يا ليلُ لولا الهوى ما كان يصلانا |
حرٌ من الشوق يسري في حشايانا |
ولولا لظى الهجر في قلبٍ يُمزّقهُ |
عصفُ النّوائبِ أشلاء وأحزانا |
ما كُنت يا ليلُ للأحبابِ أُمنيةً |
تفيضُ بالبوْح أشكالاً وألوانا |
ولا تنَزَّت على شطِّ الهوى مُهجٌ |
تستلهمُ الحُبَّ آمالاً وحرمانا |
كمْ كُنتَ يا ليْلُ لِلأحبابِ مُنتجعاً |
يأوي إليْكَ شجيُّ القلْبِ ولهانا |
كمْ مَرّ في شطّكَ المأنُوسِ مُكتربٌ |
يجيشُ بالحُبّ إذكاءً لما عانا |
وكمْ توالى من الشُّعراء مُنكدمٌ |
يُناشدُ اللّيلَ ترويحاً وسُلوانا |
هلْ كُنتَ يا ليلُ للعُشاقِ مأمنةً |
تحمي هوى الصَّبِّ والتَبريحَ كتمانا |
وتلأمُ الجُرح من نزفٍ يُكابدهُ |
بيْن الحنايا يُثيرُ البوْحَ أشجانا |
كمْ باح بالسِّرِّ والنَّجْوَى مُهامسةً |
قلْبُ المُحبِّين في شطَّيْكَ تحنانا |
وكمْ تغنَّى هزارُ الأيكِ مُجتلياً |
مِن صمتكَ الدِّفء ولهاناً وهيمانا |
فكُنتَ كالأُمّ تحنو كُلما عصفتْ |
نوائبُ الدّهر إحباطاً وخُذلانا |
تجودُ بالدِّفْءِ للعُشاق مُنتشياً |
وتملأ الخفق أحلاماً وترعانا |
كُلُ المُحبين في شَرْكِ الهوى علقُوا |
واستلهموا الحُبَّ أجيالاً وأزمانا |
واستأنسوا اللَّيْلَ تخفيفاً لمُبرحةٍ |
تَعَجُّ في القلب إصلاءً ونيرانا |
كمْ كُنتَ يا ليلُ في صمتٍ تُحرّكُنا |
وتلهم النّفس إبداعاً وتبيانا |
وكُنتَ للشَعر نهراً في تدفُّقهِ |
يهيمُ بالحُبّ جذلاناً.. ونشوانا |
ويسكُبُ اللَّحْنَ للشَّادين أُغنيةً |
تفُوحُ بالعطر أزهاراً وريحانا |
فما عساني وقد أمسيتُ مُحتسياً |
كأس الغرامِ ولوْع الشّوقِ أسيانا |
أُصوِّرُ الحُبَّ أحلاماً مُلوَّنةً |
وأرسُمُ الشِّعر أنغاماً وألحانا |
هل أكتِمُ الوجد والأشجان مُنتسياً |
همس الذّي كان من أحلام ذكرانا |
علَّ الذي جدَّ في جنبيَّ يُلهبُني |
يمرُّ كالأمس أطيافاً ونسيانا |
ويبعثُ الدِّفْءَ في روضِ الهوى ألقاً |
فينتشي الطَّيرُ يشدو صفْو نجوانا |
وينفحُ الرّوضُ طيب العطر مُزدهياً |
يُهدي إلى اللّيل همساً من بقايانا |
فنجتلي الحُبَّ في ليلٍ نُسامرُهُ |
بالشعرِ حيناً وبالأنغام أحيانا |
ما أسعدَ النّفسَ إِنْ أَرْسَتْ سفينَتُها |
بشطِّ ليل الهَوَى يَا طيبَ مَرْسَانَا |