شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 47 ـ
مزنة: أماه.. لقد فرغت من العمل الذي عهدت به إلي وأنا على أتم الاستعداد للاستماع إلى حديثه..
سلمى: وبعد أن تم حفر الخندق أصبحت المدينة كالحصن المنيع لا يستطيع الوصول إليه إلا بمغامرات انتحارية يائسة وجسر طويل من الضحايا وأكداس من جثث القتلى..
مزنة: لقد كان حفر الخندق في شهر واحد عملاً جباراً..
سلمى: إن عظمة هذا العمل تتجلى عندما نعرف أن جنود المسلمين الذين سيدخلون المعركة هم الذين قاموا بحفر الخندق وفي ظروف معيشية صعبة وكيدية افظع تتمثل في تقاعس المنافقين عن الحفر وتركهم العمل وتسللهم إلى المدينة من دون استئذان..
مزنة: لقد كان انخراط المنافقين في جيش المسلمين هو الإبقاء على وجودهم والتمتع بحقوق المحارب المسلم وللاطلاع على خطط المسلمين وإبلاغها إلى أعدائهم..
سلمى: ما أجمل تحليلك للموقف يا بنيتي.. إنني جد مسرورة وفخورة..
مزنة: البركة فيك يا أماه..
سلمى: ورابط المسلمون وراء خندقهم في ترقب وانتظار لجيوش الأحزاب..
ولما أهل شهر شوّال من السنة الرابعة للهجرة خرجت أحزاب المشركين من كل جانب بعد أن تكامل حشدها وتم تجهيزها..
(موسيقى حربية.. وصهيل خيل.. وقعقعة سلاح وسيوف وأصوات تعلو وتهبط)..
حكيم: وتحركت جيوش الأحزاب صوب المدينة ففصل من ديار غطفان وأحلافها جيش قوامه ستة آلاف مقاتل.. وخرج من مكة جيش قريش وأحلافها في أربعة آلاف مقاتل بعد أن تحالف رؤوساء هذا الجيش وألصقوا أكبادهم بالكعبة وتعاهدوا على أن لا يخذل بعضهم بعضاً وأن يكونوا يداً واحدة على محمد ما بقي منهم رجل..
زيد: ولمن سلمت قيادة جيوش الأحزاب؟..
حكيم: أسندت قيادة هذه الجيوش إلى أبي سفيان.. أما جيش المسلمين فقد عقد النبي صلَّى الله عليه وسلم لواء المهاجرين لزيد بن حارثة ولواء الأنصار لسعد بن عبادة..
(أصوات زحف جيوش الأحزاب بخيلهم ورجلهم وقضهم وقضيضهم)..
(وأصوات تكبير وآذان من جانب المسلمين)..
زيد: ولكني لا أرى جيشاً لليهود بين جيوش الأحزاب..
حكيم: كان حيي بن أخطب موجوداً مع جيوش الأحزاب يتنقل بين صفوفهم يذكي نار الحماسة بينهم ويمنيهم ويمدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.. وكان حيي قد أقنع قادة جيوش الأحزاب بأن يهود بني قريظه الموجودين خلف جيش المسلمين في المدينة والبالغ عددهم تسعمائة مقاتل على استعداد لضرب المسلمين من خلفهم عندما تبتدىء المعركة..
الحارث: يا لهول الخطة وفظاعة المؤامرة..
(أصوات زحف جيوش الأحزاب.. وصليل سيوفهم ووقع حوافر خيلهم ورغاء إبلهم) وصوت أبي سفيان يقول وكأنه في اجتماع..
أبو سفيان: والله إن هذا الخندق لمكيدة ما كانت العرب تكيد بها ولا تصنعها وقد رأيتم كيف أن خيلنا لم تستطع عبور هذا الخندق وعلمتم بما جرى للذي جرّب اقتحام الخندق فوقع فيه واندقت عنقه ثم حصبه المسلمون بالحجارة وأخيراً قتلوه.. وقد جمعتكم ايها القادة للتشاور فماذا ترون؟..
عيينة: الرأي عند حيي بن أخطب وهو أدرى منا بشعاب المدينة ومداخلها.
أبو سفيان: صدقت يا عيينة.. ما رأيك يا بن أخطب؟..
