شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ عابد خزندار الكاتب والمفكر المعروف ))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم أعن وساعد، يقول الشاعر:
وليس على اللَّهِ بمستَكْثَرِ
أن يجمعَ العالمَ في واحدِ
وفي الحقيقة لا أعرف بيتاً من الشعر ينطبق على إنسان ما كما ينطبق على شيخنا عبد الكريم الجهيمان، فهو أولاً: معلم ومرب قدير، يشهد له بذلك طلابه المنتشرون في الآفاق والذين تولى الكثير منهم مناصب قيادية وريادية، والذين تركوا بصماتهم على صفحة هذا البلد، ثم هو ثانياً: واحدٌ من مؤسسي الصحافة في هذا البلد، وبالذات في المنطقة الشرقية والقصيم، وكانت الصحافة أيامها صحافة رأي، أي لم تكن صحافة خبر، وكان الرأي في تلك الأيام محسوباً على كاتبه، والويل له إن حاد أنملة عن الخطوط المرسومة له، ولهذا لم يسلم كُتَّاب تلك الأيام من بعض الأذى والملاحقة والمعيشة الضنك، ولم يكن ذلك بالشيء الذي لم يتوقعوه أو يحسبوا حسابه، بل كان في حسبانهم في كل خطوة يخطونها وكل حرف يخطونه، ومع ذلك مضوا في أداء رسالتهم غير هيابين أو وجلين، متحملين مسؤولية ما يكتبونه ويحتسبون ما يلقونه من عنتٍ عند الوطن والتاريخ، ولا أعتقد أنني بحاجة إلى أن أعدد ما لاقاه "أبو سهيل" في حياته من كبد ومكابدة، وعنتٍ ومعاناة، فقد أصبح كل ذلك جزءاً من تاريخ هذا البلد. ثم هو ثالثاً: وأعني "أبا سهيل" من الرجال الذين يصح فيهم قول البحتري من بحر المتقارب:
بلونا ضرائبَ مَنْ قَدْ نَرْعَى
فما أنْ رأينا لجهمٍ ضريبـا
هو المرءُ أبدتْ له الحادثاتُ
عزماً وشيكاً ورأياً صليبا
تَنَقّل في خُلقـيِ سـؤدد
سماحاً مُرَجَّاً وبأساً مهيبا
فكالسيفِ إن جئتَه صارخاً
وكالبحرِ إن جئتَه مستثيبا
 
ويبقى بعد ذلك الجهيمان الذي يصح أن يقال عنه أنه ديوان الجزيرة العربية أي (الكتاب المرجع) الذي يرجع إليه العرب لمعرفة علومهم، وتجاربهم، وخبراتهم، وتاريخهم، وحتى ما اكتسبوه من معارف طبيةٍ، ذلك أن الأمة العربية في قلب الجزيرة العربية كانت حتى وقت قريب أمة شفهية، أي ذات ثقافة شفهية فلم تعرف الكتابة والتدوين، ولهذا صبوا معارفهم في قوالب من الكلام القصير المسجوع الذي يسهل على المرء حفظه واختزانه في ذاكرته وذاكرة أبنائه من بعده، وهذه القوالب قد تكون أشعاراً ذات موسيقى تستسيغها الأذن فتحفظها، أو أمثالاً مسجوعة تقع موقعاً حسناً من الذاكرة فتحتفظ بها، ومن هذه الأشعار ما يُعرَفُ بالشعر النبطي، وهي إن تأملتها وأمعنت النظر فيها تلخِّصُ تجارب القوم وحكمتهم وذلك من قبيل:
لُمْ زمانـي ولايـم الوقـت غلطـان... حـوادث الأيـام من فعـل أهلهـا
أما الأمثال فهي كما قلت معارف القوم التي اكتسبوها على مدى قرون طويلة، ولهذا يمكن أن توصف بأنها تجارب أمةٍ وضميرها الحي، وروحها الخلاق وتراثها الثر، تأمل على سبيل المثال هذا المثل:
- "دوا الشجرة غصن منها" ألا ترى أن كل ما اخترعه الإنسان من أمصال ولقاحات ينهض بالحكمة التي يختزنها هذا المثل؟
- أو تأمل هذا المثل: "ربما صحت الأبدان بالعلل" فهو يتضمن أيضاً حكمة طبية، وقد يقال أن هذا المثل مأخوذ من المتنبي ولكنه لم يعد ملكاً له وحده، إذ أصبح تراثاً لأمةٍ بأكملها، فالقلقشندي يقتبسه في كتابه (صُبح الأعشى) إذ جاء فيه: "وجعل بَردَ العفو عنه وعنهم بالطاعة ما أذاقهم العصيان من حرارة الغضب، إذ ربما صحتِ الأجسامُ بالعلل".
- ثم نجد مثلاً آخر قد يقال أنه مأخوذ من التراث العربي وهو: "سائل الله ما يخيب" وهو عجز لبيت عُبَيد بن الأبرص:
من يسأل الناس يمنعوه
وسائـل اللَّه لا يخيب
 
ولهذا البيت قصة طريفة وجدتها في كتاب (رسالة الغفران) فقد روى الشيخ المعري أنه لقي عبيد بن الأبرص في الجنة، مع أن عبيد بن الأبرص كان من أهل الفترة، فقال له: ما الذي أتى بك إلى هنا؟ فقال: بيت واحد نظمته وهو البيت المذكور، ولا أريد أن أطيل عليكم وأكتفي بالقول إن الجهيمان دوَّن تراث أمة وحفظه من الضياع، وهذا الجهد العظيم بل الخارق الذي تولاه الجهيمان وأفنى جزءاً كبيراً من عمره عملٌ عظيم لو تولته لجنةٌ من العلماء والباحثين وقضت في عملها سنينَ طويلة لما جاءت بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
ولهذا لا أبالغ إذا قلت إن الزمان لن يجود بمثل الجهيمان إلا في الندر، ولقد عاشرت هذا الرجل زمناً كان من أحسن الأزمان وإن حسبه البعض من أسوأ الأزمان، كان زمناً رغداً عرفت فيه النبل والخلق العظيم والسماحة الندية والوفاء المقيم والبحر الزاخر، باختصار عرفت عبد الكريم الجهيمان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :607  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 201 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.