شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 7 ـ
أم خالد: صباح الخير يا سيدي.. كيف أصبحت؟
أبو خالد: بخير والحمد لله..
أم خالد: الحمد لله.. ما شاء الله كنت نايم نوم عميق حتى أني صحيت وما حسيت بيّا..
أبو خالد: أيوا يا بسمة لكن..
أم خالد: لكن ماذا؟
أبو خالد: آثار الوعكة ما تزال تتمشى في عروقي.. شوفي وجهي أصفر زي الليمون. لقد كان عليَّ أن أشرب كأس جشعي حتى الثَّمالة..
أم خالد: بلاش أوهام ما شاء الله وشك عليه كل وردة كده (وتشير بيدها)
أبو خالد: من بياض الفلى حتى يبان الورد عليه.. ماني أسود أكْوَدْ..
أم خالد: بس يا سيدي المثل يقول..
أبو خالد: يقول إيش المثل..
أم خالد: لولا السواد غالي ما سكن في العين..
أبو خالد: يا سلام على أمثالك الحلوة ربنا يجبر بخاطرك.. قولي لي..
أم خالد: إيش يا سيدي..
أبو خالد: الصبي جاب الجرايد..
أم خالد: ايوا
أبو خالد: فين حطيتيهم..
أم خالد: بغرفة الجلوس..
أبو خالد: تعرفي يا بسمه..
أم خالد: إيش…
أبو خالد: أنا مصمم وعازم إني ما عاد أسوي زي ما سويت أمس..
أم خالد: الاتزان في كل شيء ضروري.. وأنت البارحة قضيت قليل..
أبو خالد: أدعي لي ربنا يمنحني الصبر والقوة..
أم خالد: الله يعلم أنا أدعيلك بعد كل صلاة وربنا يتقبل..
أبو خالد: آمين يا رب..
أم خالد: كيف تقدر تروح الحمام تتوضأ وألاّ أساعدك؟..
أبو خالد: شكراً الحمد لله.. ما في لزوم.. أنا أقدر أمشي ولو أنو جسمي لسه مكسَّرْ
أم خالد: لما تمشي تروح الكَسْمَلَهْ.. قوم.. يالله.. تاتي تاتي حبَّه.. حبَّه..
أبو خالد: حلوة.. حلوة.. يا حلوة (يضحكان)..
أم خالد: طيب أنا رايحة على المطبخ أحسن الأكل ينحرق..
(موسيقى خفيفة نسمع بعدها صوت وقع أقدام أبي خالد ثم هو يقول لنفسه):
أبو خالد: وتحاملت على نفسي وتوضأت وصليت الضهر.. فعاودني نشاطي ثم جلست في أوضة القعاد وأخذت المصحف وبدأت أتلو ما تيسر من آي الذكر الحكيم إلى أن شعرت برغبة جارفة للنوم فعدت أدراجي إلى سريري وبين منعطفات الغرف قابلتني روائح أكل شهية نشرت أريجها (الخامر) (قدور) جيراننا في العمارة فبدأ لعابي يسيل وشرعت أتلمظ وأتشمم وكأني قط يستنشق عبير الأكل.. فشعرت بسرور لا يوصف، وعلمت في يقين - أن الوعكة قد ذهبت إلى غير رجعه، وأن عصافير بطني التي انطلقت (تزغزغني) هي من أمائر الصمة التي أنا في حاجة إلى استرجاعها.. ورأتني زوجتي متهللاً مستبشراً فتهلل وجهها هي الأخرى فرحاً وقالت..
أم خالد: مَدَارِجَ العافية يا سيدي..
أبو خالد: الله يعافيك ويخليكي ليّا..
أم خالد: ويخليك ليّا..
أبو خالد: بسمه.. الروائح الذكية اللي زكمت خشمي هيه من عندنا؟
أم خالد: (ضاحكة) (في) من عندنا و (في) من عند الجيران..
أبو خالد: أشم رائحة، مختوم، معرق وإيش كمان.. قولي لي..
أم خالد: أقلك إيش يا سيدي..
أبو خالد: قولي..
أم خالد: ما شاء الله خشمك ولا خشم البسّه..
(يضحك أبو خالد حتى يكاد يستلقي على ظهره ثم يقول):
أبو خالد: أبغي أقلك لكني خايف منك..
أم خالد: قول يا سيدي ولا تخاف..
أبو خالد: اشتهيت، المختوم المِعَرَّقْ، (في) لحمه بالثلاجه..
أم خالد: ايوا يابسمة..
أبو خالد: أنا عارف بس حِنّيتَك..
أم خالد: أنا خايفة عليك والدكتور مانعك من أكل اللحوم والسمان لمدة أسبوع..
أبو خالد: إيش أسوي لك وأسوي لأوامر الدكتور.. أنا قلبي ادْبَع؛ ونفسي رِتْعَهْ..
أم خالد: لو تخليها بعد يومين أو ثلاثة أسويلك مختوم من عيوني..
أبو خالد: ولكني مشتهي المختوم وروحي رايحه تطلع إذا ما فطرت اليوم مختوم مِعَرَّق، وأنا أعاهدك إني ماني رايح آكل إلاّ شويَّة أسدُّ بها شهيتي..
أم خالد: المعروف عنك يا سيدي إنك تحافظ على عهودك ومواثيقك إلاّ..
أبو خالد: إلاّ إيش..
أم خالد: إلاّ عهود الامتناع عن الأكل.. أو التقنين في الأكل..
أبو خالد: إيش تبغي أقسم لك..
أم خالد: لا.. لا.. بلاش حلفان وإيمان في رمضان.. خلاص اللي تبغاه نسويه بس العهد.. العهد..
أبو خالد: صدقيني إني سوف لا أحنث بالعهد..
أم خالد: طيب قل لباصلوح يجيب لنا لبن زبادي بسرعة..
أبو خالد: حاضر وغيرو..
أم خالد: سلامتك..
أبو خالد: الله يسلمك.. بس كتري أبازير المختوم..
أم خالد: حاضر أنت دحين خذ لك غفوة وقبل صلاة العصر أقومك لتصلي في الحرم لأنك الضهر صليتو اليوم في البيت..
أبو خالد: وهو كذلك..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت العم عوض وهو يقول):
عوض: يا واد أنا كم مرة قلتلك لا تزهمني يا عم جمعان..
باصلوح: طيب إيش أقولك..
عوض: قول عم عوض أو عم جمعان..
باصلوح: وليس اسمين.. ليش ما نُقلَّكْ عم عوض حاف أو عم جمعان حاف..
عوض: تعرف ليش..
باصلوح: لا..
عوض: لأنو الواد اللي اسمه جمعان، بواب العمارة اللي قدامنا سرق غسيل السكان ومسكوه الشرطة وكلبشوا يده..
باصلوح: أنت خايف يتوسخ اسمك زي ما توسخ هو..
عوض: ايوا ولذلك ابغاك تناديني عم عوض لأني الحمد لله نضيف..
باصلوح: حاضر يا عم عوض.. بس حوايجك ماهيه نضيفه..
عوض: يا واد يا لِمِضْ يالله على البيت جا وقت عمك ما ينزل لصلاة العصر وما يلقاك في الدهليز رايح يطيِّنْ نهارك.. روح أحسن لك..
باصلوح: كتر خيرك يا عم عوض.. ما انضف قلبك..!!
عوض: مع السلامة..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أم خالد تقول):
أم خالد: يالله يا سيدي يا دوب تلحق الصلاة..
أبو خالد: الحرم ما هو بعيد والسيارة قربت البعيد..
أم خالد: في أمان الله..
أبو خالد: في أمان الله..
(نسمع صوت محرك السيارة يعقبه صوت باصلوح وهو يقول):
باصلوح: ول ول يا باصلوح لو نزل عمك وما لقاك كنت رحت في شربة مويا.. ربنا يخليك يا عم جمعان لا.. لا.. يا عم عوض.. جمعان خليني أكنس قدام الباب وأرش ماء وأسقي الجنينة بعدين..
(نسمع صوت عوض وهو ينهر حفنة من أولاد الحارة وقد تجمعوا يتفرجون على شكله الغلط)..
عوض: ما تروحوا يا بزورة.. تبغوا إيش واقفين هنا.. تتفرجوا على إيش أنا فرجه.. استحوا.. أهلكم ما ربوكم..
(نسمع صفير الأولاد وضحكهم ثم نسمع صوت سيارة أبي خالد تقف وحيناً يراه الأولاد يتفرجون فيقول عوض):
عوض: كثر خيرك يا أبو خالد.. الأولاد هدولا رايحين يجننوني كل يوم زي هادا الوقت يتجمعوا ويتغامزوا علي..
أبو خالد: ما هم أولاد لا تأخُذْ بالك من بالهم.. كيف حالك.
عوض: بخير يا عم..
أبو خالد: أنت عارف ليش الأولاد يتجمعوا عليك؟
عوض: لا بالله..
أبو خالد: يشوفوك لابس أسود ما تفسخ توبك ولا تغسلوا ولا تبدلوا حتى يهتري.. ما تشتري بدلوا وطول النهار جالس زي قاعدة التمثال..
