هو المجدُ لا يَخشى العوائقَ كاسبُه |
وكلُّ فتي يصبو إلى ما يُناسبُهُ |
فمهما سمتْ هماتُه فهو مُدركٌ |
ضروبَ العلى واستأهلتْهُ مَراكِبُهْ |
وإن طمحتْ عَزَماتِهُ نحو غَايةٍ |
تدانتْ إليه في خُضوعٍ رَغائِبُهْ |
وإن جمحتْ من دونِهِ وتمنَّعّتْ |
أحاطتْ بها رغمَ العُتوَّ مَذاهبُهْ |
وما زالَ هذا وقفاً على امرىءٍ |
تُقدَّمهُ أخلاقُه ومواهبُهْ |
قضت سُنَّةُ اللهِ التي هي حُجةٌ |
بذلك والدنيا لمن عَزَّ جانبُهْ |
* * * |
حنانيكَ يابنَ الفاتحينَ فقد بَنُوا |
لك الصَّرحَ حتى نَاطحَ السَّمكَ غَارِبُه |
لأنت وقد حَلَّقتَ في الجوَّ بَاسلاً |
سُلالةَ شعبٍ لاذ بالعجزِ شاعبُه |
تآمرتِ الأحداثُ فيه وجَعجعتْ |
عليه وساقتْهُ الزُّعافَ مُصائِبُهْ |
فما كان إلا الطودَ بأساً وقُوّةً |
تُطأطىءُ من هُوجِ الرّياحِ مناكبُهْ |
يحنُّ لماضِيهِ ويمتدُّ طرفُه |
إلى (المَثلِ الأعلى) الذي هو ضَاربُهْ |
إلى مُعصراتِ السُّحبِ حيثُ ترحَّضتْ |
كما هي في العَصرِ الذي ازدانَ ذاهبُه |
إلى كُلَّ قُطرٍ أصبحَ اليومَ نُهبةً |
وقد كان ساسةُ العُربِ ناهِبُهْ |
إلى عُمرانٍ بات يبكي بُناتَهُ |
مشارقُه مزهُوَّةٌ مغارِبُهْ |
إلى العِلمِ يُزجيهِ ضياءً ورحمةً |
على المَلأِ الأقصى فينهلُ طالِبُهْ |
* * * |
ألسنا من القَومِ الذين تُراثُهُمْ |
على الدَّهرِ لا يَبلى وتجلى عَجائِبُهْ |
أباحوا حِمى كِسرى وقيصر عُنوةً |
بعزمٍ تَعالى اللهُ جلَّت مغالِبُهْ |
وشاعرُهم يشدو فَخَاراً وعِزةً |
بآثارِهِم والجهلُ سودٌ غَياهِبُهْ |
وتاريخُهم زاهٍ يفيضُ شعاعُهُ |
كما غمرَ البدرُ الدُّجى وكواكِبُهُ |
بلى نحن أحفادُ (الصُّقورِ) وإِنما |
فَخَارُ الذي يبغي الفَخَار مكاسِبُهْ |
وما الفخرُ بالعَظمِ الرميمِ (مجادةٌ) |
ولكنَّها (الذكرى) لِمن لم يُجاذبُهْ |
وليس بواقٍ أي سبعٍ أصولُه |
إذا لم تحدَّدْ في النِّضالِ مخالِبُهْ |
* * * |
سلوا هذه الصحراء كم هي أنجبتْ |
وكم بَطلٍ منها تهادتْ جنائبُهْ |
سَلوها لماذا استدلتْ وتبدَّلتْ |
تُجِبْكُم بأنَّ الجهلَ هذي نوائِبُهْ |
تُعبِّرُ عن أشجَانِها لو تكلمتْ |
وفي الحقِّ ما تَشكو بِنا وتُعاتِبُهْ |
وما زالَ فيها الخيرُ تَزكو غِراسُهُ |
على الفِطرةِ الأُولى وتَهمي سَحائِبُهْ |
وما فتِئَتْ أفلاذُها وقلوبُها |
تهمُّ بما يَرضى بهِ اللهُ حازِبُهْ |
وتهدا به الأجداثُ في مُستقرَّهَا |
