شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الأستاذ حسين بافقيه))
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الجوانب التي يمكن أن نتحدث فيها عن شخصية الشيخ محمد سرور الصبان كثيرة ومتنوعة ولكن فيما أحسب أهم جانب في شخصية هذا الرجل أنه كان أباً للثقافة الحديثة في المملكة العربية السعودية ومن دون أن أسرف في الحديث أقول وفي الجزيرة العربية،لأن الشيخ محمد سرور الصبان، أو أقول الشاب محمد سرور الصبان. وقد كان حينما أصدر كتابه (أدب الحجاز) سنة 1344هـ في الثامنة والعشرين من عمره، إيذاناً لمولد الثقافة الحديثة في مكة والحجاز ومن ثم في المملكة العربية السعودية، والكتاب الآخر هو كتاب (المعرض) صدر سنة 1345هـ وميزة الكتابين أنهما ينطويان على شعر ونثر، وخصوصاً كتاب أدب الحجاز كان يضم شعراً ونثراً لستة عشر أديباً شاباً من أدباء جدة ومكة والطائف، وفي هذا الكتاب نقرأ لأول مرة في أدب الجزيرة كلاماً يتصل بالحريات وبمفاهيم جديدة طازجة لم تألفها الجزيرة العربية على أقلام أبنائها مثل مفهوم الأمة، والوطن والوطنية والقومية، بل بلغ الأمر بمحمد سرور الصبان وثلة من أدباء ذلك العهد اقتداء بمصطفى كامل وسعد زغلول أن يصفوا الحجاز بأنه الأمة الحجازية، طبعاً حينما نرجع إلى تلك الحقبة، نرى أنّها لم تكن حديثة العهد بالتحولات الثقافية والسياسية والاجتماعية في الحجاز، لعلي أعود إلى أهم ثلاثة أحداث كونت الحجاز الحديث. الحدث الأول هو إنشاء المطبعة في مكة المكرمة عام 1300هـ، والحدث الثاني هو إعلان الدستور العثماني سنة 1326هـ. والحدث الثالث هو انطلاقة الثورة العربية الكبرى على يد الشريف حسين بن علي سنة 1334هـ، هذه الأحداث الثلاثة هي التي كونت الحجاز الحديث، وهو ما أدعوه النخبة المثقفة بالثقافة الحديثة، والتي كان على رأسها ذلك الشاب، الذي ولد في القنفذة، ونشأ في جدة، وترعرع ودرس وعمل في مكة المكرمة، ورغب أدباء الرعيل أن يكون رائداً للثقافة في المملكة العربية الحديثة، وأنا أقرأ في شخصيته أنه مع محمد سرور الصبان نستطيع أن نقول من دون إسراف في القول إن المثقف الحديث بهذا المصطلح لم يلد إلا حينما ألّف الشيخ محمد سرور الصبان كتاب أدب الحجاز، الكتاب كما قلت يضم شعراً ونثراً لستة عشر أديباً من أدباء الحجاز، وقد أحدث منذ صفحته الأولى أي المقدمة التي كتبها محمد سرور الصبان قطيعة مع الثقافة التقليدية التي يدعوها الأستاذ عبد الله عبد الجبار (رحمة الله عليه) بالثقافة المسجدية. كان أدباء الحجاز يكثرون من البكاء والنحيب على وطنهم الذي كان سبباً لمبعث النور، وانطلاق الثقافة العربية ثم ما عتّم الحجاز خروجه المبكر من التاريخ، فكان كما يقول أمين بن عقيل في (وحي الصحراء): (له الغرم ولغيره الغنم). هذا الحجاز.
كتب محمد سرور الصبان في بداية كتابه "أدب الحجاز" كلاماً يصعب قوله اليوم لأنه حمل تأخر تبعة الحجاز ثقافياً، سياسياً، اجتماعياً. بهذا النص الذي قيل إنهم علماء والذين تركوا الثقافة والفكر والأدب واشتغلوا في الفروقات المذهبية، والنزاعات المذهبية التي صرفتهم عن أي لون من ألوان الثقافة الحديثة، في الحجاز في ذلك الوقت حينما أصدر محمد سرور الصبان مطبعتيْن.. (المطبعة الأميرية) وهي المطبعة الحكومية، والمطبعة الأخرى هي (المطبعة الماجدية) التي أسسها الشيخ محمد ماجد الكردي سنة 1327هـ، والتي كانت أول مطبعة يصدرها واحد من الأهالي، لكن الشيخ محمد سرور الصبان، الذي أراد أن يجعل الثقافة الحديثة قائمة، التي ولدت معه ومع الطبقة المثقفة الشابة، وأن يعلن القطيعة مع كل ما يمت إلى الثقافة القديمة، وكان بإمكانه أن يصدر الكتابين في المطبعة الأميرية أو المطبعة الماجدية ولكنه أبى إلا وأن ينشره -وهنا مفهوم الناشر- في المكتبة الحجازية وأن يطبع الكتابين في مصر، طبعاً هذه بادرة من بوادر إعلان القطيعة مع تلك الثقافة، في هذا الكتاب تبدو شخصية محمد سرور الصبان على نحو يذكرنا بالزعماء الوطنيين في مصر، كان منبهراً بشخصية طلعت حرب في الاقتصاد، ومنبهراً كذلك بشخصية مصطفى كامل، وسعد زغلول في السياسة، وإذا كان المصريون وأظن مصطفى كامل صاحب عبارة (مصر للمصريين)، حينما أعلنت الثورة سنة تسع عشرة في مصر، فإن محمد سرور الصبان في هذا الكتاب وبلغة سياسية لا يقولها إلا زعيم وطني كان ينادي بأن (الحجاز للحجازيين) ونحن الآن طبعاً نهنأ بالوحدة الوطنية، ولكن من يقرأ هذا الكتاب لابد