شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لماذا لم ينكس العلم السعودي
قلت له: بأنني جئتك الآن للتشرف بالسلام عليك وأداء هذا الواجب علي كطالب سعودي، ولأنني قد مشيت اليوم في مواكب شارع الرشيد فسمعت من تحدث إلى جمع الناس بصوت عال: بأن المفوضية السعودية لم تعلن حدادها بتنكيس علمها على سارية المفوضية، وأن من استمعوا منه ذلك استنكروه، فقال لهم تستطيعون أن تذهبوا لحي الوزيرية لتروا المفوضية، وأن علمها غير منشور ولا منكس، فرأيت من وطنيتي وواجبي أن أنسل من بين الجماهير وأبادر بالمجيء إليكم لأخبركم بما سمعت لمعلوميتكم، وأنتم تعلمون ما لا نعلم على أني كنت عازماً أن أجد في هذين اليومين فرصة أجيء لزيارتكم والتعرف عليكم.
فابتسم السيد حمزة وقد رآني وجلاً، وقال لي: اهدأ يا بني، إن علمنا لا يرفع منكساً، في أي حادث من الأحداث، وزاد عليها، حتى لا سمح الله لو مات الملك عبد العزيز نفسه، فهذه التعليمات قد صدرت إلينا من الملك عبد العزيز نفسه منذ بضعة شهور على أثر استفسارنا منه يوم مات الملك جورج الخامس، ما الذي نفعل؟ فبلِّغت الممثليات السعوديات كلها في الخارج بأمر جلالته أن العلم السعودي يحمل شهادة التوحيد، فلا ينكس لموت أحد، ولا يرفع لمولد أحد، وحدادنا في مثل هذه الأحداث ألا نرفع العلم حتى لا ننكسه، وهذا موقفنا اليوم من هذا الحدث الحزين الذي أحزن الملك عبد العزيز بدون شك، وتلقيت منه برقية الآن، بأن أقدم العزاء إلى من يستحقه وأن أشارك في الجنازة، كما أنه قد أبرق بدوره إلى الحكومة العراقية، يبلغهم أسفه وحزنه مما سمع، حتى يعلن اليوم، أو غداً المناداة باسم ابنه فيصل ومجلس الوصاية عليه، فقد كان في عمر أقل من العاشرة.
ثم التفت إلي باسماً وقال: أنا أشكرك أولاً على وطنيتك، ومسرور أنك زرتنا، وعندما قلت له: إنني سأعود الآن إلى مقر البعثة التي جئت معها؟ قال: هذا محال ستتغدى معي، وبعد ذلك تعود إلى دار الضيافة، ثم تزورني في كل يوم، ثم أخذ يستفسر مني عن كيف التحقت بالجامعة في بيروت، وكيف جئت عضواً في بعثة العروة الوثقى، وماذا ستفعل البعثة الآن، فقلت له: إن رؤساءها يستشيرون وزارة المعارف العراقية فيما تراه.
وتغدينا مع الوزير السعودي المرحوم السيد حمزة غوث، الذي لم ينس لي تلك الزيارة ولا أسبابها، فإنه قد عاد بعد ذلك من بغداد ليكون كما كان مستشاراً للملك عبد العزيز في الرياض، وعندما احتاج الملك عبد العزيز بعد ذلك بسنوات إلى سكرتير شاب يصلح مسجلاً للأنباء والأخبار من الإذاعات في الشعبة السياسية بديوان جلالته، سأل في ليلة من الليالي من حوله من المستشارين: هل تعلمون لنا موظفاً، يصلح للقيام بمثل هذه المهمة، فقال له المرحوم السيد حمزة غوث صاحبنا في بغداد، إنه يوجد في ديوان الشيخ عبد الله السليمان وزير المالية شاب اسمه عبد الله بلخير، يصلح لمثل هذا العمل الذي تسألون عنه جلالتكم، فأبرق الملك في الحال إلى وزير المالية في الطائف بأن يبعثني في الحال إلى الرياض. وكنت في منتصف الطريق بين الطائف والرياض لأتولى هذا العمل، فوصلت وعينت وبقيت حول جلالته أقوم بمثل هذا العمل وغيره من الأعمال.
وهكذا كانت زيارتي تلك في بغداد سبباً لمعرفتي لمن كان سبباً لتلك السعادة العظمى التي نلتها، عندما أصبحت بعد ذلك من أقرب المقربين إلى الملك عبد العزيز على حداثة سني وبداية شبابي.
وكم أتمنى لشباب أجيالنا الصاعدة اليوم أن يتعرفوا على الرجال ممن يكبرونهم سناً، ويستمعوا إليهم ويحضروا مجالسهم، ويستفيدوا من المعلومات التي يسمعونها، وأخبار الحوادث التي يروونها، فتزداد معارفهم، وتتفتق أذهانهم بالمعرفة والثقاة والوعي، وسيستفيدون في حياتهم معنوياً وعملياً الكثير من تلك المعارف التي يلتقطونها، من معرفة الرجال والتعرف بهم والسعي إلى زياراتهم والحرص على أحاديثهم، وسيجمعون هذه المعلومات، ويكتسبونها ليضيفوها بعد ذلك إلى ثقافتهم الجامعية ومعلوماتهم الغزيرة التي اكتسبوها بدورهم في تحصيلهم العلمي بين جدران المدارس والجامعات والمعاهد، فيكون في كل ذلك خير يكتسبونه ويتجملون به فيما يعلمون، ويكتبون ويؤلفون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :566  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج