بين (الحرار) وفي (الهجيرِ) الواري |
بهرَ النُّهى المنهلِ (الأنصاري)
(2)
|
إبانَ كلُّ أَخي حَجي مُتحفظٌ |
عيُّ البيانِ وكلُّ كأسٍ عَارِ |
وفلائذُ الأكبادِ تشكو بثَّها |
في حُرقةٍ وتحسُّرٍ وشِغارِ |
حيرى تواثبُ في طرائقِ أيكِها |
ما بين أحساكٍ وبين عِفارِ |
تجري بها الأرياحُ وهي من الضَنا |
(وهمٌ) وتبغيها بكلِّ مَثارِ |
لا تُبصرُ العينانُ فيها ومضةً |
ولها الشعاعُ ومشرِقُ الأنوارِ |
* * * |
ألقى بكلكلِهِ الزمانُ وصرفُهُ |
من فوقِها وعواقبُ الآصارِ |
فجثتْ طويلاً وانطوتْ في كربِهَا |
عبرى تَغصُّ بدمعِها المدرارِ |
حتى تمحَّصِ وِزرُها وتطهرتْ |
من كُلِّ مُوبِقَةٍ وكلِّ صَغارِ |
ورنت بها (الأضواءُ) تسطعُ بالهُدى |
وتغلغلتْ في البيدِ والأَمصارِ |
وأحاطَها (البعثُ الجديدُ) بفجرِهِ |
وبوعيِهِ المتطلعِ المُتبارى |
فإذا بها (تَقوى القلوبِ) جوانحاً |
وضُحى الشموسِ وقبلةَ الأنظارِ |
رنانة الجنباتِ تحسَبُ أنَّها |
رمزَ الجِنانِ وسلسلَ الأنهارِ |
* * * |
لو لم يكنْ بُرهانُها مُتجلياً |
في كُلِّ ليلٍ شفَّها ونهارِ |
إلا الذي هو في الصَّحافةِ (منهلٌ) |
يفترُّ بالإِخصابِ والإِثمارِ |
* * * |
في رُبعِ قرنٍ بّذرُها وحصادُها |
ما شئتَ من (وِردٍ) ومن إِصدارِ |
قطعتْ بها (الضادُ) المراحلَ خطوةً |
في خُطوةٍ وتوغلتْ بِحذارِ |
وكأنما هي في حُلاها (غادةٌ) |
هيفاءُ تحكي طلعةَ الأقمارِ |
أو أنَّها في سَمتِها وسِماتِها |
هبةُ التُقاةِ وهيبةُ الأبرارِ |
لم يَغشها عبثٌ (المراءِ) ولم تُزنْ |
باللغوِّ والتخريفِ والإيغارِ |
وقضتْ على نشرِ (التُراثِ) جهادَها |
وتجاوبتْ بالمجدِ والآثارِ |
واستَصبحَتْ بالهدي هدي (محمدٍ) |
في عِفةٍ ورزانةٍ وَوَقَارِ |
واستقبلتْ أهدافَها مُنقضَّةً |
كالصقرِ عَازفةً عن الأهذارِ |
يوبيلُها الفضيُّ يَعدِلُ ربحَهُ |
(قَرناً) وأنَّى وزنُه بعِيارِ |
أربتْ وزادتْ وارتقتْ وتأرَّجتْ |
بين (القطيفِ) (وطَنجةً) (وظِفارِ) |
مشتْ (بوادي النيلِ) عاليةَ الصَّدى |
صِنوَ (الهلالِ) عميقةَ الأغَوارِ |
صداحةً (شجنُ العروبةِ) شدوُهَا |
وصريرُها زأرُ الهِزبرِ الضَّاري |
ما ينقضي شهرٌ ويُقبل مثلُهُ |
إلا ازدهتْ وتوشحتْ بدُثارِ |
من نسجِ (آدابٍ) ووشيِ (خَرائدٍ) |
أو نشرِ أزهارٍ وصَوغٍ نُضارِ |
لم تألُ في عرضِ الكنوزِ غَوالياً |
وتدفقتْ (بالظُرفِ) والأَسمارِ |
وحكت كمرآةِ الحِسانِ بوجهِهَا |
خَفَرَ المَهاةِ وهَامةَ المِغوَارِ |
لم تبتئسْ رغمَ الشُّجونِ بجاحدٍ |
غرٍ ولا مُتفيهقٍ ثَرثارِ |
زهراءُ نيطَ إلى السماءِ شِغافُها |
شرفاً وقد نشأتْ بخيرِ جِوارِ |
* * * |
قد باركَ اللَّهُ الصبا بقوامِها |
وقيامِها بالنُّصحِ والإِيثارِ |
وتبينتْ منها (العواتِكُ) أنها |
ذاتُ الخِباءِ الطيِّبِ المِعطارِ |
تزهو بها خُضراً (أخاشبُ مكةٍ) |
ورُبى (الرياضِ) وكلُّ ذاتِ سِوارِ |
يتلو بها سُوَرَ (الكفاحِ) شبابُها |
وشيوخُها وحقائقُ الأخبارِ |
* * * |
طُوبى لهاما استوعبتْ من (حِكمةٍ) |
و (بلاغةٍ) من رجعِكَ الجبَّارِ |
* * * |
أأبا نبيهٍ
(3)
لستَ ممن يَبتغي |
عَرضَ الحَياةِ ولا الحُطامَ الطاري |
وجهَّتَ وجهَكَ للذي هو وحدَهُ |
ربُّ الخلائقِ والعليمُ الباري |
وطمعتَ في غُفرانِهِ ورِضائِهِ |
وثوابِهِ المَضمونِ غيرِ مُوارِ |
فابشرْ بها يومَ المعادِ كرامةً |
في (الخالدينَ) تعُدُّ للأخيارِ |
* * * |
أأبا (نَبيهٍ) قُلْ له عن عَمِّهِ |
أنَّ القاءَ (الذكرُ) في الأدهارِ |
أأبا (نَبيهٍ) والعظاتُ كثيرةٌ |
نبِّه (نبيهَ) بسؤددٍ الأنصارِ |
أأبا (نَبيهٍ) إنَّما هو ذُخرُنا |
(وحي الكتابُ) و (سنةُ المُختارِ) |
نَحيا ونَفنى ودونَها ولحِفظِها |
وبها تَصدُّ عواديَ الأَغيَارِ |
* * * |
ولكم لِقينا من أذىً بسبِيلهَا |
في غيرِ ما ذنبٍ ولا إضرارِ |
ولكم كَظمنَا غيظَنَا من واغلٍ |
أو ناغلٍ أو ناقمٍ أو زارِ |
لكننا نمضي إلى (ديَّانِنا) |
ونلوذُ منه بعادلٍ قَهَّارِ |
ولك التحيةُ كالشقائقِ نفحُها |
وهتافُها كالطيرِ في الأَسحارِ |
مقرونةً بالشُّكرِ أوحى ما انتشت |
منه المَسامعُ من يدي (قِيثارِ) |
واعلم بأنَّك لا مشاحةَ فائزٌ |
بالحُسنيينِ (ونِعمَ عُقبى الدَّارِ) |
واقبلْ تهاني ذي شُعورٍ مُرهَفٍ |
يصفيكَ مَحْضَ الوُدِّ والإِكبارِ |
* * * |