أن يتأمل السياقات السياسية والاجتماعية. كان محمد سرور الصبان والنخبة الشابة المثقفة معه، وخصوصاً محمد حسن عواد لم تكن تلك النخبة لتطمئن للوافد الجديد حينما تغير النظام السياسي في الحجاز، وأصبحت الحجاز ومكة في ذلك الوقت جزءاً من الكيان الجديد للمملكة الحجازية النجدية، لم يكن الشيخ محمد سرور الصبان ليطمئن لهذه التحولات وهذا أمر طبيعي لأنه وجد التغير يطرأ على وطنه، ومن يقرأ قصيدته التائية الرائعة في كتاب أدب الحجاز، يلفت نظره تلك الثورة الشابة وتلك المصطلحات والكلمات التي أعدّها حينما ندرس سياق الأدب والثقافة في الجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية من الكلمات الجديدة كلمة الوطن، الشعب والأمة. هذه الكلمات كلها كانت متناثرة في قصيدته (جل الأسى) وأتمنى أن تقرأ هذه القصيدة لأنها من القصائد المهمة، نقرأ كذلك في هذا الكتاب كما قلت لستة عشر أديباً، شاء لهم القدر كما يقول محمد علي مغربي في (أعلام الحجاز) أن يصبحوا أدباء الرعيل الأول، يعني حينما يقال أدباء الرعيل الأول لا تطلق هذه العبارة إلا على الأدباء الذين كان لهم شعر أو نثر في كتاب الحجاز أو المعرض، بعض الأدباء كتب قصيدة أو مقالة ثم توقف بعدها لكن حظي بأن يكون من أدباء الرعيل الأول. من منّا يعرف أدبياً على الأقل عبد الوهاب نشار، أو عباس حلواني وربما لا يعرف الكثير أن هذين الأديبين قد توقفا عن الكتابة والنشر بعد أن أثبتا شيئاً من شعرهما أو نثرهما في كتاب أدب الحجاز، والذي يلفت النظر كتاب (المعرض) بعنوانه الجذاب، الكتاب صدر في بداية العهد السعودي في الحجاز، ولكن مقدمة الكتاب ترجع إلى سنة 1342هـ - أي في زمن الملك حسين بن علي ملك الحجاز الأسبق – كان هذا الكتاب أيضاً يضم مشاركة لثلة من الأدباء الحجازيين الشبان، والذي يلفت الانتباه أن الحجاز في ذلك الوقت لم تشهد المواصلات الحديثة كما نعرف ولم تدخل الكهرباء بيوتها. فكيف وصل كتاب (الغربال) لميخائيل نعيمة الذي صدر في نيويورك إلى الحجاز؟ وفي هذا الكتاب مقالة مشهورة لميخائيل نعيمة ينعي فيها الأدباء التقليديين الّذين ترسمهم الأساليب العربية التقليدية أسماها "نقيق الضفادع". وقد كتب الشيخ محمد سرور الصبان الأديب الشاب ورقة ومررها على أصدقائه من أدباء جدة ومكة والطائف يسألهم عن رأيهم فيما قاله ميخائيل نعيمه، هذا السؤال الذي يعرض للغة بغض النظر عن الإجابات هو سؤال مفصلي وخطير، فأول آيات التحديث وأولى عتبات التقدم لابد أن تنطلق من اللغة وحينما انطلق التصور الأدبي والثقافي لأدباء الحجاز وعلى رأسهم محمد سرور الصبان من تصور لغوى نعرف أن لهذا الرجل وعياً جديداً بما كان يحدث في الفكر العربي الحديث في مصر والعراق وبلاد الشام والمهجر.
لن أطيل الحديث وأتمنى أن يقرأ المهتمون أدب الحجاز والمعرض لأن فيهما أسئلة كثيرة عما كانت عليه ثقافتنا عن أسئلة ذلك الجيل من الشبان الحجازيين، الذين دعموا نهضة وطنهم وكانوا في منتهى الجرأة والتحفيز حين وقفوا إزاء مشكلات لم نعد نستطيع نحن اليوم أن نتحدث فيها حينما تهجم محمد سرور الصبان على الثقافة المسجدية التقليدية، وإن كنت لا أوافقه التصرف لأسباب معرفية وليس لأي سبب آخر، لأن إزراء ذلك الجيل بالثقافة التقليدية في مكة المكرمة كان وضعاً طبيعياً، فأي ثقافة جديدة لا يمكن أن تقوم إلا على أنقاض الثقافة القديمة، وهذا هو قدر أي فكر جديد يمكن أن يمارسه مثقفون ثائرون. حينما نقرأ كتاب أدب الحجاز، يلفت انتباهنا تلك اللغة التحررية، ترسم خطى جبران، ميخائيل نعيمة، كم التأوهات التي تندب حظ الحجاز، ويلفتنا كذلك ورود مجموعة من قصائد الشعر المنثور في أدب الحجاز في تلك المدة، التي لم تعرف بيوت الحجازيين الكهرباء ولم تعرف شوارع مكة وجدة والطائف المواصلات الحديثة. بقي أن أقول أن الشيخ محمد سرور الصبان وإن توقف بعد ذلك عن دوره الأدبي والثقافي، فقد كان له إسهاماته في رعاية الأدب والأدباء والمثقفين كما كانت له إسهاماته في إنشاء الشركات الكبرى، التي تحدث عنها الدكتور محمد سالم سرور الصبان. ويكفي للشيخ أن المكتبة الحجازية التي أنشأها إيماناً بالحداثة والتنوير، هي التي نشرت كتاب (خواطر مصرحة) للأديب الرائد محمد حسن عواد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة
 القراءات :280  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 197 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل