شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الدكتورة خديجة عبدالله سرور الصبان))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد عبارات الشكر والتقدير أدلف للغرض من هذه المداخلة، وهو وقفة عند بعض النتاج الشعري لمعالي الشيخ محمد سرور الصبان (رحمه الله تعالى). وأبدأها بالقول إن نتاج عمي الشعري لم يلقَ الاهتمام الكافي إنشاداً، ودراسة وتحليلاً. وقد يكون ذلك راجعاً لسببين، طغيان جوانب شخصيته الأخرى على جانب الشعرية عنده، والسبب الآخر قلة ذلك الإنتاج وتناثره. والعجيب أن ذلك الإنتاج مع قلته يقوم بمهمة الكشف عن أهم السمات، التي طبعت عليها شخصية محمد سرور الصبان، ويكشف أيضاً عن توجهاته وما يتبناه من قيم ومبادئ رسمت الخطوط العريضة في طريق مسيرته ودوره الاجتماعي والوطني، وسيتضح هذا من خلال قراءتنا لبعض قصائده. وأبدأ بـ (عاطفة نفس):
القصيدة التي نالت الشهرة من دون أخواتها فقد كانت لمدة طويلة من ضمن القصائد المقررة في المرحلة الثانوية في بلادنا.
جل الأسى وتتابعت زفراتي
ودنا المشيب فقلت حان مماتي
فكرت ألتمس الخلاص بحيلة
أين المفر من القضاء الآتي
يا أيها القدر المواتى إنني
بادى الضّنى هلا ترى نظراتي
أمنن عليّ بساعة أقضى بها
حق البلاد وخذ ربيع حياتي
إن كان في الأجل المقدر فسحة
أو لا فإنك نافد الرميات
ما لي إليك وسيلة أرجو بها
نيل المراد فجدت بالعبرات
 
* * *
ويحي أيعترض القنوط عزيمتي
والحزم من طبعي ومن عاداتي
والدهر طوعي والزمان مصادقي
والصبر درعي والثبات قناتي
فلقد أكر على الخطوب فتنثنى
جزعاً أمام مهندي وشباتي
وتمر بى شتى الحوادث خشعاً
ويصيبها خور حيال ثباتي
 
* * *
لكنني فرد ولست بأمة
من لي بمن يصغى لصوت شكاتى
من لي بشعب نابه مستيقظ
يسعى لهدم رذائل العادات؟
من لي بشعب عالم متنور
ثبت الجنان وصادق العزمات؟
من لي بشعب باسل متحمس
حتى نقوم بأعظم النهضات؟
من لي بشعب لا يكل ولا يني
يسعى إلى العلياء بكل ثبات؟
إن البلاد بأهلها،فبجهلهم تشقى
وتلقى أعظم النكبات
وإذا توحدت الجهود لخيرها
سعدت ونالت أرفع الدرجات
 
 
وبعد يأتي الحديث عن أبرز سمات تلك الشخصية، التي أعلنت عنها تلك القصيدة، وأولها حس وطني رفيع الدرجة، عالي المستوى، فخدمة الأوطان عنده واجب يظل ملازماً معلقاً في الأعناق حتى الوفاء به، وهو مقدم على كل واجب غيره.
أمنن على بساعة أقضى بها
حق البلاد وخذ ربيع حياتي
 
تتضافر مع هذا البيت في الكشف عن عمق الشعور الوطني في نفس الشاعر مقطوعة خماسية يناجي فيها وطنه، مقسماً ومعاهداً على أن يفعل كل ما يمكنه فعله، وعلى أن يغالب المعوقات حتى يبلغ الوطن المنزلة التي يستحقها:
أنا لا أزالً شقىَّ حُبــ
ـك هائماً في كلِّ وادْ
زعم العوازلُ أنَّني
أسْلو وأجْنَحُ للرُّقادْ
كذبوا وَحَقِّكَ لسْتُ أقْــ
درُ أنْ أعيشَ بلا فؤادْ
ولسوفَ أصبْرُ للمصائـ
ـبِ والكوارثِ والبُعادْ
حتَّى أراكَ مُمتِّعاً
بالعزِّ ما بين البلادْ
 
المناجاة هنا مناجاة العاشقين، تستميت في رد وتكذيب ما اعتاد العوازل فعله من دق الأسافين للإيقاع بين المحبين. ويأتي تكذيبه لزعمهم وفضحه لمحاولات الوقيعة، مؤكداً بالقسم أن سلو الوطن والغفلة عن أداء حقوقه يتساويان عنده وانتزاع فؤاده من صدره، ونعود إلى قصيدة "عاطفة نفس" نجدها أيضاً تكشف عن إدراك كامل لشرائط نهضة الدول والشعوب والأوطان، وتلك الشرائط هي عبارة عن صفات يجب أن تتوفر في الشعوب حتى يأتي الولاة والحكام متمتعين بها، وفي ذلك استلهام للقاعدة التي أصلها الحديث الشريف: "كما تكونوا يولّى عليكم"، ولأهمية تلك الصفات حرص على أن ينص عليها في الأبيات الأربعة، التي خصّها بها وهي: النباهة، التيقظ، صدق العزم، رباطة الجأش والحماسة، والبسالة والسعي بإصرار وثبات إلى طلب معالي الأمور والحرص على تقويم العادات والتقاليد لتنفى أراذلها، وبالإضافة إلى إدراكه لدور الشعوب في نهضة الأوطان ورفعتها، نجد عنده إدراكاً لأهمية دور الشباب وما يمكن أن يسهموا به في تحقيق تلك النهضة، ولذلك خصهم بالحديث في قصيدة "إلى رجال الغد"، إذ تحدث إليهم فيها عن تجربته مع الغنى، مبيّناً لهم نظرته إلى الدور الذي ينبغي أن يؤديه المال في خدمة المجتمع، وكيف أن سلوك الشاعر جاء متطابقاً وتلك النظرة، يقول:
 
أيها الأبناء سمعاً
سوف أتلو لكم ذكرى السنين
كان لي مالٌ وجاهٌ وندًى
وسماحٌ فوق وصف الواصفين
أجمع المالَ لكي أنفقه
في مواساة العباد البائسين
فكأنِّي حاتمٌ في قومه
أصرفُ الأموالَ في وجهٍ قمين
 
ثم حكى لهم بعد ذلك عن تبدّل حاله، وما أصابه من تبدل الحال من الغنى إلى الفقر، وما استتبعه ذلك من تغير الناس منه، وتنكرهم لدوره ورميهم إياه بتهم تتقدمها تهمة الإسراف والتبذير، ويقول عن ذلك:
ثم لما علم القوم بما
كان من أمري تولوا معرضين
وانبرى البعض فأضحى قائلاً
إنما هذا جزاء المسرفين
 
وقيمة عرض التجارب وما ينتج عن إخفاقها للشباب تظهر في الدور التحصيني، الذي تؤديه ضد الشعور بالإحباط والانكسار، ثم الانسحاب من الساحة في حالة الفشل، ولذلك نجده اتبع الحديث عما أصابه بوصفة العلاج وهي الصبر والثبات على المبدأ مع التسليم بقضاء رب العالمين:
يا بني اصبر ولا تيأس
إذا مسك الهم وجافاك الخدين
إن في الصبر سلاحاً واقياً
من شرور الناس والداء الدفين
حكمة المولى فلا منع لما
قد قضاه الله رب العالمين
 
ووصفة العلاج تلك قد كتب شبيهتها لنفسه ينهرها ويقوي شجاعتها وثباتها أمام الخطوب التي تكررت عليه وذلك ما يكشف عنه:
ويحي أيعترض القنوط عزيمتي
والحزم من طبعي ومن عاداتي
 
وتأتي خاتمة حديثه إلى الشباب عبر دعوة إلى الاستعانة على نزغ مرحلته وطيشها بالتأسي والسير على خطى الأوائل:
فانهج الحق ودع طيش الصبا
واتّبع خطو الجدود الأولين
وأسكب الدمع على عهد مضى
إن في الدمع عزاءً للحزين
 
إذاً، يرى شاعرنا ضرورة التواصل والشباب، وقد جاء تواصله معهم بالأسلوب المحبب إليهم وهو أسلوب الحكي والقص، كما جاء ذلك التواصل حنوناً رفيقاً حيث استخدم النداء والخطاب المباشر (أيها الأبناء، يا بني اصبر) فتحدث إليهم لا عنهم والفرق شاسع بين الطريقتين في نجاح عملية التواصل، وغاية هذا التواصل التزويد بالتجارب والخبرات، وذلك النهج تنتهجه المؤسسات القائمة على أمر إعداد الناشئة والشباب في عصرنا، حيث تعقد اللقاءات التي تضمهم وأصحاب الخبرة، الذين حققوا نجاحات وتميزاً في المجال الذي عملوا فيه.
وبعد، فتلك كانت أبرز السمات، التي قادت خطى صاحب الريادات نحو تحقيق غايات عظام حسان.
قالت الدكتورة خديجة كتبت قصيدة عن الشيخ محمد سرور عنوانها
"حكاية للصغار.. والكبار"
 