عوض: إيش تقول يا أبو خالد.. قاعدة تمثال..
أبو خالد: ايوا لا تقوم ولا تروح ولا تجي..
عوض: وأنا فيّ حيل أتحرك من كوم اللحم والشحم اللي علي..
أبو خالد: تحرك.. خفف من الشحم واللحم اللي عليك.. ثم ليش تلبس أسود أنت من نسل العباسيين..
عوض: عباسيين وإيش العباسيين..
أبو خالد: الخلفاء العباسيين كانوا يلبسوا السواد قلت يمكن تكون من نسلهم..
عوض: معقول هادا الوش يكون من نسل خلفاء..
أبو خالد: طيب قل لي ليش تلبس أسود دوم دايم..
عوض: قصتي طويلة يا عم وشرحها يطول..
أبو خالد: اسمع أمشي معايا نقعد في جنينة البيت حقي وتحكي لي الحكاية وتفطر مع باصلوح..
عوض: حاضر يا عم.. بس أكلم رفيقي مبارك يحرس العمارة في غيابي.. وألحقك..
أبو خالد: طيب..
(نسمع صوت محرك السيارة ثم صوت وقوفها وفتح بابها وصوت باصلوح يقول):
باصلوح: عم.. أبغاك تنظر الجنينة كيف صارت.. رجعت أحسن من الأول.. الكزبرة والبقدونس والفجل بدا يطلع..
أبو خالد: براوا عليك.. براوا.. الكراسي محطوطين في الجنينة وفرشت الأرض..
باصلوح: ايوا.. في ناس جيين..
أبو خالد: عوض يبغي يجي دحين.. دخلّو حالاً على الجنينة ووقت يدق مدفع الفطور أمسكوا على الفطور معاك..
باصلوح: حاضر يا عم.. عوض رجال طيّب قلبو أبيض زي البفته..
أبو خالد: أنا طالع فوق ولما يجي عوض أزهمني..
باصلوح: طيب يا عم.. طيّب الله لك الأيام..
أم صلاح: أشوف حركة في الجنينة في عندك معازيم..
أبو خالد: أيوا..
أم خالد: مين يا سيدي..
أبو خالد: عوض بواب العمارة قدامنا.. عزمتو على الفطور مع باصلوح ومنشان يحكي لي قصتوا..
أم خالد: جزاك الله خير.. خليه يسليك لحتى يصير المغرب..
باصلوح: (ينادي) عم.. عم.. عوض في الجنينة..
أبو خالد: أنا نازل..
(ينزل مصحوباً بموسيقى نسمع بعدها صوت عوض يقول):
عوض: عم بو خالد أنا أصلي من زنزبار بلاد القرنفل..
أبو خالد: من زنزبار.. لأول مرة أعرف أنك من هناك.. وبعدين..
عوض: مات بوي وتزوجت أمي من واحد بغيض كان يضربني بالكرباج على أقل خطأ حتى يسيل الدم من جسمي..
أبو خالد: يا للفظاعة.. يا للقسوة..
عوض: وبعدين هربت في (ساعيه)
أبو خالد: تقصد مركب..
عوض: ايوا.. وأرض تشيلني وأرض تحطني حتى حدفنا الموج على بور سودان ومنها على الخرطوم وأم درمان وبقيت مدة ثم تركتها وساقتني الأقدار إلى السعودية..
أبو خالد: أنت ما تجوزت؟
عوض: ما تزوجت.. أنا مضرب عن الزواج..
أبو خالد: ليش مو حرام..
عوض: خايف..
أبو خالد: خايف من إيش..
عوض: خايف أولادي يلاقوا نفس المصير اللي لقيتوا أنا..
أبو خالد: مو معقول كلامك هادا.. أنت مخبي علي حاجه أنت تلبس السواد ومضرب عن الزواج لازم في سبب قل لي.. أفتح قلبك..
عوض: وإيش أقلك..
أبو خالد: أنت حبيت بزمانك..؟
عوض: (يتنهد حتى تكاد روحه تطلع ثم يقول):
حبيت على السماع وحدة اسمها (رمانة) ولما حضّرت المهر وحددنا الزواج مرضت فجأة.. وماتت فجأة..
(ثم ينخرط في البكاء):
أبو خالد: لا حول ولا قوة إلا بالله.. بلاش بكا يا رجل.. البكاء على الميت حرام.. قوم غسل وشك ومدفع الفطور قرب وبكره تكمل لي بقية الحكاية..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :816  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 7 من 83
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.