شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحَلْقَةُ الثَّالِثَةُ وَالعِشْرُونَ
حضر الفتى في موعده وفي جعبته بعض الأسئلة التي يرغب إلقاءها على أستاذه الشيخ.. ولكن الشيخ الوقور تأخر عن الحضور اليوم أكثر من عشر دقائق.. أخذ الفتى يفكر في سبب تأخر أستاذه الذي ما عهد منه أي تأخير بل العكس فكم مرة كان يسبق فتاه إلى الحضور. اشتد قلق الفتى على شيخه ضارعاً إلى الله أن يحفظ شيخه من كل سوء وما هي أكثر من ثلاث عشرة دقيقة حتى أقبل الشيخ بوجهه المنير المشع وهندامه الفارع فحيا الفتى واعتذر عن التأخير الذي كان نتيجة مقابلة بعض طلبة العلم للشيخ في طريقه وطرح بعض الأسئلة في النحو والعروض عليه فما كان من الشيخ إلا أن يجيب سائليه على عادته فكان هذا هو سبب تأخيره اليوم ولكنه وعد فتاه أن يتبع تأخير الحضور تأخير في الانصراف حرصاً منه على وقت الفتى وتلك هي أخلاق العلماء الأفاضل المؤهلين الذين أوقفوا أنفسهم على العلم وطلابه.. استعد الشيخ للدرس ولكنه لاحظ يد الفتى مرفوعة تشير بسؤال عاجل.. فقال لفتاه: هات سؤالك يا بني.. قال الفتى: يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (الفجر: 27 ـ 28) فما هو إعراب ـ لفظة: النفس ـ أيها الشيخ الكريم؟
قال الشيخ: على البديهة هي بدل من أيتها وبدل المرفوع مرفوع والمطمئنة صفة للنفس. وارجعي: فعل وفاعل. إلى ربك: جار ومجرور والكاف ضمير مضاف إليه راضية: حال منصوبة ـ مرضية: حال أخرى منصوبة.
شكر الفتى أستاذه الشيخ على هذا الإعراب المفصل ثم مضى الشيخ في حديثه عن منصوبات الأسماء قائلاً والرابع عشر من منصوبات الأسماء المفعول الثاني لأعطى وأخواتها.. وظن وأخواتها حيث تأتي هذه الأفعال متعدية إلى مفعولين ليس أصلها مبتدأً وخبراً نحو قولك أعطيت المحتاجَ درهماً.. أو خبزاً.. أو غطاءً.. فالمحتاج مفعول أول لأعطى.. ودرهماً أو خبزاً أو غطاء مفعول ثانٍ لها. ومنها قولنا سألت الله فرجاً.. فلفظ الجلالة مفعول أول لـ ((سأل)) وفرجاً: مفعول ثانٍ لها.. رفع الفتى إصبعه مشيراً بسؤال عنَّ له سمح له الشيخ بطرح سؤاله. قال الفتى: حبذا لو أفضل أستاذي الشيخ بذكر المشهور من هذه الأفعال.. قال الشيخ: هو لك. من هذه الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأً وخبراً أفعال (أعطى ـ سأل ـ كسا ـ ألبس). وهناك أفعال تتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر منها: (رأى ـ ظن ـ علم ـ أخذ ـ وجد).
ثم أخذ الشيخ في شرحه قائلاً: أما خامس العشر من منصوبات الأسماء فهو التعجب. وقد سبق ذكره في الحَلْقَةُ الأولى ذكراً عابراً وعلينا أن نعي طريقة أسلوب التعجب وعياً جيداً فهناك طريقتان للتعجب من الفعل مباشرة إذا كان الفعل ثلاثيًّا مبنيًّا للمعلوم مثبتاً غير دال على لون أو عيب أو حلية قابلاً للتفاوت ـ أي للمفاضلة ـ فلنا أن نتعجب منه مباشرة بـ (ما أفعله) فنقول مثلاً: ما أكرمَه من رجل. أو بواسطة المصدر الصريح أو المؤول مع فعل مساعد مناسب له فنقول: ما أشدَّ كرَمَه (مصدر صريح) أو ما أشد أن يكرم.. (مصدر مؤول) أما إذا زاد الفعل عن ثلاثة حروف أصلية مثل دحرج.. زعزع.. زلزل.. طمأن، أو دل على لون نحو أحمر.. أصفر. أو عيب نحو عور.. عمي.. عرج، أو حلية مثل حور.. وشم ـ فإننا نتعجب منه بـ ((ما أَشَدَّ أو أُشْدُدْ به)) ونحوهما ثم نأتي بالمصدر صريحاً أو مؤولاً فنقول مثلاً ما أشدَّ دحرجة الطريق أو أشدد بدحرجة الطريق وما أشد حمرة الورد أو أشدد بحمرة الورد.. رفع الفتى إصبعه مستأذناً بسؤال طارئ.. سمح له الشيخ بإلقاء سؤاله.. قال الفتى: عفواً أستاذي الشيخ تقول إنه لا يمكننا التعجب من الفعل مباشرة إذا دل على لون وقد وقفت على أمثلة للتعجب من الفعل مباشرة مع أنه دال على لون كقول العرب: ما أسودَ الليلَ ـ وما أبيضَ الشعرَ.. وما أحمرَ الوردَ.. فما هو رأي شيخي؟ رد الشيخ: صحيح جاءت هذه الأمثلة ولكنها خارجة عن القاعدة الأساسية والخارج على القاعدة لا يعتد به كما تعلم.. إذ يعتبر شاذًّا لا يقاس عليه. ولكن الشيخ لاحظ إصبع الفتى مازالت مرفوعة قال لفتاه: هات سؤالك. قال الفتى: أريد أن أعرف رأي أستاذي الخاص في إمكانية التعجب من الفعل مباشرة إذا دل على لون مع أني لا أرى أي مبرر يمنع هذا.
قال الشيخ: تسألني عن رأيي الخاص فصدقني لا أرى ما يمنع التعجب منه مباشرة خاصة وأنه جاء على لسان العرب فهم أدرى بلغتهم.
ثم إن التركيبة التعجبية المباشرة أدت وظيفتها بكل دقة فما هو وجه المنع؟! وعليك ألا تنسى أنني أذكر لك القواعد الأساسية فلا بد من احترامها والالتزام بها يا بني. ثم قال الشيخ: أما إذا كان الفعل مبنيًّا للمجهول نحو ـ كُسرت الساعة ـ وقُطعت يد السارق.. أو كان منفيًّا نحو لا يُعاقب الجاني.. فإننا في هاتين الحالتين نتوصل إلى التعجب من الفعل بـ ((ما أشد أو أشدد به ونحوهما)) ويجيء المصدر بعدهما مؤولاً لا غير. فنقول مثلاً ما أقبحَ ألا يعاقب الجاني.. رفع الفتى إصبعه مستأذناً بسؤال.. سمح له الشيخ بطرح سؤاله قال الفتى أريد ذكر نموذج إعرابي كامل لأسلوب التعجب من أستاذي الشيخ. رد الشيخ: تقول مثلاً: ما أجملَ الزهرةَ!.. ما: نكرة تامة تفيد التعجب في محل رفع مبتدأ، أجمل: فعل ماضٍ مبني على الفتح وفاعله ضمير مختف فيه، الزهرة: مفعول به منصوب على التعجب والجملة الفعلية في محل رفع خبر ما.. لاحظ الشيخ أن الوقت متأخر فقال لفتاه: هل لديك أي سؤال؟ قال الفتى: شكراً لأستاذي العزيز وودع كل منهما الآخر على أمل اللقاء المتجدد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :594  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 26 من 76
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.