شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عُمَيْر بن سَعْد
عمير بن سعد، أنصاري من بني عمرو بن عوف، أسلم شاباً وكان حسن الإسلام. ذا عقل راجح وإيمان راسخ حتى لقد لقَّب من أجل ذلك بنسيج وحده. والكلام عنه كما هو الواقع في سيرة كل الصحابة المشهور منهم والعظيم فيهم والآخر الذي لا يعرفه الناس لأنه لم يشتهر، وإنما هو إيضاح وشرح لجزء من حياة النبي صلى الله عليه وسلم مع الواحد منهم ليكون تاريخ النبوة كله قد جمع في سيرتهم جميعاً. فما من صحابي إلا ولرسول الله حديث معه أو حديث عنه أو حادثة وقعت للصحابي أثنى عليها النبي أو أنب أو عاتب أو أقر أو عدل. وجاءت الشريعة في تفصيلها وعمومها تفصيلاً واضحاً يظهر من حياة هؤلاء الصحابة وفي سيرتهم التي ملأت بطون الكتب. فالاستقراء الذي تتبعت علمني كيف تتضح سيرة النبي؟ من سيرة البطل الصحابي في كل أطوارها وكجزء من سيرة البطل الأول العظيم محمد بن عبد الله. الخصوص في الواحد من صحابته. عموم فيهم، وعموم لهم حتى لوجدتني أكثر حماسة إلى التفرغ لهذه السيرة علّها تجمع في سيرة واحدة لتكون سيرة الأجزاء في كل، وليكون الكل واضحاً مفصلاً كمرجع تاريخ، وسيرة بطل هو بطل الأبطال محمد النبي الأمي. ومسند فقه ومرجع تشريع، لأنها سيرة الجميع ينفرد بها البطل الواحد لا تجد في سيرته إلا قبساً من نور الرسالة المحمدية والتهذيب النبوي. وعمير بطلنا اليوم المكرم بهذا اللقب. نسيج وحده كميزة كبيرة امتاز بها ما أحسبها كانت لتعطى إلا للأقيال والملوك ولكنها أعطيت لهذا اليتيم الفقير، نشأ في حجر زوج أم كفله كان له أباً. لأنه قام بعمل عظيم. كان الجلاس بن سويد زوج أم عمير ينفق على عمير ويعنى به فكان شديد الحب له.. وبينهما ثقة متبادلة لا يكتم أحدهما عن الآخر حديثاً يفضي به إليه. الحديث بينهما في مكان هو تبوك في غزوتها. غزوة العسرة. النفاق فيها رفع رأسه، والمعذرون من الأعراب تخلفوا غزوة ظهر فيها المؤمن واضحاً لا لبس فيه. حتى الذين عمي أمرهم أظهر الله شأنهم بالتوبة عليهم. أما المنافقون والمشركون فقطع الله ظهوره. بالسورة الفاضحة. التوبة، براءة. وفي هذه الغزوة تكلم الجلاس فقال: إن كان ما يقوله محمد حقاً فلنحن شر من الحمير. وكان عمير يسمع كلامه فقال له: فأشهد أنه لصادق، وإنك لشر من الحمار. فقال له الجلاس أبوه الذي رباه: أكتمها علي يا بني. وتحير عمير ماذا يصنع أيسكت فيخون النبي؟ يخون الدين. المبدأ أم يتكلم فيفضح الأب؟ وتكلم عمير فقال: لا والله إني لأخشى إن لم أرفعها إلى النبي أن ينزل القرآن وأن أخلط بخطيئة. ولنعم الأب هو لي. وذهب عمير إلى النبي فأخبره. لأن الخيرة والتردد في هذه المواقف قد قطع دابرها بقرآن يحفظه عمير لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ (المجادلة: 22) وسمع النبي لعمير ودعا الجلاس المسلم الذي لم يتخلف عن الغزوة وإنما هي نزوة حملته أن يقول الكلمة الكافرة. وسأله النبي عن قوله: ماذا قلت يا جلاس لعمير؟ فحلف أنه ما قال. وغضب على عمير وآلى ألا ينفق عليه. ولكنها الفاضحة في طريقها ينزل بها جبريل على قلب النبي، ومن آياتها ما جاء قاطعاً فاصلاً فيما قاله الجلاس لعمير يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (التوبة: 74).
وحلف الجلاس وهو لا يدري عماذا ينزل، وسكت الصحاب فلم يتحرك أحد - وكذلك كانوا يفعلون إذا نزل الوحي - فرفع عن النبي وسري عنه. وتلا الآيات القاطعات. نزلت في هذا الذي حلف كاذباً. إنه بشر أعني الجلاس. وحزن الجلاس وعرف أنه ظلم نفسه فجاء إلى الرسول ليستغفر له فقال يا رسول الله: استغفر لي ربي فإني أتوب إلى الله. وأشهد لقد صدق. يعني عميراً. كذّبه لينجو فلما حاق به العذاب تاب وصدّقه لتكون النجاة بالتوبة والصدق لا بالتكذيب والفرار من الحقائق.
لقد تاب الجلاس وقبل الله توبته مصداقاً للآية فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ (التوبة: 74) كأنما الله سبحانه وتعالى قد نبأ بأنه سيتوب فأمر بأن تقبل منه. زلة لسان كبرت إن قالها صحابي. ودين رحمة، ونبي رحمة. ورب هو أرحم الراحمين. فأعجب للذين لا يعذرون ثم هم لا يسمعون الكلم الطيب عن أحد ليذيعوه ثناء عليه وتشجيعاً له وإنما يترصدون ويترقبون كلمة الشر يزل بها لسان أو ينبو بها قلم فيشمرون عن عزيمة التشهير وإذاعة الشر لا ليؤدبوا ولا ليردعوا وإنما ليحطوا من أقدار الناس بالتربص وإذاعة السوء.
وصلح الأمر بين عمر والجلاس فكفَّر عن يمينه لأنه رأي خيراً منه سبقه بذلك أبو بكر ذو الفضل والسعة في قصته مع مسطح بن أثاث. ولم يسمع عمير من الجلاس ما يكره بعد ذلك. وكيف يسمع سوءاً وقد محص للجلاس عمله ووضح أمره فتاب الله عليه بالقرآن.
وماذا صنع الرسول بعمير؟ أدناه إليه وأخذ بإذنه وهو يقول: وفت أذنك يا غلام وصدقك ربك.
وما زال عمير بعلياء كريماً رفيع الشأن بعد هذا الصنيع دفاعاً عن الحق وذباً عن رسول الله. حتى لقد ولاه عمر إمارة حمص فكان من خير أمراء الأجناد. رضي الله عنهم أجمعين.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :542  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 178 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج