شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المشهد الأوَّل
["مَفْرَج" صنعاني فيه بركة صغيرة ذات "نافورة" (شاذروان)، والأضواء خافتة، ونسمع إيقاعات عود يترنَّم باللَّحن القديم "القوس" في صوت: "وامغرِّد بوادي الـدُّور".. وتنسـاب الإِقاعات رويداً رويداً.. وهناك كُرسي قديـم، يقعد عليـه شخصٌ شاحب اللَّون لا تكاد ملامح وجهه تبينُ -هو "القيل الحميري ذو رُعينْ"- وهو ينشد]:
ألا مَن يشتري سهراً بنومٍ؟
سعيدٌ مـن يبيـتُ قريـر عَـين!
إذا ما حِميرٌ غدرتْ وخانتْ
فمغفرة ُ الإِلهِ لذي "رُعينِ"
 
وما إن يصمت حتى تتعالى إيقاعات العود، فيعاود "ذو رعين" النشيد قائلاً:
ذو رعين: مَن يشتري السَّهر؟
يا طالبي الحياه.!
هُناك.. في الوادي
حيث شواردُ المنى
تأوي مع الأحلام؛
يقفُ شاعرُ الهوى
"يفرش" دكان السَّهر!
يبيعُهُ للنّائمين
لمَن يهيمُ حسُّه
لمن يطيرُ وهمهُ
خلف فراشات السَّهر
 
ويتوقف "ذو رعين" وإذا بصوت "المجهول" ينبعث من إحدى الزوايا:
المجهـول: لا تعذلوه يا رفاق.. فالشاعر العتيد
قد سَئم النوم.. ولاذ بالسَّهر
يطلبهُ.. ويجتديه.!
النومُ.. والغفرانُ
ملَّهما.. قلاهُما..؛
أفضلُ منهما.. مع الحياة والقلقْ
والطّيش.. والنزقْ
السُّهد.. والحرمان.!
الشّاعر العتيدُ.. "ذو رعين"
قد سئم الكلام.. ولاذ بالصمت الرهيب
في كهفه.. يتيهْ
ويمقتُ النوم.. ويلعنُ الكلام
ماذا تفيدُ الكلمات؟
قد أصبحت مقتولهْ.. مصلُوبةً مسحولهْ!
أو "مُوميات" في "قواميس" الهراء
موثقةً.. مسجونه
تلك "قواميس" الهراء.. هي الفناء.؛
سجونها.. ملعونهْ قبورها معفونَهْ
عشاقها المستضعفون.!
همُ الذين انطلقوا.. بشغف الشباب
وراء "صوت" الروح، والثَّورةِ والفداء
وفي خيوط نسجها.. "العنكبوتي" المخيفْ
تساقطت أرواحهم.. تناثرت أحلامُهم
تواثبت آمالهم.. تطايرت أوهامُهم
تساقطت كأنها.. فتات أوراق "الخريف"
تواثبتْ مجنونَهْ
مثل فراشات "الربيع"
تناثرت موهونَهْ
كهمسات "لشتاءٍ" جائعٍ
جثت على مدينة الآلام؛
ولا وقود.. لا.. ولا طعامْ،
ولا علاج.. لا.. ولا مدام،!
تطايرت.. مثل العصافير وقد مات الشتاء!
وقد تبرَّجتْ براعمُ الحياه
من جديد.. من جديد
أواه ما أشقى، وما أحلى الجديد!
ذو رعين: (معترضاً):
هبَّ "الربيعْ".. هبَّ "الربيعْ"
"البلبلُ" الصغير
العاشق الكبير
هبَّ "الربيعْ".. هبَّ الربيعْ
 
(يظهر طائر صغير ذو ألوان شتَّى يرقصُ ويقول):
البلبـل: أنا "ابن بلقيس" أبي؛
كان؛ "سليمان" الحكيم
والسدّ ملكي. والقصور
"إرثي" أنا..!
و "الخاردُ" الضائع
من "إرثي" أنا
حتى.. ولو كانت
أمواههُ تبكي بلا دموع..!
لأنَّها دموع "ذي رُعين"
من ضيَّع النوم، وسامرَ السَّهر
وضجَّ شاكياً وناقداً؛
ألا.. ألاَ
من يشتري السَّهر؟
بالنوم..؟
يا للنوم.! إنَّه مريع
وإنه مُريح!!
قد نام كل شيء.!
المجهـول: قد نامَ حتى النوم!!
أواه.. بل.. ويلاه
حين ينامُ النومُ!
كيف تستطيع
عرائسُ الأوهام أن تهيمْ؟
وكيف تستطيع
حوادسُ الأحلام أنْ
تسقي فراشات الهوى؟
والأمل المرجوّ
والحلم التائه.. وعصافير المنى؟
والموثقين بخيوط العنكبوت
البلبل: وفي قواميس الهراء.!!
يا ليتني أسطيع أن
أعتصرَ النجومْ
وكلَّ ما في الكون منْ معنىً رفيعْ
ومنظر جميل؛
خمرةَ خُلد
أسقي بها في كأس أحلام السَّهر؛
شواردَ الأوهام، وحوادسَ الأحلام؛
أوهام من هاموا وفقدوا الكرَى؛
وسامروا السَّهر!
أحلام من ناموا بلا نومٍ
وسهروا بلا سهر؟
"الخارد" الضائع منْ "إرثي" أنا
ملكي أنا
أنا "ابن بلقيس"
 
وتضعف نبرات صوته، وتتعالى "الإِيقاعات"، ثم تخفت، ويترنَّح "البلبل" كأنه قد مات، ويعلو صوت "القيل" "ذي رُعين":.
ذو رعين: ترنَّحَ "البُلبل"
اختنقتُ أنغامُهُ
مات " ابنُ بلقيس"
ووارث السدودْ
ومالك الأنهار، والقصور
وينبعث صوتٌ من الزاوية بلهجة وقور:
المجهـول: لا يا عدوَّ النوم..
يا بائع السَّهر
ما مات وارث السدود
"الهُدهُد" الجميلُ
هو "ابنُ" ذلك الحكيم..! ومالك الأنهار والقصور
انظر إليه؛
ترتعش الحياة
في ريشه البديع
حيث تَلملمتْ
ألوانُ كل نور
من زَهَرٍ ومن نجوم
من وضحٍ، ومن دُجى
من شفق الأصيل
ومن تباشير الصَّباح
ومن وهج الشمس، وغسق الظلام
ومن عيون الحور
ومن سوالف الملاَحْ
ومن مباسم الحسان
ومن نهود الفاتناتْ
والصَّبايا السَّابحات
من لون كل لون
في الأرض والسَّما
تجمعت في ريشه
أرواحُ كل لون
"الهُدْهُدُ" الجميل
"ابنُ" سليمان الحكيم.!
[وتتلاشى الموسيقى، ويسدل الستار]
 
طباعة

تعليق

 القراءات :627  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 239 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.