شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سُهَيلُ بن عَمْرو
سهيل بن عمرو.. من ولد عامر بن لؤي. جده عَبدودّ. قرشي عامري. من رهط أمين هذه الأمة أبي عبيدة عامر بن الجراح. كان سهيل أحد الأشراف في قريش، ومن قريش. سيداً كريماً فيهم، يعرف بالعقل والاتزان وذلاقة اللسان.. خطيب قريش. وكلهم خطيب. وكلهم ذو بيان. فلماذا أصبح بعد في قريش خطيبها؟ أصبح كذلك لأن الخطابة ليست اللسان المبين. والكلمة المجنحة، وإنما هي الوضع يتيح للخطيب أن يتكلم وللصحفي أن يكتب. وللمتحدث أن يتحدث. ثم العقل والثقافة.
وسهيل ذو لسان مبين وعقل راجح، وعلى درجة من الثقافة عالية. أتاح له كل ذلك مع حرية التعبير في مجتمع قريش أن يكون الخطيب. وقد ظهر موقفه حينما فشل كل السفراء يوم الحديبية، ونجحت سفارته وهو ينوب عن قريش في مفاوضة النبي لعقد الصلح. ولقد صدق خبر الرسول فقد قال حينما أقبل سهيل مفاوضاً: لقد سهل لكم من أمركم. ونجحت سفارة سهيل وعُقد الصلح وكان نجاحه لقريش ظاهر الأمر، أما في باطن الأمر وفي مستقبل الأحداث فقد كان نجاحاً للفتح المبين إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً (الفتح: 1).
وسعد سهيل بالحظوة عند قريش حينما أمرت ما عاهد به، وكان حظه في الإسلام أسعد حينما يقرن اسمه بهذا العهد. وهذا الصلح.. صلح الحديبية جلس يفاوض، يمثل قريشاً والنبي يسمع له. وتقرر أن يكتب العهد وجاء الأمين الكاتب الإمام الفارس أبو الحسن علي بن أبي طالب ليكتب، واجتمع الصحب يسمعون لهذه الشروط. كأنما هي تملي إملاء عليهم من سهيل باسم قريش. وهال الصحابة ذلك وأنكر عمر، وصدق أبو بكر لأنه يعرف أن صنيع محمد في ذلك لا يصدر إلا عن وحي (أن هو إلا وحي يوحى).
وارتاع المسلمون وجزعوا وخشي عليهم النبي أن يحل بهم غضب من معصية.. أمرهم أن ينحروا الهدى فتوقفت السكاكين في أيدي الناحرين.. لم يكن عصياناً ولم يكن إعراضاً وإنما كان منهم ذلك تثبتاً لا يحب أحدهم أن يبدأ قبل أن يبدأ غيره.
وتحدث النبي مع أم المؤمنين أم سلمة العاقلة. المؤمنة. المباركة. فقالت، وما أحسن ما قالت: ((قم يا رسول الله وانحر فإن أصحابك إن رأوك قد نحرت الهدي نحروا هديهم)). وتهلل وجه النبي يسمع لنصح امرأة لأنها قالت الحق ونحر المسلمون وفرج الله الكرب. وأملى سهيل وناقش وكتب علي، وأصر سهيل أن تمحى لفظة ((الرحمن)) لأنه لا يعرفها مع أنه يعرفها. ولكنه لا يريدها، إنما يريد باسمك اللَّهم. وأمر النبي علياً أن يمحوها، فأبى علي، فقال له الرسول الأمي: ((أرني مكانها)) فوضع إصبعه الشريفة عليها يمحوها، وكتب علي ((محمد رسول الله)) وأبى سهيل إلا أن يكتب ((محمد بن عبد الله)) وأمضى له الرسول رأيه، وأنكر علي فقال له الرسول: ((إنك ستدعى لمثلها فتجيب))، وقد دعي لمثلها ابن أبي طالب أمير المؤمنين حينما أصر عمرو بن العاص يوم دومة الجندل أن تمحى كلمة ((أمير المؤمنين)) فأقر علي محوها، وكبَّر، وكبر معه الناس.
معجزة من محمد صلى الله عليه وسلم. وسهيل لم يشتد في حرب الإسلام علانية ينال بأذاها القريب والبعيد. وكل أذاه أنه لم يسرع بالإسلام. وأنه صب عذابه على ابنه (سيدنا أبي جندل) أسلم ولده أبو جندل قبله فأخذ سهيل يعذبه فهرب أبو جندل بعد الحديبية يهاجر إلى المدينة وكتب سهيل يطلب ابنه باسم قريش عملاً بمادة من مواد المعاهدة التي عقدت في الحديبية. فأمر النبي أبا جندل أن يرجع ودعا له بتفريج الكرب. ورجع أبو جندل مع حراسه من مشركي قريش، وسجنه أبوه سهيل.. ووضع في رجليه الحديد، ولكنه هرب وقعد مع صاحبه أبي بصير في طريق العير يقطع الأرزاق عن قريش. فاتخذا مع أصحابهما من وادي العيص مقراً لهما، ووادي العيص من شعاب وادي يَنْبُع النخل. لا كما ذكر بعض الغالطين من أنه مكان بين جدة وينبع. كأنما اختلط عليه بالجحفة. أو الرايس.
