الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > الحلقة التاسعة والثلاثون

الحلقة ـ 39 ـ

مزنة: أريد أن أقول كما قال أبو سفيان: ولكن ماذا.. قولي بربك.. قولي.. فقد تركتني أمس في أحرج موقف..

سلمى: لقد قال معبد بن أبي معبد الخزاعي مخاطباً أبا سفيان:

(نقلة صوتية)..

معبد: يا أبا سفيان.. لقد رأيت في طريقي محمداً وقد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقاً، ومعه من كان تخلف عنه بالأمس من الأوس والخزرج - والمهاجرين وقد تعاهدوا على أن لا يرجعوا حتى يلقوكم فيثأروا لقتلاهم وعزتهم وكرامتهم..

أبو سفيان: (بانزعاج) ويلك ما تقول؟..

معبد: أخالك تستريب فيما أقول..

أبو سفيان: حاشا واللات والعزى.. ولكننا أجمعنا الكرة على محمد وأصحابه حتى نستأصل بقيتهم..

معبد: إني أنهاكم عن ذلك وأحذركم من مغبته.. عمو مساء.. فإني راحل..

أبو سفيان: رافقتك السلامة..

(نقلة صوتية)..

حكيم: وبعد ذهاب معبد اختلى أبو سفيان بصفوان بن أمية وعكرمة ابن أبي جهل وخالد بن الوليد للتشاور فيما يجب أن يفعلوه بعد الأخبار الأخيرة وابتدرهم أبو سفيان قائلاً:

أبو سفيان: لا شك فيما قاله سيد خزاعة ولا سيما وقد جاء بذلك رجالنا الذين أرسلناهم يستطلعون أخبار محمد فماذا ترون؟..

صفوان: لو لم يتلق محمد مدداً جديداً ما أقدم على هذه الحركة السريعة وإني أرى مواصلة العودة إلى مكة..

أبو سفيان: ولكن مواصلة الانسحاب إلى مكة يجعل مركزنا حرجاً عند العرب عندما يعلمون أننا انسحبنا إثر خروج محمد لمطاردتنا وسيكشف للعرب أننا لم ننتصر حقاً في معركة أُحد..

عكرمة: هذا صحيح يا عماه.. وإني ما زلت عند رأي أن ننهد للقاء القوم فإما نصر مؤكد وإما غير ذلك..

أبو سفيان: إن مرجل الشباب يغلي فيك يا عكرمة والحرب خدعة يا بني.. وجيش محمد حانق متوثب وقد بلوناهم في بدر وعرفناهم في الصفحة الأولى من معركة أُحد..

خالد: الرأي لك يا عماه.. وما علينا إلا السمع والطاعة..

أبو سفيان: بورك فيك يا خالد وبورك للشباب في عكرمة.. إني أرى أن نتحاشى الاصطدام وأن نحمل أحد التوجهين رسالة تهديد إلى محمد نضمنها أننا عقدنا العزم على مهاجمته في حمراء الأسد فقد يرهب ويرتد إلى المدينة..

صفوان: هو ما تقول يا أبا سفيان..

أبو سفيان: انظروا أي الركبان في طريقه إلى المدينة..

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى)..

حكيم: وحمل أبو سفيان ركباً من بني عبد القيس رسالة تهديد إلى النبي صلَّى الله عليه وسلم الذي تجاهل هذا التهديد وظل في مكانه بحمراء الأسد ثلاثة أيام يوقد النيران طيلة لياليها ليدل قريشاً على مكانه وأنه على عزمه مستعد لخوض المعركة.

زيد: إذن لم يفد هذا التهديد أبا سفيان شيئاً..

حكيم: لا يا زيد.. لقد اضطر أبو سفيان تجاه ثبات المسلمين أن يعود أدراجه إلى مكة وهكذا رجع صلَّى الله عليه وسلم بجيشه إلى المدينة بعد أن استعاد للمسلمين هيبتهم ومكانتهم في النفوس بهذه الحملة الجريئة..

