شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأرقَمُ بن أبي الأرْقَم
الأرقم بن أبي الأرقم يتردد اسمه على الأفواه وتذكره كتب السير. حتى الذين كتبنا عنهم من الصحاب الأبطال جرى ذكره في سيرتهم. فمن هو؟
عجب لمخزومي. يرى الوليد بن المغيرة، سيد مخزوم الوحيد والعدل، وسيد مخزوم، لا يسلم، فلا يسأل عنه ويسلم. وعجب لابن عم أبي جهل، يرى أبا جهل يوم المستضعفين من المسلمين العذاب فلا يأبه به ولا يبالي ويسلم. بل يجعل داره (المدرسة الأولى في الإسلام) وحرز الدعوة وحصن المسلمين الأقلين وفي أقرب مكان من المسجد على الصفا.
إنه الإيمان امتلأ به قلب الأرقم، الذي لا يعرف الطمع في رئاسة مخزوم ولا منافسة بني هاشم، ولا يظهر اللجاجة في خصومة أحد من قريش.. هادئ ساكن، يرسل عقله يفتش عن الحق. سمة من سمات الصديق وخلق من خلق أبي بكر. تجد هذا الخلق في كل الذين سبقوا إلى الإسلام. خلق نظيف، وطبيعة هادئة وإيمان عميق وصبر كريم وثبات راسخ لا يزحزحه العذاب ولا الاضطهاد، وإنما هو الذي زحزح الكفر والعناد وأطاح الجبابرة الفاجرين.
وآمن الأرقم والحق رائده والهداية مطلبه ونصرة محمد النبي الرسول غاية ما يريد، وبالوسيلة التي يستطيع فكان سابع سبعة في الإسلام.. ونظر إليه الرسول فوجد عند هذا الساكن الهادئ العزة والمنعة والحدب والرعاية. كلها تتمثل في نفس الأرقم لا في هيكل المخزومي. والإسلام لم ينتصر بالأجسام الفارعة والأعناق الغليظة، وإنما انتصر وينتصر بالإيمان، في أي نفس سواء أركبت في نفس عمرية على قوام سمهري، أم على جسم نحيف دقيق كابن أم عبد (عبد الله بن مسعود).
ووثق الرسول بالأرقم فجعل داره (أعني الأرقم) مأمن الآمنين بأمن الله، المروعين من المشركين. لم يرعهم أحد بقدر ما أخافهم ابن عم الأرقم، أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة ولكنه لم يتخط عتبة الدار لئلا يلحقه عار.. حمية جاهلية تمنع أبا جهل من أن يخفر ذمة ابن عمه، وهو الذي لا ذمة له عند الله.
وأبو جهل لم يروع، ولم يؤذ ويعذب إلا بهذه الإشارات من عمه الوليد بن المغيرة سيد مخزوم.. أبو جهل قد نال باليد فلم تنزل بشأنه الآيات القاصمات، كما نزلت في عمه الوليد الذي كان يؤذي بالإشارة ويعذب باللسان.. فعمل اليد قد أصاب فرداً أو أفراداً. أما عمل اللسان فقد تصدى للمبدأ. تصدى للقرآن ((إنْ هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر)) فجاء القرآن يفضح ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (المدثر: 11 - 30).
يجمع قريشاً فيثني أول الأمر على ما نزل على محمد. لا يقصد بهذا الثناء على الحق وإنما يريد أن يرجف بقريش ليعرف مكانه فيهم، حتى إذا صاح صائح منهم (والله لئن صبأ الوليد لتصبأ قريش) أرسل من نابه الأزرق السم النقيع. لا يرتد إلى محمد، ولا يصل إلى الأرقم، ولا يثني سُمَيَّة وعمَّاراً، وإنما هو قد ارتد إليه خزياً في الدنيا والآخرة في لعن الكتاب يتلى إلى يوم الدين.
ولكن الله الرحمن قد أخرج لنا من صلب هذا العتل الزنيم، الفارس البطل، والفاتح العظيم، والمؤمن الكريم، سيف الله أبا سليمان، خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، وجزاه عن هذا الإسلام جنة الخلد يرتع في بحبوحاتها مع رسول الله ومع الذين أنعم الله عليهم والذين قال الله فيهم وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً (الحجر: 47).
