شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
زيارتي الطارئة للمفوضية السعودية
ورأيت نوري السعيد يهز رأسه في هدوء ووقار حزين، كأنه يجيب الهاتفين به إلى ما كانوا يتصايحون به ويرجونه منه، وكان على ما أعتقد قد أمر سائق سيارته بألا يستعجل في هذا الخضم المترامي حوله، حتى لا يثير عواطفه أو يسبب إزعاجه، وأن لا يستعمل المنبه بل يسير سيراً بطيئاً جداً، ولم أر أحداً من الجماهير يتصدى لفتح طريق السيارة، حتى تخرج من تلك "الورطة" حتى غابت السيارة عني، وكان الوقت قد آن لنا لأن نعود إلى دار الضيافة لنتناول طعام الغداء، عندما سمعت مجموعة من الشباب حولي يصيحون: بأن المفوضية السعودية لم تنكس علمها، كما فعلت المفوضيات الأجنبية كلها في ذلك الصباح، فقال للقائل بعض من حوله: كيف هذا؟ فقال لهم: أنا آيب الآن من محلة "الوزيرية" حيث المفوضية السعودية ورأيت أن سارية العلم خالية من علمها، ومن لم يصدق فليذهب الآن ليرى ما رأيت، وثارت وطنيتي وحماستي وقلت لا حاجة لي بالعودة للغذاء، ولا بد أن أبحث عن وسيلة تحملني إلى المفوضية السعودية فقد علمت أنها تقع في حي الوزيرية، مما سمعته من ذلك الشاب الذي كان يتكلم بصوت عالٍ بين الجماهير حتى كاد أن يثيرهم، وقلت: لا بد من إخبار من في المفوضية بما سمعت خوفاً من غضب الجماهير الغاضبة الثائرة، فقد كانت إشاعات في صباح ذلك اليوم بأن مصرع الملك غازي كان مدبراً من الإنجليز، حتى إن الجماهير بعد ذلك في الموصل هجمت على القنصلية البريطانية وقتلت قنصلها.
انسللت من بين الجماهير إلى أحد الشوارع الفرعية، أبحث عن وسيلة أستطيع بها أن أصل إلى المفوضية السعودية، وأنا متوجس أنه قد يحدث شيء، يجب أن يستعدوا له ويعلموه، ثم أريد أن أعرف لماذا لم يرفع العلم السعودي منكساً كما جرت العادات التي أعرفها في مثل هذه الأحداث، ووجدت "عربانه" أي عربية خيل سائرة في الشارع الذي وصلت إليه، فصحت بصاحبها كما سمعت قبل ذلك من العراقيين "عربنجي"، فجاءني منه الجواب "عيني" فأشرت إليه، ووثبت إلى عربته، وقلت له: إلى المفوضية السعودية في الوزيرية، فانطلق بي حتى توقفت أمام بابها ودفعت له الأجرة التي طلب ودخلت إلى حديقتها حتى ولجت بابها الذي كان مفتوحاً، واستقبلني "فراش" بالمفوضية مرحباً بي، وأنا في زيي المدرسي، يسألني عما أريد، فقلت له: أريد الوزير المفوض السعودي، فقال لي ما اسمك فقلت له اسمي: فلان! ثم قلت: ما اسم الوزير، فارتاب من سؤالي، وقال لي: إذا كنت لا تعرف اسمه فلماذا تريد أن تقابله، أخبرني؟ فتفضل وقابل السكرتير فقلت له: لا.. أنا أريد أن أقابل الوزير المفوض نفسه فرد علي مستفسراً عن اسمي ليحفظه، فقلت له: وأضفت بأنني سعودي، وفتح باب مكتب الوزير المفوض، وأخبره بأن بالباب شاباً يقول بأنه سعودي واسمه فلان يريد مقابلتك، قال له: دعه يدخل، فدخلت، فإذا بمعالي السيد حمزة غوث هو الوزير يومئذ، وكان قد سبق لي أن عرفت اسمه وعرفت أنه من رجال الملك عبد العزيز، فسلمت عليه ورحب بي وأشار إلى الكرسي المجاور له أن أجلس، والتفت إلي يقول: هل أنت عبد الله بلخير، الشاعر الذي تنشر جرائدنا في الحجاز أشعاره؟ فقلت له: نعم، فرحب بي ثم قال لي: وما الذي جاء بك "اليوم" إلى بغداد، كأنما يلمح إلى الحادث الذي علم في الصباح، فأخبرته بأنني طالب في الجامعة في بيروت، وقد دعتني جمعية العروة الوثقى بها لأكون عضواً بين أعضاء طلاب الأقطار العربية الذين دعتهم وزارة المعارف العراقية لزيارة العراق، وإننا وصلنا البارحة. فقال لي: نحن مطلعون على جميع أخبار بعثتكم من الصحف البغدادية، التي كانت تنشر أخباركم، ثم أشار إلى إحدى الجرائد على مكتبه وهي صادرة في صباح ذلك اليوم، وفيها صور موكب البعثة البارحة في بغداد والرمادي، وقد نشر فيها أيضاً برنامج البعثة بذلك اليوم، وأنه يستهل بزيارة البلاط الملكي للسلام على الملك غازي بن فيصل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :568  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 36 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.