على ربع "سلمى" عُجْ مع الركب زائراً |
وحيّ به من كان للعهدِ ذاكرا، |
وسل ظبيات البان: هل "مَفْرجُ" الهوى |
على حاله؟ أم قد تبدَّلن آخرَا؟
(1)
|
و"نبع الصَّفا" هل لا يزال كعهدنا |
به جارياً؟ أم أنَّه نشَّ غائرا؟ |
وأسماؤنا في الحيِّ هل يذكرونها؟ |
وأشعارنا.. هل ما يزلْنَ سوائرا؟ |
و"تالوقةُ" الوادي أما زال ظلُّها |
ظليلاً، وتُؤوي السائحات الجآذرا؟ |
فإن سألوا عنَّا فصف ما رأيتَه |
ولم تَرَ إلاَّ مستهاماً مُصَابِرا؛ |
* * * |
أعيش كأني لم أبارح ديارهم؛ |
"أزال" و"وادي الظبيتين" و"حاجرا" |
أنادي "حُريثاً" أو أخاطب "عامرا" |
وأهذي "بسلمى" أو أناجي "تُماضرا"، |
شخوص شبابي في منامي ويقظتي |
تعيش معي مستفهماً أو محاورا، |
تهاويل من صنع الخيال تروعني |
إذا بتُّ وحدي ساهم الفكر ساهرا؛ |
كأنَّا جمدنا والزَّمان؛ ولم يدرْ.. |
بنا فلكٌ ما انفكَّ بالناس دائرا؛ |
كأني لم أفقد رفاق شبيبتي، |
كأنِّي ما غادرت وكري مهاجرا. |
* * * |
زمانَ الصِّبا؛ لو في العيون بقيَّةٌ |
من الدمع هلَّت كاللئالي هوامرا |
لقد عشتُ أيامي أودِّع راحلاً، |
وأرثي شهيداً، أو أبكي المقابرا. |
إذا ما نبا بي موطنٌ لم أقم به، |
وإن رابني أمرٌ.. نزحت مسافرا! |
* * * |
وإن أنسَ؛ لن أنسَ اقتناص سوانحٍ |
من الأُنس كانت كالظباءِ نوافرا.. |
بأكناف وادٍ ما جرى مثل نهره |
على الأرض نهرٌ ساحر الشط زاخرا، |
هو "النّيل" صنو الدَّهر بورك منبعاً، |
وبورك ما يسقي قُرى وحواضرا |
وبورك قومٌ للعلى شيدوا الصَّوى |
بها، وأشادوا للعلوم المنابرا |
فما إن فقدناهم؛ إمامًا، وقائداً |
هماماً، وفناناً عظيماً، وشاعرا؛ |
وشاعرهم؛ قد كان أكبر شاعرٍ، |
وزاهدهم أسما الأنام سرائرا. |
"لأزهرهم" في قلب كلِّ موحِّدٍ |
مكانةُ إجلالٍ تهزُّ المشاعرا، |
* * * |
ومَن مثلُ مَن جئنا اعترافاً بفضله |
نصوغ المعاني لؤلؤاً وجواهرا؛ |
فتىً شبَّ في حضن الهدى واغتذى به، |
وشاب نقيّ القلب والعرض طاهرا، |
عليمٌ بأسرار البيان كأنَّما.. |
توارثها عمَّن وعَوْها بصائرا؛ |
فحينا "أبو عثمان" إن صال ناقداً |
وحيناً "أبو حيَّان" إن قال ساخرا |
و"كابن دُريدٍ" حين ينشد شاعراً، |
وليس يُبارى إن ترسَّلَ ناثرا، |
* * * |
"أبا فهر" ركن الدِّين هِيرَ، وصرحُه |
تهدَّم، والآساس أضحت دواثرا |
أرى "الشرق" مثل "الغرب" ظلماً تآمرا |
علينا، وباحا بالعداء، وجاهرا |
و"حاخام" تلمود الضلال، وصنوه |
"لويس" على الإِسلام بغياً تآزرا، |
ونحن بوادي التيه نبني من المنى |
قصورا، ونستجدي الحظوظ العواثرا |
بلا رائدٍ؛ ما بين حيران ضائع |
يفتش عن دربٍ، ويسأل حائرا |
* * * |
وبين غبيٍّ يدعي الفهم ضلةً، |
وصاحب جهل يدعي العلم كافرا |
ويا طالما حذَّرتَ من كان غافلاً، |
ويا طالما أنذرتَ من ظل سادرا! |
وها هم على إسلامنا قد تكالبوا |
ويوشك أن يضحي "غريباً" محاصَرا، |
فهل يا ترى مما قضى الله مهربٌ؟ |
وهل غيره نلقى مغيثاً وناصرا؟ |
* * * |
"أبا فهر" قد كنَّا أشداء عندما |
غزانا "النصارى" يحشدون العساكرا |
وكنا –وهم في أرضنا يظلموننا- |
نثور ولا نخشى الردى والمجازرا؛ |
فما بالنا لمَّا جلوا، وتقوَّضتْ |
خيامهمُ صرنا نطيع الأوامرا؟ |
ترى هل كفاهم أنَّهم قد تمكَّنوا.. |
بتغييرهم أفكارنا؛ والدفاترا؟ |
* * * |
"أبا فهر" لولا الودُّ.. ما قمت منشدا؛ |
ولا جئتُ من "أعلا الممالك" طائرا
(2)
|
عرفتَك "محمود" الخصال "محمداً" |
وللحقّ قوَّالاً، ولله "شاكرا". |
"أبا فهر"؛ واعذرني؛ فما جئتُ مادحاً |
ولكنَّها "زُلفى" تناشد غافرا؛ |
وأنت الذي قد كنتَ للفضل فاعلاً |
وبالخير والمعروف ما زلت آمرا. |