ابن أخطب: كان المدخل الوحيد للمدينة هو الناحية الشمالية منها حيث يمكن للخيل والفرسان الكرّ والفرّ فيها ولكن محمداً سدها في وجهنا بحفره هذا الخندق.. أما الجهات الأخرى للمدينة فلا يمكن العبور منها لتشابك الأبنية وكثرة الزروع والحواجز كما أن المسلمين قد وضعوا شراذم من جنودهم هنا وهناك للحراسة..
خالد بن الوليد: لقد طوفنا بخيلنا جميع أطراف المدينة فلم نجد منفذاً إليها غير الجهة التي حفر فيها هذا الخندق اللعين..
أبو سفيان: إذن ما يقوله ابن أخطب صحيح يا خالد..
خالد: نعم يا عماه..
طليحة: أتريدنا يا بن أخطب أن نبقى مواجهين هذا الخندق إلى ما شاء الله.. لقد حصد المسلمون زراعتهم قبل مجيئنا ولم تجد إبلنا ولا خيلنا التي سرحناها شيئاً تأكله وإني أخشى عليها أن تنفق.
ابن أخطب: هوّن عليك يا طليحة.. فلن تبقى طويلاً أمام هذا الخندق..
أبو سفيان: قل يا بن أخطب وأفصح..
ابن أخطب: أرى أن نبدأ المعركة غداً في شكل مناوشات نشغل المسلمين فيها وتركز كل قواتهم إلى هذه الناحية، وأنا ساذهب إلى بني قريظة في الوقت الذي تناوشون فيه المسلمين وسنضربهم من خلفهم.. وعندها تنهار مقاومتهم وينهار معها خندقهم..
أبو سفيان: حسناً ما رأيت يا بن أخطب ولكني أرى أن لا تبتدىء في ضرب المسلمين إلاّ حينما نرسل إليك لأني أخشى أن تكون للمسلمين قوة كبيرة في مواجهة بني قريظة..
ابن أخطب: الرأي ما رأيت يا أبا سفيان.. وإني سائر إلى بني قريظة وملتقانا في وسط المدينة..
أبو سفيان: لا تنسى يا بن أخطب أن تحرص على تنظيم تموين هذه الجيوش من قبل رجالك في حال غيابك عند بني قريظة..
ابن أخطب: لقد أعددت لهذا الأمر عدته..
(صوت ابتداء المعركة.. وتهليل وتكبير من قبل المسلمين)..
وأصوات نبال ترشق وخيل تصهل وصوت عمرو بن عبد ودّ العامري يصرخ..
عمر بن عبد ود: إلي يا فرسان قريش فقد وجدت سبيلاً لاقتحام الخندق..
ضرار ابن الخطاب: لبيك يا عمرو..
(أصوات تجيب)..
لبيك يا عمرو…. لبيك يا عمرو..
(نسمع وقع حوافر الخيل وأصوات من الجانب الآخر تقول):
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. اقتلوهم.. أمِتْ.. أمِتْ..
(ونسمع قعقعة السلاح وتضارب السيوف واصوات مختلطة وصوت يقول):
الصوت: الأرض سبخة تنزلق فيها الخيل ونبال المسلمين شديدة.. عودوا قبل أن تذهبوا عن بكرة أبيكم..
عمرو: لا.. لن أعود وأنا عمرو بن عبد ود العامري.. من يبارزني.. من يبارزني؟..
حكيم: وقام علي بن أبي طالب وقال: أنا له يا نبي الله.. ويروى أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال له: ((؟إجلس.. إنه عمرو.. وكان عمرو من فرسان العرب المشهورين)).. ولما لم ير عمرو بين المسلمين من يخرج لمبارزته جعل يستهزىء بهم ويقول:
((أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم ليدخلها.. أفلا تبرزون لي رجلاً؟))..
فقام علي بن أبي طالب وقال: أنا له يا رسول الله وكرر عليه الجواب. اجلس إنه عمرو..
فأجاب علي بن أبي طالب: وإن كان عمرو.. فأذن له النبي صلَّى الله عليه وسلم وأعطاه سيفه ذا الفقار وألبسه درعه الحديد وعممه بعمامته ودعا له..
زيد: يا لقوة إيمان علي ورباطة جأشه وثقته بنفسه..
حكيم: ولما برز علي إلى عمرو ليبارزه قال له علي:
يا عمرو.. إنك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلا قبلتها..
قال له عمرو: أجل..
فقال علي: إني أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتسلم لرب العالمين..
فقال عمرو: يا ابن أخي أخر عني هذه..
فقال علي: وأخرى.. ترجع إلى بلادك فإن يك محمد رسول الله صادقاً كنت أسعد الناس به.. وإن يك كاذباً كان الذي تريد.
فأجاب عمرو: هذا ما لا تتحدث به نساء قريش أبداً.. كيف وقد قدرت على استيفاء ما نذرت ثم أردف عمرو قائلاً: فالثالثة ما هي؟..
قال علي: المبارزة؟؟
(فضحك عمرو وقال):
(نقلة صوتية ممزوجة بالضحك الشديد المستمر)..
عمرو: يا علي: إن هذه الخصلة ما كنت أظن أن أحداً من العرب يروعني بها. أدع لي أعمامك ممن هو أشد منك فإني أكره أن أقتلك.. وإن أباك كان صديقاً لي..
حكيم: فأجابه علي: ولكني والله أحب أن أقتلك.
زيد: لا فض فوك يا أبا الحسن.. لقد استثار هذا الجواب غضب عمرو ولا شك..
حكيم: نعم.. ولما كان علي راجلاً وعمرو فارساً فقد نزل هذا عن فرسه واقبل على علي وابتدر عمرو علياً بضربة فاستقبلها علي بدرقته فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب ذبابته رأس علي فشجه.. وضرب علي عمرو على حبل عاتقه فسقط عدو الله على الأرض يتخبط في دمائه فكبر المسلمون..
(نسمع اصوات التهليل والتكبير.. وأصوات تقول):
أصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. قتل عدو الله.. قتله علي.. قتله أبو الحسن بضربة واحدة.. واحدة.. واحدة.. فقط.. الله أكبر.. الله أكبر..
حكيم: وقد حاول اثنان من فرسان قريش هما ضرار بن الخطاب وهبيرة بن أبي وهب الفتك بعلي بن أبي طالب والانتقام لعمرو بن عبد ود ولكن علياً صمد لهما وقاتلهما حتى هزمهما وطارد المسلمون فرسان قريش الذين فروا بعد مقتل عمرو.. فقتل الزبير بن العوّام نوفل بن عبد الله وضرب ثغر فرس هبيرة بن أبي وهب وكاد يقتله لولا أن نجّى نفسه بالهرب.. وفرّ عكرمة بن أبي جهل بعد أن ألقى برمحه في الخندق.
الحارث: يا لها من معركة مروعة تجلت فيها قوة المسلمين وشدة بأسهم بالرغم من قلة عددهم.
زيد: إنها قوت روح المسلمين وأثبطت عزيمة الكفار والمشركين.
حكيم: نعم ولكن الأحزاب بعد فشل هذه المغامرة لجأوا إلى إرهاب المسلمين وإزعاجهم والجلب عليهم بالخيل لعلّهم يوهنون بذلك أعصابهم وقوة عقيدتهم.. وزاد في متاعب المسلمين ومحنهم وكروبهم حالة العوز والفقر والجوع التي كانوا عليها في تلك الساعة.. وحالة الجو القاسية فالبرد كان قارصاً يلسع أجسادهم شبه العارية.. وبطونهم خاوية من النصب والجوع.. فقد كانت تلك السنة سنة جدب وقحط على المسلمين..
زيد: ولكنهم صابروا ورابطوا وصمدوا في وجه هذه الظروف السيئة..
حكيم: نعم.. وبينما كان المسلمون يتحملون بقوة إيمانهم وعقيدتهم كل ذلك جاءتهم أخبار السوء بنقض بني قريظة للعهد فبلغت قلوب المسلمين الحناجر من شدة الجهد والكرب والخوف..
(خبطة موسيقية)..
مزنة: إذن لقد تمكن عدو الله ابن أخطب من التغرير ببني قريظة.. ولكن كيف استطاع ذلك؟..
سلمى: ستعرفين ذلك غداً إن شاء الله..
مزنة: إن شاء الله تعالى..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :713  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 47 من 69
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج