شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الأستاذ علي الشرقاوي))
"جدة سما في الثرى"
جدة يا لهفة بحر للفرحة يا جدة
أنتي كلام الضوا في لهوه أو جدّه
يركض في لون الهوا ويزرع لنا الجدّه
بين المواني أبد ما أنتي ترى بمينا
أنتي السما في الثرى ترفع أسامينا
وتخلي نور القمر حق البشر مينا
والله العمر ينتعش من نتذكر جدة
 
أستاذي الفاضل الشيخ عبد المقصود
الإخوة الكرام.
الأساتذة السادة الموجودين.
السيدات والسادة، الأصدقاء.
إني إذ أشكركم على هذا التكريم الكريم، الّذي أعدّه تكريماً لبلادي مملكة البحرين، وأعدّه أيضاً تكريماً لجيل أدباء السبعينات، بكل ما كان يحمل من أهداف وأحلام ورغبات في حياة أفضل وكتابة أجمل، كتابة متفردة ومغايرة عن الكتابات السابقة كلها، كتابة قادرة على أن تعبر عن إنسان المرحلة التي نعيش.
في الواقع من الصعوبة أن أتكلم في فترة بسيطة على تجربة عمرها أكثر من أربعين سنة وإشكالية هذه التجربة ليست فقط في الكتابة، إنما تكمن في تعدد المجالات، فهناك القصيدة، وهناك القصيدة العامية، وهناك قصيدة الأطفال، وهناك المسرحية للأطفال، والمسرحية الشعرية، هذه قضايا كثيرة مهما حاولت أن ألخصها لا أستطيع، لكن سأحاول قدر الإمكان أن أتكلم على تجربة الكتابة فقط، وبعد ذلك نعرج على بعض المسائل، التي يهمّني أن أوصلها للمستمع أو القارئ، مثلما جاء في التعريف أنني من مواليد النكبة أو جيل النكبة، جيل النكبة ليس فقط لأنه مثلاً ولدنا نحن. لكن تعلمنا في فترة الخمسينات أشياء لا أتصور تتعرفون عليها أبناء الجيل الجديد، من الخمسينات شربنا نحن كجيل بدايات الحس الوطني، الحس الوطني في ماذا؟ في قضية أساسية من خلال أغاني الأطفال وأناشيدهم:
نحن الشباب لنا الغدُ
ومجده المخلدُ
شعارنا على الزمن
عاش الوطن..
عاش الوطن..
 
هذه تجربة الحس الوطني، في الفترة نفسها، إذ أرسلنا هذا الحس إلى مراحل أبعد، التي هي:
بلاد العُرب أوطاني
وكل العُرب إخواني
ودين الله لي دينٌ
بإنجيلٍ وقرآنِ
 
تمثّل هذه الأشياء كلها الحس الوطني مهما أضاف إليه الحس القومي الّذي جعلنا على الرّغم من أعمارنا الصّغيرة -ربما كنا في التاسعة أو العاشرة- نخرج في المظاهرات، في الخمسينات في مواقف مع ثورة العراق، أو بالنسبة إلى الجزائر أو أي تصريح يقوم به شاه إيران أو غيره، وقفنا في فترة 56 ضد العدوان الثلاثي على مصر. لذلك فنحن هذا الجيل، تربّينا وتعلمنا على قضايا الحس الوطني ثم الحس القومي، هذا ما جعلنا نرتبط ارتباطاً كبيراً بالكلمة المغايرة المختلفة، الكلمة التي تحاول أن تجدد في المجتمع الذي ننتمي له، إلى مرحلة 67 التي نسميها "النكسة" نحن في هذه الفترة بين مرحلتين، بين النكبة والنكسة تشرّبنا الحس الوطني، لما أتت النكسة، تصوروا النكسة لمن كانت؟ ليست النكسة لجيل طالع يحمل ملامح شابة، يحمل أحلاماً كبيرة جداً في مجتمع مختلف مغاير أفضل من المجتمع الذي نعيش فيه، لذلك نحن بدأنا إذا جاز التعبير تجربتنا الجديدة مع.. بالنسبة إلى هزيمة حزيران، رفضنا شيء اسمه الهزيمة، إذا انهزم الآخرون أو انهزم الكبار، فالجيل الشاب هو الذي يخطو تجربة جديدة، من هذه الزاوية انطلقنا إلى عملية الكتابة. وفي العامين التاليين:67، 68 بدأت أنشر أولى تجاربي الشعرية ضد ما نحن عليه كعرب، وضد ما نحن عليه من تكاسل، وضد ما نحن عليه من الشللية أو نقدر نسميها القطرية، لذلك انطرحت قضية أساسية عقب 67، التي هي مرحلة لا بد أن تكون نظرتنا مفتوحة على العالم، بحيث أن كل إنسان من تلك الفترة شعر أنه ليس مجرد كائن بحريني أو خليجي أو عربي، إنما إنسان من هذه الزاوية ابتدأنا نكتب تجاربنا الأولية.
