فكاتب هذه السطور ابن المدينة المنورة والمدينة تربة غزلة فأتحدى كل ناسها أن يقول واحد منهم أنه ما أحب، فالحب إذا امتلأ به قلب ترق به العواطف ولا تسترق عقول العاطفيين.
كنت جالساً في مكتبة السيد ((عثمان حافظ)) بباب الرحمة، وبجانبي أستاذنا شيخنا ((محمد عبد القادر الكيلاني التونسي المصري)) تلميذ ((جمال الدين الأفغاني)). والتركي اليوناني والمدني، فحر إنسان تياه قد شبع من جلال الجمال وجمال الجلال فقال الشيخ:
ربي إن الملاح جاروا علينا
وتعدوا حدودهم فأجرنا
فذكّرني بما نسيت، ولم أذكر في حينها إلا أبياتاً للمنخل اليشكري.
قال هذا الجاهلي كأنه ابن هذا العصر..
ولقد دخلت على الفتاة
الخدر في اليوم المطير
الكاعب الحسناء ترفل
في الدمقس وفي الحرير
فدفعتها فتدافعت
مشي القطاة إلى الغدير
ولثمتها فتنفست
كتنفس الظبي الغرير
وأحبها وتحبني
ويحب ناقتها بعيري
فأنشدتها للشيخ فقال:
ـ أتلومني إن قلت ذلك البيت، أم تذكرني بأيام خلت؟
قلت له:
ـ أنت تونسي، وتونس ورثت حضارة الأندلس، فأثر ((زرياب)) و((ابن زيدون وولادة)) كلها نبض أعراقك وربيع قلبك..
فقال:
ـ اغتربنا عن تونس، وما زالت هي المؤنسة، فهي تونس كل حبيب.