حَفَلَ النَّديُّ، وطابَ لَيْلُ السَّاهِرِ |
وَطَغَى الشَّرابُ على وَقَار السَّامرِ |
وبَقيتُ وَحْدي غارِقاً بخَواطِري |
أتأمَّلُ الدُّنْيا بطَرْفٍ سادِرِ |
وكأنَّما قَرأ الصَّحابُ سَرائري |
فتضاحَكوا مِنَّي بلَهْجَة ساخِرِ |
لمْ يرْحَموا قَلَقَ الصَّديقِ الحائِرِ |
لم يأخُذوا بيد الضعيف القاصِرِ |
قالوا اتْرُكوه، فهْو غَلْطةُ شاطِرِ |
يَمْشي على عَكْس الزَّمان الدائرِ |
ويجولُ بَيْنَ مَخاوفٍ ومَخاطرِ |
هُوَ ناسكٌ والنُّسْكُ صَفْقةُ خاسِرِ |
هُوَ شاعرٌ… ساءَتْ حَياةُ الشاعِرِ |
هُوَ فَيْلسوفٌ في مَلابسِ تاجِرِ |
وظَلَلْتُ أجْتَرُّ الحياةَ بخاطِري |
أمْسِي مَحَا أمْسِي وهَمَّ بحاضِري |
وغَدِي سَيَذْهبُ مثْلَ أمْسي الدّابرِ |
أأنَا أنا؟ أمْ طَيْفُ شَكًّ عابِر؟ |
يَطْوي المسالِكَ في الظَّلام العَاكِرِ |
والأرْضُ تَطْويه ولَيْسَ بشاعِر؟… |
* * * |
مِنْ أينَ جِئْتُ، وكَيْفَ أعْرفُ مَرْقَدِي؟ |
وعَلامَ يَغْمُرني الظَّلامُ السَّرْمَدِي؟ |
قَدْ تَعْبَثُ الأرْياحُ بالزَّهْرِ النَّدِي |
لكنْ مَتَى يَمْضي الشَّتا يَتَجَدّدِ |
أنا حائِرٌ، أنا ضائِعٌ في فَدْفَدِ |
مَنْ مُنْجُدي في حَيْرتي، مَنْ مُنْجدي |
أنا مُقْعَدٌ، فارثُوا لِحالِ المُقْعَدِ! |
كُتِبَ الفَناءُ عَلّيَّ ساعةَ مَوْلِدِي |
قَلْبي وعَقْلي في صِراعٍ أنْكَدِ |
ويَدي مُقَيّدةٌ، فما جَدْوَى اليدِ؟ |
ما نفْعُ سَيْفٍ في الوقيعة مُغْمَدِ؟ |
يا عَقْلُ لا تَأْثمْ ولا تَتَشدَّدِ |
أجْهَدْتَني فارْفِقْ بدَمعِ المُجْهَدِ |
كَمْ ذا تَرُوح مَعَ الضَّلال وتَغْتَدي |
إنَّي اعتَمَدْتُ على القَويَّ الأوْحَدِ |
وشَحَذْتُ بالإيمان غَرْبَ مُهَنّدي |
وغَسَلْتُ أجفاني بنُور الفَرْقَدِ |
وَعَزَمْتُ أقْتَلِعُ الشُّكوكَ وأهتَدِي |
وصَرَفْتُ قَلْبيَ للعبادَةِ، فاقْتَدِ… |
* * * |
وأفَقْتُ مِنْ حُلْمي بقُدْرةِ قادِرِ |
فوجَدْتُ أنَّي لَمْ أزَلْ في السَّامرِ |
وسَرَى إلى سَمْعي تَضاحُكُ هاذِرِ |
قالَ اتْرُكوه، فهْوَ غَلْطة شاطِرِ |
هُو ناسِكٌ. والنُّسْكُ دَرْب الشّاكِرِ |
هُوَ شاعرٌ… ساءَتْ حَياةُ الشاعِرِ! |
فعَذَرْتُه، لكنْ بِقَلْبٍ فائِرِ |
وكَرِهْتُ رائحة الشَّرابِ الفاخرِ |
وعَلَتْ إلى يُمنايَ ضَجّةُ شاخِرِ |
وانبحَّ عَنْ يُسْرايَ صَوْتُ الزامِرِ |
فرَجَعْتُ أدْراجي أطيّبُ خاطِرِي |
* * * |
وأوَيْتُ للبَيْتِ الأغرّ الأسْعَدِ |
فوَجَدْتُه بالبِشْر يَطْفَحُ والدَدِ |
نَرْجيلتي هذي، وهذا مَقْعَدي |
وفِراخُ بَيْتي يَرْقُصون لِمُنْشِدِ |
ورفيقَتي والهِرُّ حَوْل المَوْقِدِ |
فانسابَ دَمْعي مِنْ جَمالِ المَشْهَدِ |
وانْشَقَّ فَجْري بَعْدَ لَيْلٍ أسوَدِ |
ورأيْتُني أجْثُو أمام السَّيّدِ
(1)
|
وأقولُ لا تَأخذْ عليَّ تَمَرّدي |
إنَّي اهْتَدَيْتُ إلى الطريقِ الأرْشَدِ |
وغَسَلْتُ أجفاني بنورِ الفَرْقَدِ! |