وشهد الأرقم بدراً واحداً والخندق والمشاهد كلها. وحينما هاجر إلى المدينة آخى الرسول بينه وبين أبي طلحة الأنصاري. وكانت داره على الصفا، وفيها أسلم عمر.. ومنها خرجوا مكبرين وطافوا بالبيت ظاهرين يؤمهم محمد وعلى الجانبين الفارسان الشجاعان حمزة وعمر. فدعيت دار الأرقم دار الإسلام.
وحتى عمر، الذي أعز الله به الإسلام حينما أسلم، وفي حياة النبي كلها، وفي حياة أبي بكر، وحينما تولاها.. تولاها الخليفة العادل والإمام العظيم والقائد الفاتح والعبقري الذي لم يفر فريه أحد. حتى عمر كان مخزومي الأنفة والخيلاء. والكبرياء ورثها عن مخزوم لأنهم أخواله. ولكنه آمن، فكان الدليل لإخوانه المؤمنين لأن شعار المؤمن العزة على الكافر والمذلة للمؤمن (دخل عليه خباب بن الأرت فقال عمر: أدن مني فإنه ليس أحق بهذا المجلس منك أحد إلا بلالاً، فقال خباب: ولا بلال فقد كانت له فئة تمنعه أما أنا فلم يكن لي أحد يمنعني، وكشف عن ظهره يريه أثر العذاب) ودار الأرقم أو دار الإسلام تصدق بها الأرقم على ولده (هذا ما قضى به الأرقم في ربعه ما حاز الصفا أنها محرمة بمكانها من الحرم لا تباع ولا تورث.. شهد هشام بن العاص ومولى لهشام بن العاص) ولم تزل هذه الدار صدقة قائمة فيها ولد يسكنون ويؤجرون ويأخذون عليها. حتى كان زمن أبي جعفر المنصور فأخذها في قصة يطول شرحها ومن هذا سميت دار الخيزران باسم امرأة ابنه المهدي وأم الهادي والرشيد.
إن عمل المنصور عمل باطل، جار على وقف لا ينفع فيه أن أحد ولد الأرقم قد باعه إلى المنصور. فما أحرانا أن نغير الباطل ولو بالشراء إن بقي منها اثر نحفظ به دار الإسلام ولو تمتد إلى الشرق على هذه الحوانيت التي بنيت يضيق بها المدخل من المسعى. وإننا لإتمام السيرة، وطلباً للفائدة نكملها بقصة هذه الدار.
تحدث عثمان بن الأرقم فقال: إني لأعلم اليوم الذي وقعت في نفس أبي جعفر، إنه ليسعى بين الصفا والمروة في حجة حجها. ونحن على ظهر الدار في فسطاط فيمر تحتنا لو أشاء أن آخذ قلنسوة عليه لأخذتها وأنه لينظر إلينا من حين يهبط بطن الوادي حتى يصعد إلى الصفا.
ولما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن ((النفس الزكية)) بالمدينة كان عبد الله بن عثمان بن الأرقم ممن تابعه ولم يخرج معه، فتعلق عليه أبو جعفر بذلك، فكتب إلى عامله بالمدينة أن يحبسه ويطرحه في حديد ثم بعث رجلاً من أهل الكوفة يقال له شهتب بن عبد رب وكتب معه إلى عامل المدينة. أن يفعل ما يأمره به. فدخل شهتب على عبد الله بن عثمان الحبس وهو شيخ كبير ابن بضع وثمانين سنة، وقد ضجر بالحديد والحبس فقال له: هل لك أن أخلصك مما أنت فيه وتبيعني دار الأرقم؟ فإن أمير المؤمنين يريدها وعسى إن بعته إياها أن أكلمه فيك فيعفو عنك. قال: إنها صدقة ولكن حقي منها له، ومعي فيها شركاء إخوتي وغيرهم فقال: إنما عليك نفسك. أعطنا حقك وبرئت. فأشهد له بحقه وكتب عليه كتاب شراء على حساب سبعة عشر ألف دينار، ثم تتبع إخوته ففتنتهم كثرة المال فباعوه فصارت لأبي جعفر ولمن أقطعها. ثم صيرها المهدي للخيزران أم موسى وهارون فبنتها وعرفت بها ثم صارت لجعفر بن موسى أمير المؤمنين ثم سكنها أصحاب الشطوى والعون ثم اشترى عامتها أو أكثرها غسان بن عباد من ولد موسى بن جعفر، وقد اشتراها آخرون. حتى كان آخر عهدنا بها أنها كانت دار لمدرسة الحديث. ونرجو أن نرى مكانها مدرسة أو مكتبة تصان بها دار الإسلام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :598  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 153 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.