اطلعت في بعض أعداد مجلة ((المنهل)) فيما مضى على حديث لسيادة عبيد الله مدني(1) مؤرخ المدينة يتعلق بأصل وزمن قدوم آل برادة للمدينة الذين مفخرتهم العالم الأديب عبد الجليل برادة، وأجاب سيادة السيد، السائل، بما يعلمه عما سئل عنه. وكان لدي استفسار أيضاً لم أتمكن من تحريره (لمرضي يومئذ حيث لم أقو على الكتابة).
أخبرني الخال علي كابلي بأن بستان الأبارية بالرومية(2) (المقام عليه اليوم فندق التيسير) كان منتدى للعلم والأدب لأعيان المدينة وفي مقدمتهم المرحوم عبد الجليل فكانوا يتعاطون الشعر ومذاكرة العلوم في أيام الصيف خاصة.
وأنا بدوري أذكر أني قبل نصف قرن كنت قرأت في رسالة أدبية قصائد رائعة للمرحوم عبد الجليل برادة من جملتها أشعار ممزوجة بالهندية والتركية أحفظ من كل منهما ثلاثة أبيات. وهذه هي الأبيات الهندية (الأوردو):
فهل يعلم السيد عبيد مدني نسبة هذه الأبيات ومثلها للمرحوم؟ كما أن السيد أنور عشقي له شعر رفيع ضاع أكثره كما يقال. وقد سمعت أبياتاً له من زميلي السيد ماجد عشقي.
ولقد كان المرحوم أحمد عابد راوية لأكثر شعراء المدينة، بيد أنه لم يسجلها في دفتر خاص.
ولعلّ هذه الأبيات المنسوبة للسيد أنور عشقي نشرت من قبل في المنهل، وهي أبيات غزل وتشطير لبيتي شعر في الشكوى والغزل، وهي:
أمدام: لو شاهدت ما ينتابني
عند الهجوع وليس غير هواك
لرحمتني إن كنت ذات ترحم
ورثيت لي ولربما أبكاك
عيشي منعمة وإن كنت المنى
نغصت عيشي فانعمي بهناك
والتشطير للبيتين هو:
ولقد يعز على النواظر أن ترى
دول اللئام وذلة الأحرار
فالحر يزهد في الحياة ولا ترى
كبار قوم في أكف صغار
هذا الزمان تضايقت أخلاقه
أضحى يشوب الصَّفو بالأكدار
تباً له من خائن متمرد
جعل الخيار بقبضة الأشرار
وهناك أبيات غزلية جميلة لسميّه عبد الحق العثماني ((رفاقت علي)) هي:
وشبه بالتفاح خدي جهالة
وما كنت أرضى أن يشبه بالورد
وشبه بالرمان نهدي وما استحى
يشبه بالعناب مبسمي الشهي
فمن أين للتفاح أسكار هائم؟
ومن أين للرمان غصن حوى قدي؟
فإن كان مثلي في البساتين عنده
كثير ينال الوصل فيهم بلا وعد
وحصل ما يغنيه عن وصل غادة
فماذا الذي قد جاء يطلبه عندي؟
وحق جمالي والجبين ومهجتي
وحنة وصلي والتذلل في ودي
لئن عاد للتشبيه يوماً حرمته
لذيذ وصالي أو يعيش على كد
وإن مات من فرط الأسى لم أبح له
جنان وصالي ثم أصليه بالصد
ولعلّ سيادة السيد عبيد مدني جمع ثروة وافرة من شعر شعراء المدينة وقد يكون ما كتبته هنا من باب التكرار، غير أني وغيري لهم رجاء بأن يتكرم السيد بطبع الجزء الأول من تاريخه القيم(12) لنستمتع من رواء جماله وفوائده نحن الشيوخ قبل ريب المنون وفقه الله تعالى وأطال بقاءه.
المنهل: الرومية: حارة من حارات المدينة المنورة بشرقيها. أدركنا اسمها هكذا، ولعلّها كان يقيم فيها الترك أو كبارهم قديماً.. وكان يقيم فيها الشيخ عبد الجليل برادة في دار يملكونها ذات بستان وتعرف الدار والبستان باسم الأبارية.. وقد هدمت الدار وأزيل البستان الذي كان مسوراً بسور من طين وأحل محلهما فندق التيسير الآن كما وصفه الأستاذ عبد الحق نقشبندي في مقاله هذا.
المنهل: نضم صوتنا إلى صوت الأستاذ الكبير أحد رواد الأدب في هذه البلاد الشيخ عبد الحق نقشبندي أطال الله بقاءه في لباس الصحة والعافية ونرجو كما رجا من سعادة الأستاذ الجليل مؤرخ المدينة المنورة السيد عبيد مدني أن يطبع الجزء الأول من تاريخه القيم للمدينة المنورة. وهكذا تباعاً حتى آخر جزء منه إن شاء الله. وخير البر عاجله.