أزمعتُ عن شطِّ النوى إقلاعي |
ونشرت في بحر الإِياب شراعي |
رفقاً بفُلكي يا رياح؛ فلم أعُدْ |
ملاَّحَ أخطارٍ، وقِرن صراعِ، |
وأنا رفيقُكِ في النَّوى أشدو على |
أوتار عزفِكِ لحنَ كلِّ شجاعِ، |
خمسونَ عاماً؛ ما وقفت مُسَلِّماً |
إلاَّ لأكتُمَ جَهْشةً لِوداعِ… |
إما رَهينُ الحبسِ، أو حِلس النوى، |
أو صبُّ حُبٍّ، أو حليفُ ضياعِ؛ |
* * * |
ولقد ظلتُ مع الخطوب مُشْرِّقاً |
ومغرِّباً، ومصاولاً، ومُراعي، |
حتّى إذا انتصر السلامُ "بفيصلٍ" |
كنتُ المطيعَ بكبريآء مُطاعِ، |
تاللهِ ما ملَّ الصراعَ حليفُه.. |
لكنَّه استعصى على الأطماعِ. |
جنحَ السلامُ إليه فاستخذى لَهُ |
بخشوع شيخ صابرٍ منصاعِ؛ |
وأناخ ينتظر الكواكبَ راصداً |
كالطَّير ترصد لمحَ كلِّ شعاعِ، |
إن راعها شفقٌ تغنَّتْ رهبةً، |
أو راقها فلقٌ شدت بزماعِ، |
تستنهضُ الأَلق الجديد إذا زها |
ليُزيح لَيلَ الخوفِ والأوجاعِ، |
بين الترصُّد والزَّماع قصائدي |
ظلَّت تراود رغبة الإِجماعِ. |
حيناً مُقنَّعةً وإن هتَفَتْ بِها |
رَحِمُ الهدى جمحَتْ بغير قناعِ! |
للعدلِ والإِحسان يهتف صوتها |
وهما شعاري "يوم يدعو الداعي" |
وإذا تعاورتِ الشكوكُ وقفتُ بالرغبات أخشى صفقة المبتاعِ؛ |
رغم الفراق.. ورغم كلِّ مزاعم الحسَّاد، والأضداد، والأشياعِ، |
أنا لم أقل: ما في هوادجكم لنا |
ثمنٌ.. إذا ما قد نعاني الناعي؛ |
بلْ ظَلْتُ في وكري أقدِّس مِلَّتي |
وعروبتي، وأصونُ عهد طباعي، |
للعدل والإِحسان في سرّي وفي |
جهري، وفيما قد يخطُّ يراعي، |
لا.. لن أقولَ عن الهوادج قولة "الكِندي"؛ ففيها متعتي ومتاعي! |
لولا المروة؛ قلت بورك ما جرى |
لي في "بِرومْلي" حيث ضاعَ ضياعي، |
فلقد لبثتُ رفيقَ أرباب النُّهى |
وأئمة الفقهآء والإِبداعِ، |
عشراً من السنوات في شوقٍ بلا |
حذر أحاورهم؛ ودون خداعِ، |
حريَّة التفكير تحرسنا من البغضاءِ إنْ ما ثار أيُّ نزاعِ، |
و"الجاحظ" العملاق إن هدرت شقائقه، رمى "الرّازي" برأي شجاعِ |
* * * |
الله للعلمآء في شَرقٍ وفي غرب؛ إذا طَهُروا من الأطماعِ؛ |
وإذا ظمئتُ إلى الإِياب ووِردِهِ |
عاقرتَ كاسَ سرابه اللمَّاعِ |
في موكب الأوهام أمشقُ صارمي، |
وبساحها زمعاً أمدُّ ذراعي |
وأصارع الأشباح منتصراً بلا.. |
نصرٍ؛ ومُنْصرعاً بدون صراعِ، |
سِيّان غاية ما ينال المرء في |
دنياه من نعمٍ ومن أوجاعِ |
ولعلَّ بعض عرائس الأحلام في |
غفوات حُلم العاشق الملتاعِ، |
أَحْنا، وأكرم من توجُّسِ يقظةٍ، |
أو مِن تملُّق واقعٍ، خدّاعِ |
"من ضاق بالدنيا فليس حكيمها |
إن الحكيم بها رحيبُ الباعِ" |
كالملك "فهد"، وآله، ورجالِه |
أكرِمْ بهم شعباً، ونعم الرّاعي |
"أهلَ الحجاز" إذا ترنَّم مقولي |
بمديحكم، فله هناك دواعي، |
"الحِجْر" و"البيتُ العتيق" و"زمزمٌ" |
و"الجمرتان"، ومستهلُّ "السَّاعي" |
أرض ثراها سيطَ مدبوغاً على |
عرقِ "الخليل" ونجلِه المِطواعِ، |
وبنيه كم من أنبيآء، وكلُّ ذي |
سيفٍ، وكلُّ معلِّمٍ بيراعِ. |
* * * |
بلدٌ هي "البلد الأمين" تقدَّست |
عرصاتها من وهدةٍ ويفاعِ، |
وأجلُّ ما خلق المهيمن في الورى |
من أنفسٍ ومشاعرٍ وبقاعِ. |