طبعاً من 67 إلى 75 الذي هو عام صدور ديوان "الرعد مواسم القحط"، كتبت الكثير من القصائد الرافضة، التي نقدر أن نقول عنها في بعض الأحيان كأنها تحمل صوتاً صارخاً، صوت تقدر تسميه أو ربما سميناه أو بعضهم أسماه بأنه منشورات سياسية، هذه المرحلة التي جاءت فيها مرحلة "الرعد في مواسم القحط"، بدأت أحذف عشرات القصائد من دخولها في الديوان، لأنّه يجب أن يكون شيئاً مختلفاً متميزاً، وللعلم لما نزل ديوان "الرعد في مواسم القحط" في تلك المدة كنت في السجن، يعني لم ألتقِ بالديوان إلا بعد خروجي من السجن، و"الرعد في مواسم القحط" هو أيضاً عنوان أغلب القصائد، الّتي كتبت في السجن، من هذه الزاوية نقف فقط أمام هذا الديوان، ويكفي أن عنوانه موحي يمكن لكل إنسان أن يفهمه بصورته المختلفة.
قادتني تجربة "الرعد" إلى تجارب أخرى، التي هي أيضاً كُتبت في السجن، يعني أنا عملياً من 71 إلى 79 كل سنة كنت فيها بالسجن، دخلت أول مرة 21 يوماً، وفي المرة الثانية بقيت شهرين، أما المرة الثالثة فكانت تسعة شهور، والمرة الرابعة لأربع سنوات متواصلة. لذا، السجن بالنسبة إليّ كان فترة مهمة وخصبة، ومثل ما يقولون السجن مدرسة، وهذا صحيح، فقد كان مدرسة، لأنه أعطاني مجال واسع للتأمل في تجربتي، والتأمل في الواقع، والتأمل في أحلامي. هل هناك أفضل من تجربة سجن تخرج من خلالها بأربعة دواوين؟ لذلك فالكتابات التي يتكلمون عليها الشباب هي كتابات كتبت في السجن، ومنها: (هي الهجس والاحتمال)، (رؤية الفتوح)، (نخلة القلب)، (أفا يا فلان)، لذا، أعدّ فالسجن بالنسبة إلي مرحلة خصبة، ليس معنى ذلك أنني أدعو الآخرين للدخول إلى السجن، لكن نحن كنا أصحاب موقف، فالإنسان عندما يكون صاحب موقف عليه أن يتحمل تبعات هذا الموقف، وقد تحملناها ونجحنا وإلى الآن الأشياء التي طالبنا بها في السبعينات نرى ثمارها موجودة عندنا، كنا نطالب في السبعينات بمجلس وطني، وقد صار لدينا مجلس وطني، كنا نطالب بحرية الصحافة، والآن امتلكنا تلك الحرية. طالبنا باتحاد عمّال، وصارت هذه الأشياء كلها موجودة. إذاً، أحلامنا التي فكّرنا فيها في تلك الفترة، وسجنّا من أجلها اليوم تحققت وصارت موجودة على أرض الواقع.
نعود لموضوع الكتابة، فمنذ تلك الفترة بعد مجموعة الدواوين التي تكلمت عليها انتقلت إلى مرحلة أخرى، هي مرحلة الثمانينات إذ كتبت قصيدة الطفل عقب خروجي من السجن، كمسرحية رأيت قصة عند صديقي قاسم حداد لابنته (طفول)، قرأت القصة فأعجبتني، كتبتها بالعامية وقفت عندها وغيرت، ثمّ كتبتها بالفصحى أيضاً فلم تعجبني، بدأت أعمل عليها وتصورتها للأطفال، بعد ذلك عملتها مسرحية شعرية، سميتها (مفتاح الخير)، وهي قصة كانت تتكلم على علاء الدين، أنا عملت على أن المفتاح ليس هو فقط مصباح علاء الدين، إنما المفتاح بيد الناس هم الذين يستطيعون تغيير المجتمع إلى مجتمع أفضل، هم الذين يبنون ويقدمون الشيء الجميل لهذه الأرض، وهو إعمارها، من هذا المنطلق انطلقت بالنسبة إلى أول مسرحية للفتيان.