باقِعَة مِنَ الرِّجال كانْ
محمَّدُ السُّرور ذي الصَّبَّانْ
ذاك الرجُلْ
تَشْتَاقْهُ الأوطانُ
في أزمانْ
ناءتْ بها مَعالِمٌ أثِيرَةْ
محمدُ السُّرور ذي الصَّبَّانْ
نادِرَةً بينَ الرِّجال كانْ
* * *
أقِفْ... أكْتَفي مِنَ المقولْ
بالقوْل ذِي الشُّمُولْ
يُقفُونَ ... يَسْأْلُونَ ... يَغْمِزُونْ:
ما تَرَوْنَها الرُّجولة؟!
غِنِّى ومَالٌ أمْ سُلطانٌ
أمْ فُحُولة؟
أسْمى سِماتِها الرُّجُولة
أنْ يَصْدُقَ الجَنانُ واللِّسانْ
فرادةُ الخِلال والفِعالْ
وصَوْغُها الآمال والأعمال
أنْ تُلوَّنَ الدَّياجيرُ
بأقواس قُزَحْ
وتُمْتَطى مشاعل الفرحْ
محمَّدُ الصبَّانُ كانْ
عجيباً عِشْقُهُ الأوطانْ
وَعشقُها
هوَ الرَّفاء والنَّماءُ
في أزْمِنَةٍ مُغْتَربة
أزْمِنَةِ الخَواءْ
* * *
مَضَى الرَّجُلْ
يَقِفُ الخاوونَ
يَبْحَثونْ
مِنْ أيْنَ يُؤْتى ذلكَ الرَّجُلْ
في القُبور يَنْبِشُونْ
الصَّخرةُ الصَّؤُونْ
كيفَ تُخْتَرقْ؟؟
لا تُعْدَمُ الطُّرُقْ
لا يَعْدَمُ الفَتَّانُ
* * *
ذاكرةُ الأوطان تَسْتَشِيطْ
تُعاتِبُ الأزمانْ
تُخاصِمُ الرِّجالْ:
كيفَ تُغْمَضُ الأجفانُ
عنْ مَآثر جلالْ
أأِنْ مَضى الرِّجالْ
أإنْ مَضَوْا نُمِضُهُمْ
أإنْ مَضَوْا نَقَضِّهُمْ
لا كانتِ الحياةْ
خاوية الوفاضْ
خالية مِنَ الذِّكَرْ
وَقودُها المُبينْ
في الرَّخاء والْمِحَنْ
وَذِكَرٌ أيُّ ذِكَرْ
وَرَّثها ذاكَ الرَّجُلْ
* * *
لَنْ تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا
إكسِيرُها الحياةْ
بوَحْيهِ البَهيرْ
تُنْزَعُ الأغلال
تُكْسَرُ الأقفالُ
يُنْبَِذُ التَّنابُزْ
يَنْسَربُ الحبُّ
فتُشْرقُ القلوبْ
تُنْزعُ الأحسادُ والأحقادْ
يُرْمى بها
تَنْكَفئ السِّهامُ النَّافذةْ
تَسْتَدِيرُ ... تَسْتَحيلُ أشْرعَة
تُدِيرُها السُّفُنْ
إلى مَرافئ البناءْ
إلى شواطئ الرخاء
يَسْتَحيلُ قاتِلُ السِّهامْ
مَنابرَ الإعلانْ
عَنْ مَآثِرِ حِسانْ
مَآثِرُ المَاضِينْ
مَحَجَّة الآتِينْ
* * *
تلكَ كانتْ قصَّة الرَّجلْ
قِصّة خُيُوطها مَغْزُولة
مِنَ الأسى والرَّجا
وَبارق الأملْ
غَزَلْتُها حِكاية
للكِبار والصِّغارْ
والحبُّ والسلام
هدية الخِتامْ
 
طباعة
 القراءات :294  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 198 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج