ثم انجلى الموقف وخضنا في حديث غيره.

ربِّ إن الملاح جاروا علينا

وتعدوا حدودهم فأجرنا