شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
555- دائماً معك
كنت مع صديق أديب يعرف أنّي لا أسمّي الكلام "شعراً" إلاَّ إذا كان "منغَّماً، وفي "تفعيلة" تمكَّن من يريد "الترنُّم" بها من "توقيعها"، وما لم يكن كذلك فهو "نثر" حتى ولو بلغ الغاية في الإِبداع، وكان أروع من بعض "النظم" الذي نسمّيه شعراً.
فقال لي: هل قرأت صفحة الأدب في جريدة "الشرق الأوسط" عدد الاثنين 3/12/1984م.
قلتُ: نعم.. وهل يمكن أن تفوت مثلي؟
قال: ما رأيك في قصيدة الدكتورة "رشيدة بهران".
قلت: تعني كلمتها الرائعة: "دائماً معك"؟.
قال: نعم.
قلت: إنها من أبدع ما قرأته لها من "النثر الفني" أداءً وتصويراً، وفيها ما يذكِّرني بالكاتبة الشاعرة "مي زيادة".
قال: إنها شعر..
قلت: بل أجمل وأروع من بعض ما نقرؤه هذه الأيام ويسمونه "شعراً" وليس له منه إلاَّ التقاطيع والأوزان.
قال: إن بعض الشعر لا يخضع للأوزان والقوافي. قلت: لا أحب –الآن- أن أدخل معك في نقاش وجدل قد يطول، وهات لي كلاماً "بشرياً" لا يستطيع "الشاعر العربي" إذا راقَ له أن ينغِّمه في أوزان وقوافي؟!
فانبلجت أسارير وجهه وقال: ما أعجبك وأعجبني؛ هاك قصيدة الدكتورة "رشيدة مهران" التي نتحدث عنها، قال ذلك بلهجةِ تحَدٍّ ظريفة.
قلت: لن أجادلك في التسمية فتتورَّط فاقرأ المقطع الذي تدَّعي أن "الشاعر العربي" لا يستطيع نظمه فيحوِّله من نثر فني إلى "شعر عربي".
قال: إنما تقول:
سألتُ الليل عنك؟ قال: تجدينهُ في سرّي.
وسألت النجم عنك؟ قال: تجدينهُ في بعدي!
وسألت البدر عنك؟ قال: تجدينه في ضوئي،
فسطَّرت من السرِّ والبعد والضوء رسالةً إليك..
ترى ألم تصلك بعد؟
وكنت قد قرأت تلك القطعة الفنِّية واعتملت معانيها في نفسي فقلت للصديق الظريف المتحدّي: إن مثل هذا البيان يجب أن يظل كما صدر عن صاحبه دون تشويه.. ولكن خذ القلم وأمليت عليه:
سألتُ الليلَ أين ترى
أراها؟ قال: في سرّي
وما سرُّك يا ليل؟
أتدري؟ قال: لا أدري
سألتُ النجم أينَ؟ فقالَ: في بعدي معي تجري
سألت البدر عنها.. قال: في ضوئي وفي سِحري.
فسطَّرتُ من التوقِ الذي يكمن في "السرِّ"
و"بُعد" النجم و"الضوء" الذي يبهر في البدرِ
رسالة عاشقٍ للحسن في الغيدِ وفي الزهرِ
وفي الفجر إذا شعشعَ، واللَّيل إذا يسري
وفي صمت سراب البيد، أو زَمْجرة البحرِ
فهل وصلتك؟
فضحك الصديق وقال: لكنك قد تصرَّفت وأضفتَ ما لم يرد في قصيدة الدكتورة!
قلت: هذا سرُّ مهنة "شعراء العرب" والمهمُّ: هل أعربت عما قالته الدكتورة في "كلام موزون مقفّى" أمّا ما أضفتُه فلن يزعج شاعريَّتها فيما أحسب.
قال: نعم.. ولكن كيف سننظم قولها:
لو كان الأمر بيدي..
لتجوَّلت في أرجاء الكون..
أجمع لكَ من اللّيل سحرَهْ،
ومن الزهر عطرهْ..
ومن اليوم فجرهْ..
ومن الفجر.. قطرهْ،
ومن البحر.. عمقهْ..
ومن البدر.. ضوءهْ..
ومن الشمس سناها، ومن الأرض بهاها،
هديَّتي إليك..
وإن لم تكفِ.. سأعيد الجولَة من جديد.
قلتُ: اكتبْ، وأمليت عليه ما يلي:
ولو أسطيعُ جُبتُ الكونَ بعدَ هضابه بحرَهْ
لأجمعَ كلَّ ما يهوى،
وما لو حازه سَرَّهْ،
فمن غسق الدجى سحرَهْ
ومن روض الهوى زهرَهْ
ومن زهر الرُّبا عطرَهْ
ومن بحر الندى دُرَّهْ
ومن يومي له أهدي
وقد عطرتُه فجرَهْ
ومن فجر شباب الشوق قد نطَّفته قطرَهْ
ومن ليليَ لن أبخل أن أهدي له بدرَهْ
وإن لم تكفِ أهدي العاشق المضني هوىً عُمْرَهْ
وضحك وقال: لله درّك!
قلت: بل لله درُّ الدكتورة رشيدة مهران.
بروملي: 12/4/1405هـ
4 ديسمبر 1984م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :375  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 585 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.