الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > ازدادت معرفتي بالنمر الأسود

ازدادت معرفتي بالنمر الأسود

فلما نزلها الملك وضربت سرادقاته وخيامه فيها وانتشرت ألوف الخيام لمن صاحب الملك ورافقه إليها، اخترت مع زملائي من موظفي الشعبة السياسية رفرفاً مشرفاً على معسكر الملك في الناحية الشمالية، ليكون مجاوراً لخيام الملك بعيداً عنها وقريباً منها، ولقد تجمّع في ذلك الشرف بعدنا مستشارو الملك في خيامهم ونزلهم ومساكنهم، بينهم المستشارون: البشير السعداوي وخالد أبو الوليد ويوسف ياسين ورشيد ملحس، ثم لحق بنا الشيخ عبد الله فلبي، ولا شأن له في بلاط الملك وحاشيته إلاّ المرافقة والمجاورة. ثم لحق بنا المتحدّث عنه آنفاً رئيس أركان حرب الجيش والنمر الأسود طارق الإفريقي، فكانت خيامنا جميعاً على تلك الرّبوة العالية متلاصقة ومتجاورة ومتناثرة، وكلهم يجيئون إلى خيامنا لسماع الراديوهات، فيها تسجل للملك أخبار العالم من إذاعات العالم، فنقضي الأوقات التي لا نكون فيها حول الملك في سهرات وندوات وذكريات وأحاديث إلاّ ويشارك فيها كل واحد بما عنده.

في تلك الاجتماعات ازدادت معرفتي بطارق النمر، وحفظت من طرفه ومُلحه التي يفيض بها على من حوله وأنا أكثرهم التصاقاً به وإصغاءً لأحاديثه وإهابة به، بأن يروي ذكريات عمره المديد وخبراته المكتسبة في طرابلس الغرب وقتال الإيطاليين فيها، وفي ميادين البلقان، وفي الكليات العسكرية ببرلين واسطنبول، ثم في الحبشة وقتاله قوات موسوليني في جبالها وقراها وأوديتها. فكان يفيض ويتدفّق بما نرهف له أسماعنا، ثم يعرج على التحاقه ياوراً لوهيب باشا، ثم لما حفظه ووعاه في أندية دمشق ومن رجالها وظرفائها ومشاهيرها، ولو أردت أن أروي ما ترسّب في ذاكرتي من طرفه ومُلحه لطال الحديث عنها، مع أن ذكرياتي معه محدودة.

كان طارق عالماً بالعالم، عارفاً لتاريخ الشعوب، تلقّى كل ذلك من ينابيع المعرفة في رؤوس عيونها وشلالاتها في مكّة والرياض وإسطنبول وطرابلس الغرب والقاهرة ودمشق وبرلين وبيروت ونيجيريا، وأكثر عواصم البلقان التي تجوّل فيها ضابطاً عثمانياً محارباً.