وشكت قريش أذى هؤلاء. فطلبت فسخ هذه المادة فكل من أسلم يبقى عند رسول الله ولا يرد إليهم. ومن غرائب الصدف أن يكون أبو جندل ولد سهيل بن عمرو هو السبب في نقض معاهدة تصور سهيل أنه أملى شروطها ولم يدر أن الله من وراء القصد. وفوق كل تدبير.
وخرج سهيل مع النفير إلى بدر فلمّا دارت دائرته على قريش كان سهيل أحد الأسرى. أسره ابن الدَخشم فقال يفخر بأسيره:
أسرت سهيلاً فما أبتغي
أسيراً به من جميع الأمم
وخندف تعلم أن الفتى
سهيلاً فتاها إذا تصطلم
ضربت بذي الصفر حتى انثنى
وأكرهت سيفي على ذي العلم
ولما جاء الفداء قدم مكرز بن حفص العامري فساوم في فدائه. وقال: ضعوا رجلي في القيد يأتكم الفداء.. أهي الحمية أم القرابة؟ لا..! إنها المروءة والنجدة في العربي الفارس وكل العرب كانوا فرساناً ذوي مروءة ونجدة.
وكان سهيل أعلم مشقوق الشفة. فقال عمر بن الخطاب للرسول: يا رسول الله، دعني أنزع ثنيته ويدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيباً أبداً. فقال النبي: دعه فعسى أن يقوم مقاماً تحمده. وقد كان. فحينما ارتد العرب وهاج أهل مكة إذ سمعوا خبر وفاة النبي فقام سهيل خطيباً يقول: ((والله أني لأعلم أن هذا الدين سيمتد امتداد الشمس في طلوعها إلى غروبها فلا يغرنكم هذا من أنفسكم. يعني أبا سفيان. فإنه ليعلم من هذا الأمر ما أعلم ولكنه قد جثم على صدره حسد بني هاشم)) ((وأتى من خطبته ما جاء به أبو بكر الصديق بالمدينة)). ثبَّت أبو بكر المسلمين بالمدينة وثبَّت سهيل المسلمين في مكة. أليس هذا مقاماً محموداً؟ إنها معجزة محمد. إنها كرامة لصحابي هو سهيل بن عمرو.
وحضر الناس باب عمر أمير المؤمنين وفيهم سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب ونفر من شيوخ قريش. فخرج آذن عمر يأذن للسابقين أولاً من أهل بدر.. لصُهيْب وبلال وسلمان وخبَّاب وكان عمر يحبهم، يلين كتفه لهم ويكرمهم اقتداء برسول الله. وجزع شيوخ قريش وقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم قط. إنه ليؤذن لهؤلاء العبيد ونحن جلوس لا يلتفت إلينا. فقال سهيل: أيها القوم إني والله أرى الذي في وجوهكم فإن غضاباً فأغضبوا على أنفسكم. دعي القوم ودعيت فأسرعوا وأبطأت. أما والله لما سبقوكم بما ترون ولا سبيل لكم والله إلا إلى ما سبقوكم إليه، فانظروا هذا الجهاد فألزموه عسى الله عزّ وجلّ أن يرزقكم شهادة. ثم نفض ثوبه وقام ولحق بالشام.
وفي هذا المعنى وعن هذه الحادثة خبر آخر قالوا: جاء الحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو عند عمر فجلسا وهو بينهما أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله.. فجعل المهاجرون الأولون يأتون عمر فيقول: ههنا. ويبعد الحارث حتى صارا في آخر الناس فلما خرجا من عند عمر قال الحارث بن هشام لسهيل: ألم ترَ ما صنع بنا؟ فقال له سهيل إنه الرجل. لا لوم عليه. ينبغي أن نرجع باللوم على أنفسنا. دعي القوم فأسرعوا، ودعينا فأبطأنا. ورجع الحارث وسهيل إلى عمر. فقالا له يا أمير المؤمنين. قد رأينا ما فعلت بنا اليوم، وعلمنا أنا أوتينا من قبل أنفسنا فهل نستدرك ذلك بشيء نعمله؟ يرد إلينا ما فاتنا من فضل. فقال عمر: لا أعلم إلا هذا الوجه - وأشار إلى الشام - ينصحهما بالجهاد. فسارا إلى الشام وقتلا شهيدين. وقد سبقت الإشارة إليه في سيرة عكرمة.
وكان سهيل بن عمرو بعد أن أسلم كثير الصلاة والصوم والصدقة. وخرج بأهله جميعاً إلى الشام فقتل هناك وماتوا كلهم في طاعون عمواس، ولم يبق أحد مهم إلا ابنته هند فزوّجها عمر إلى عبد الرحمن بن الحارث. وقال عمر: زوّجوا الشريدة على ابن الشريد. فنشر الله من ذريتهما جمعاً كثيراً. وقد مدحه أمية بن أبي الصَّلْت، وكان سهيل يكنى أبا يزيد:
أبا يزيد رأيت سيفك واسعاً
وسجال كفك يستهل ويمطر
ومدحه قيس بن الرقيات حين منع خزاعة من بني بكر بعد الحديبية وكانوا أخواله:
منهم ذو الندى سهيل بن عمرو
عصمة الناس حين جب الوفاء
حاط أخواله خزاعة لما
كاثرتهم بمكة الأحياء
قتل شهيداً في اليرموك، رضي الله عنه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :609  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 157 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.