نَدمَ الشيْطانُ عَن أعمالِهِ |
ذاتَ يَوْمٍ، وعَنِ الشرَّ ارْعوَى |
لم يَعُدْ يُغوي ولا يُغري ولا |
يُوقع الأغرارَ في فَخَّ الهَوَى |
صارَ مَخْلوقاً رَفيعَ المُسْتوَى |
كَفَّ عن إشْعال نيرانِ الوَغَى |
والقلا بَيْنَ شُعوبٍ وشُعوبْ |
جَذَّ قَرْنَيه، وأخْفَى ذَيْلَهُ |
واستَتاب اللهَ غَفَّارَ الذُّنوبْ |
فعَفا الله عَنِ الغاوي الكَذوب |
وانْزَوَى في جَبَلٍ منْعَزلٍ |
لَيْسَ فيه غَيْرَ حِرْمانٍ وجوعْ |
يَوْمُه، مِنْ مَطْلع الفَجْر إلى |
آخر اللَّيْلِ صَلاةٌ وخُشوعْ |
ودُموعٌ تتساقَى مِنْ دُموعْ |
وأفاقَ الناسُ يَوْماً، فإذا |
كُلُّ شيءٍ صارَ شَيئاً آخرا |
لكأنَّ الأرضَ عَنْ دَوْرَتِها |
وَقَفَتْ تَسْألُهم عمَّا جَرَى |
أصَحيحٌ، أصحيحٌ ما يُرَى؟ |
أضْحَتِ الدُّنيا بَهاءً خالِصاً |
وبِساطاً للتَّصابي والشَّرابْ |
ما الـذي حَـلَّ بهـا حـتى غَـدَتْ |
جنَّةً تُهْوَى ولَحْناً يُسْتَطاب؟ |
ما الـذي طَهّرَهـا مِـنْ كـلِّ عـابْ؟ |
زالَتِ الأحْقادُ مِنْ عالَمِهِمْ |
واستَتَبَّ الأمْنُ، والعَدْلُ اسْتَقَامْ |
لم يَعُدْ للقوّة الحقُّ، ولا |
للحُسام الفَضْـلُ أو فَصْـلُ الكـلامْ |
بلْ تساوى الناسُ في ظلَّ السَّلامْ |
نَشَرَ الحبُّ عليهم بَنْدَهُ |
وامَّحَتْ بَيْنَ الأقاليم الحُدودْ |
لم يَعُدْ ثمَّة داعٍ للوَغَى |
فلماذا يَحْشَدُ الناسُ الجُنودْ |
ولمَ الصاروخ والسَّيْف الحَصوْد؟ |
لَمْ يَعُدْ للحَرْبِ مَن يُوقدُها |
فَعَرا الإفْلاسُ تُجارَ السِّلاحْ |
كَسَدْتْ بَعْدَ رَواجٍ سُوقُهُم |
وجَرَتْ – في غَيْر ما شاؤوا – الرِّيـاحْ |
ودَجا في أُفْقِهم نورُ الصَّباحْ |
عادَ للبَيْتِ الذين ارْتَحلوا |
واْلتَقَى الأهلُ شُيوخاً وشَبابْ |
أمِنَتْ نَعْجتُهم مِنْ ذِئْبهم |
وتآخت ذاتُ طَوْقٍ وعُقابْ |
وغدا التِّبْر رَخيصاً كالتُّراب |
لَمْ يَعُدْ يَقْتُلُ جارٌ جارَهُ |
لِجَفاءٍ، أو خِلافٍ عابِرِ |
وابنةُ الحيّ مَشَتْ آمنةً |
لَمْ تَعُدْ نَهْباً لِوَحْشٍ كاسِرٍ |
وغدا المأمورُ صِنْوَ الآمرِ |
غَيْرَ أنَّ العَيْشَ لَمْ يَصْفُ لَهُم |
فقدِ اسْتَشْرتْ مَـعَ الوَقْـتِ البَطالَـهْ |
نِسْبةُ العُمال زادَتْ، فانتَهَتْ |
نِسْبَةُ الأجْرِ إلى أسْوأ حالَهْ |
كَيْفَ لا يَفْقِدُ فِرْدَوْسٌ جَمالَهْ! |
والذين انقَطَعَتْ أرزاقُهم |
بانقطاعِ الشرِّ ما بَيْنَ البَشَرْ |
أرَّثُوا النِّقْمة، ثم اخْتَبأوا |
في كُهوفٍ مِنْ سكوتٍ وحَذَرْ |
أو تلَطّوا خَلْفَ أجْذاع الشَّجَر |
عمّتِ الشَّكْوى، وكانَتْ أولاً |
هَمْسةً أوْ نَبْرةً بَيْن الشِّفاهْ |
ربَّنا أنتَ مَلاذٌ لِلأُلى |
ضَيّعوا كلَّ ملاذٍ ورَجاءْ |
فأنرْ دَرْبَ العَبيد الضُّعَفاءْ |
ربَّنا قَدْ ذَبُلَتْ آمالُنا |
وسئِمْنا العَيْشَ أرقاماً تَدورْ |
لم يَعُدْ فينا طُموحٌ للعُلا |
مات في أعماقِنا حتى الشُّعورْ |
فابتَعِثْنا مِنْ غيابات القُبور |
رُدَّنا شَعْباً بلا رابطةٍ |
أوْ شُعوباً تَتَفانَى في الحُروبْ |
ولْيَذُدْ كلُ امرىءٍ عنْ حَقَّه |
ولْتَشِبَّ النارُ ما بَيْنَ القُلوبْ |
لَمْ يُحَقِق ذاته إلاّ الدَّؤوبْ |
رُدَّنا شاةً وذِئْباً ضارياً |
ولْيَدُمْ ما بَيْنَنَا ذاكَ العِداءْ |
هكذا عِشْنا ومِتْنا دائماً |
فلماذا جَعَلونا شُركاءْ |
في ثَواءٍ وشَرابٍ وغِذاء؟ |