مزنة: لقد سجل النبي صلَّى الله عليه وسلم بهذه الحركة العسكرية البارعة نصراً سياسياً وعسكرياً باهراً..

سلمى: نعم يا بنيتي.. لقد اثبت الرسول القائد العظيم بهذه الحركة السريعة للعرب أجمعين أن أبا سفيان لم يكن منتصراً حقيقة في معركة أُحد، وأن نصره لم يكن ألا نصراً مزيفاً جاء نتيجة غلطة فحسب.

مزنة: والمنافقون واليهود.. لا شك أثرت فيهم هذه الحملة النبوية السريعة..

سلمى: بلى يا بنيتي ولكنهم لم يتوانوا في الدس والأرجاف والشماتة والسخرية والتآمر..

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى)..

عبد الله بن سلول: انظر يا مسافع هل من أحد يسترق السمع؟..

مسافع: لا يا بن سلول فالطرق إلى دارك محروسة برجالنا الأشداء..

ابن سلول: إذا جاء سيد رهط عُضَل والقارة فادخلوه إلي واحرسوا المداخل والأبواب من عيون المسلمين..

مسافع: كن مطمئناً يا بن سلول..

ابن سلول: بورك فيك..

(يذهب ويقول ابن سلول لمن معه)..

كلما قلنا إن أمر المسلمين سائر إلى الزوال، أراهم يستردون قواهم ويجمعون أمرهم وقد أصبحت لا أطيقهم بعد أن تجرأوا عليَّ أنا سيد يثرب.. أهان يا أخنس من قبل صعاليك قريش الطرداء من بلادهم.. العالة على بلدي وقومي.

الأخنس: صدقت يا مولاي.. فحادثة الأمس القريب معك قد ألهبت نار الحقد والبغضاء في صدورنا.. والله لولا انسحابك وتجنبك الفتنة لأنتقمنا لك منهم بسيوفنا..

ابن سلول: بورك فيك.. بورك فيك..

(يدخل مسافع)..

مسافع: هذا عمرو سيد رهط عضل والقارة إليك..

ابن سلول: عم مساءً يا عمرو..

عمرو: عم مساءً يا بن سلول..

ابن سلول: لقد رأيتم ما صار إليه أمر محمد.. إن هزيمته في أُحد أصبحت نصراً له بعد حملته إلى حمراء الأسد وأرى أننا إذا بقينا في استخذائنا هذا سيصبح محمد سيد العرب أجمعين..

عمرو: ما الرأي عندك يا بن سلول؟..

ابن سلول: أرى أن نأخذ أصحاب محمد بالحيلة..

عمرو: كيف يا بن سلول؟..

ابن سلول: مثلاً تطلبون منه أن يرسل معكم من يفقهكم في الدين ويعلمكم الإسلام.. وتغتالوهم في الطريق..

عمرو: ولكن محمداً سيغزونا وأنتم تعلمون أننا لا قبل لنا بجمعه..

ابن سلول: تدعون أن جماعة من كفار قريش هم الذين كمنوا لكم في الطريق وقتلوا من معكم..

عمرو: رأي سديد.. ولكن هذا لا يكفي..

ابن سلول: أتريد رأس القوم..

عمرو: نعم أريد رأس محمد..

ابن سلول: هذا أمر نعد العدة له مع من جاورنا من اليهود ونتراسل في شأنه مع قريش في مكة كن مطمئناً.. المهم هو أن نقضي على المتفقهين في الدين من رجاله والرؤوس المدبرة حول محمد وأجب أن أزيدك إيضاحاً أنك ستسمع بمثل ما ستفعل في مكان آخر..

عمرو: لله درك يا بن سلول.. عم مساءً..

ابن سلول: عم مساءً.. ولتكلؤك السماء..

(يسمع اصطفاق الباب بعد خروج عمرو وابن سلول يقول)..

أجل سيأتي اليوم الذي أتربع فيه على عرش يثرب..

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى)..

زيد: حدثنا يا حكيم عما تم بعد حملة حمراء الأسد..

حكيم: قدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله: ((إن فيها إسلاماً فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام))..

الحارث: من أي القبائل كان رهط عضل والقارة؟..

حكيم: كانا قبيلتين من الهون بن خزيمة بن مدركة، وقد استجاب الرسول لطلبهم وأرسل معهم نفراً من أصحابه وهم مرشد ابن أبي مرشد وخالد ابن البكير وعاصم بن ثابت وخبيب بن عدي وزيد ابن الدثنة وعبد الله بن طارق.

فلما كانوا على الرّجيع وهو ماء لقبائل هذيل في موضع بين عسفان ومكة غدر رهط عضل والقارة بمن معهم فاستصرخوا عليهم هذيلاً فلم يرع أصحاب الرسول وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم فقال لهم كبير الهذليين:

(نقلة صوتية)..

كبير الهذليين: يا معشر محمد إنا والله ما نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئاً من أهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه ألاّ نقتلكم..

مرتد: أتريدون بيعنا واسترقاقنا لن يكون ذلك وفينا عرق ينبض..

خالد: والله لا نقبل من مشرك عهداً ولا عقداً أبداً يا مرتد..

عاصم: صدقت يا خالد..

ما علتي وأنا جلد نابل

والقوس فيها وتر عنابل

تزل عن صفحتها المعابل

والموت حق والحياة باطل

وكل ما حَمَّ الإله نازل

بالمرء والمرء إليه نائل

حكيم: ثم قاتلوا القوم حتى قتلوا ثلاثتهم وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبد الله بن طارق فلانوا ورقوا ورغبوا في الحياة، فأعطوا بايدهم فأسروهم ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها حتى إذا كانوا بقرب مكة أنتزع عبد الله بن طارق يده من القيد ثم أخذ سيفه واستأخر عنه فرموه بالحجارة حتى مات.

زيد: وماذا جرى لخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة؟..

حكيم: قدموا بهما إلى مكة فباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة.. فابتاع خبيباً حجير بن أبي إهاب لعقبة بن الحارث بن عامر ليقتله بأبيه وأما زيد ابن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بابيه أمية بن خلف، وبعث به مع مولى له اسمه نسطاس إلى التنعيم ليقتلوه.

زيد: يا للغدر.. يا للفظاعة..

حكيم: واجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان الذي ما أن رأى زيداً يقدم للقتل حتى قال له:

أبو سفيان: أنشدك الله يا زيد.. أتحب أن محمداً عندما الآن في مكانك نضرب عنقه وإنك في أهلك؟

زيد: والله يا أبا سفيان ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي..

أبو سفيان: والله ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً..

حكيم: وأما خُبيب حين جيء به إلى التنعيم ليصلبوه قال لهم:

خبيب: يا قوم - إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا..

أحدهم: دونك فاركع..

حكيم: فركع خبيب ركعتين أتمهما وأحسنهما ثم أقبل على القوم فقال:

خبيب: لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعاً من القتل لاستكثرت من الصلاة..

حكيم: ثم رفعوه على خشبة - فلما أوثقوه قال:

خبيب: اللَّهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة ما يصنع بنا.. اللَّهم احصهم عدداً وأقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً.. (ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي شق كان في الله مصرعي)..

حكيم: وحين بلغ المنافقين مقتل أصحاب السرية قالوا يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا..

لا هم قعدوا في أهليهم، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم.

فأنزل الله تعالى في ذلك:

بسم الله الرحمن الرحيم. وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ . وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (البقرة: 204 - 207).

مزنة: صدق الله العظيم..

(خبطة موسيقية قوية)..

سلمى: إلى الغد إن شاء الله يا بنيتي..

مزنة: إلى الغد إن شاء الله..