وتهنا به الأجيالُ صَفواً مَشارِبُهْ |
لِنحظى ويحظوا بالحياتين جالباً |
(علينا قضاءُ ما هو جَالِبُهْ) |
أمانٍ غذتْنا الأُمَّهاتِ بدَرِّها |
وفيها لَعمري الرشدُ لوفاءَ ثائِبُهْ |
* * * |
ألا إنَّما التاريخُ عدلٌ وإنِّما |
وراءَ امرىءٍ يَجني مَطالاً مُحاسِبُهْ |
(ومن لم يذُدْ عن حوضِهِ بسِلاحِهِ) |
فليس ببَدْعٍ أن يُظفَّرَ غاصِبُهْ |
ومن لم يَجُدْ من مالِهِ لبلادِهِ |
وإن قلَّ لم نبرحْ وشيكاً نُشاغِبُهْ |
إذا لم يكنْ في أمتي كلُّ باسلٍ |
يرنِّحُهُ شدوي فلا طرَّ شارِبُهْ |
فذلك هجيراي في كُلَّ موقفٍ |
وللفعل أحرى أن تُذاعَ مناقِبُهْ |
وفي (الشعبِ) إيمانٌ وفيه (عَقيدةٌ) |
ولا بُدَّ يوماً أن تَتِم مآرِبُهْ |
ولا بدَّ أنْ يسمو وينمو ويزْدَهي |
(ولا حولَ إلا بالذي هو واهِبُه) |
* * * |
بني وطني واللهُ يشهدُ أنَّني |
فدى أُمتي في كلَّ ما أَنا كاتِبُهْ |
تباروا إِلى العَليا سِراعاً وبَادِروا |
إلى العلمِ واجنُوا فما خابَ خاطِبُهْ |
فما كان هذا الغربُ إلا ضَلالةً |
ولكنَّه استهدى على الشرقِ حَاطِبُهْ |
وما كان هذا الشرقُ إلا هِدايةً |
ولكنَّه استعصى فقامتْ نوادِبُهْ |
فمَرحى ليومٍ صحَّ فيه نِداؤُه |
بفتيانِ صِدقِ من بنيهِ تجاوِبُهْ |
بسربٍ من العُقبانِ يقضونَ دَينَه |
ويُوفونَ بالنُّذرِ الذي حانَ واجِبُهْ |
* * * |
مضى زمنٌ كُنَّا به في غَيابةٍ |
وفاجأَنا عَصرٌ تراءى غَرائِبُهْ |
تُطالِعُنا فيه العُقولُ بما نرى |
فنُبهتُ حتى يُنكرُ الجفنَ حاجِبُهْ |
نكابرُ فيه الحِسَّ شتى ظنونُنا |
وتُهدى إلى أحلامِنا فَنُقارِبُهْ |
وفينا بحولِ الله لولا تواكلٌ |
طُموحٌ تصدَّت للكفاحِ عصائِبُهْ |
وفينا ذكاءٌ وانبعاثٌ ونَهضةٌ |
ودينٌ كأضواءِ الشموسِ نُراقِبُهُ |
بهِ ما تمسَّكنا نفورُ ونَرتقي |
ونبلغُ شأواً في الجِنان عَواقِبُهْ |
وقد قيَّضَ اللهُ العزيزُ بعبدِهِ |
لنا مَلِكاً تحمي اليقينَ قواضِبُهْ |
به عادَ (تاريخُ الجزيرةِ) زاهراً |
وذَلَّ له من كُلَّ أمرٍ مصاعِبُهْ |
أفاضَ على أوطانِنا الخيرَ والسَّنَا |
ومكنَّهَا من كُلِّ خَصمٍ تواثِبُهْ |
ومن فاتَه فيه الدليلُ فإنَّه |
تَبَلَّجَ في هذا المُحبَبِ (نائبُهْ) |
فلا زالَ مرفوعَ اللواءِ مؤيَداً |
جَحافِلُه منصورةٌ وكتائِبُهْ |
ولا برِحَتْ أشبالُهُ في جِهادِنَا |
ميامينَ سعى يبعثُ المجد دائِبُهْ |