بعدها وأنا ألعب مع ابنتي بدأت أغني لها، وأدندن، أنا أسميها دندنة، وعندما بدأت أدندن لها بعض الأشياء وجدت أنها جميلة، لذلك بدأت أكتب قصيدة الطفل، نشرت ديوانين لكنهما لم يشبعاني لأنني أنظر إلى قصيدة الطفل هي: ملحنة ومغناة ومصورة، قصيدة الطفل ككتاب. الطفل لا يقرأ قصائد، إنما لما يراها ملحنة ومغناة ومؤداة يمكن أن يقلدها ويمكن أن تدخل إلى قلبه، هذا مشروع من تلك الفترة، أي من 82 وأنا أواصل عملية الكتابة للطفل. في الفترة نفسها، عقب مرحلة (مفتاح الخير) المسرحية الشعرية الأولى، بدأت أشتغل على مسرحيات من التاريخ، كتبت مسرحية (السموأل) أفدت منها من قراءتي واطلاعي على تجربة امريء القيس، الّذي رهن أسلحته عند السموأل، وكيف كان موقف السموأل الذي نقول فيه دائماً (أوفى من السموأل)، بمعنى أن السموأل أوفى ممن عرفه العرب في تلك المرحلة، حاولت أن أنشر السموأل في العراق، ولكن رفضوا نشر الكتاب لأن السموأل يهودي، وعندما قلت لهم السموأل عربي جزء من تاريخي، لا يهمني إذا كان قبل الإسلام يهودياً، لكنه جزء من التاريخ، ورفضوا نشرها. لم يشكل هذا الأمر إشكالاً عندي، فقد نشرتها في القاهرة.
بعد السموأل، بدأت أكتب (ثلاثية عذاري) كان في بالي أن هذه أسطورة، فقد كان عندنا إحدى الأساطير عن عذاري، لكنني أعطيتها أبعاداً كثيرة، فيها نبوءات، إذا جاز التعبير نبوءات الغزو. وقد كتبت أو نشرت في 89 عندما صار غزو العراق للكويت، أو النظام العراقي للكويت في 91، لذلك، فأنت كشاعر بِمَ تحلم وتتنبأ وترى؟ المهم، كتبت مجموعة أشياء.
أمّا التجربة الأخيرة التي أريد التحدث عنها وأقول هناك العديد من الأدباء الذين تحدثوا عن التأثير المباشر لكاتب ما في المرحلة الأولى من تكوينهم الأدبي والثقافي والحياتي، بالنسبة إليّ الأمر قد يكون مختلفاً فأنا لا أقول تأثرت مباشرة بكاتب ما إنما بأثر من آثار هذا الكاتب، ليس الكاتب وليس ديوانه، إنما أثر من آثاره.
في الصف الخامس الابتدائي بينما كنا نلعب بالكرة في الحي، صادف أن عبرت الكرة الجدار إلى بيت بو حيمد، (بجيكم لبيت بو حيمد)، هذه عائلة سعودية تسكن في فريقنا أو في منطقتنا أو في حَيِّنا، ولأنني كنت من القادرين على تسلق الجدار، قفزت لإحضار الكرة، وهناك رأيت الكثير من الكتب المرمية والمنفوخة بسبب الرطوبة، امتدت يدي إلى أحد الكتب، فتحته فكان ديوان عمر بن أبي ربيعة المخزومي، بدأت في قراءة بعض الصفحات، فيما كان الأصدقاء خارج السور، يطالبونني بالكرة، رميت الكرة وقفزت إلى الخارج لا للعب مع أصحابي، إنما لمواصلة القراءة، التي بدأت بعدها مباشرة في تقليد شكل الكتابة، وليس الكتابة، بالطبع مررت بآلاف القصائد لشعراء عرب ومن العالم، لكن هذه الصورة لم تغادر ذاكرتي.
وعليكم أن تعرفوا أن صاحب الكتب المرمية، كان أحد الأصوات الشعرية المعروفة في البحرين وفي المملكة العربية السعودية، وهو الشاعر ناصر بو حيمد -أطال الله في عمره- فما زال حياً، وناصر بو حيمد السعودي الجنسية لمن لا يعرفه أحد فرسان الكلمة في النصف الأول من مرحلة الخمسينات، أسهم في الكتابة في مجلة "صوت البحرين"، وأدار مجلة "القافلة"، وكتب مئات القصائد التي تندد بالوجود البريطاني في البحرين، وربما يكون هو أول من كتب قصيدة التفعيلة -ركزوا على هذه القضية- أول من كتب قصيدة التفعيلة في البحرين والخليج العربي، وأصدر أكثر من ديوان، حسب بعض الروايات، ولكن الديوان الذي نعرفه هو ديوان (قلق) وهذا متوفر، وموجود عندي.
ما ذكرته هو من أجل الحديث عن تأثير آثار المؤثر على الآخرين، الذي قاد أحد أبناء جيل الخمسينات إلى الكلمة، والكلمة أينما حلت، على تربة مناسبة قادرة على التلقي استطاعت أن تعطي ثمارها، لتؤدّي دوراً فعالاً في دفع إنسان ما إلى طريق الكتابة والإبداع، وأنا هنا من هذا المنبر العربي الرائع، أتمنى أن يتم تكريم الشاعر ناصر بوحيمد، الذي يعيش حالياً بين المملكة العربية السعودية وجمهورية ألمانيا، هذا إن لم يتم تكريمه في منبركم الرائع من قبل.
إن الكتابة قبل أن تكون تعبيراً عن رؤية الإنسان للعالم هي فعل في هذا العالم، أي إعادة قراءة الحياة، وريها بالمحبة الكونية، التي تتساقط بفعل ركض الإنسان اليومي، وراء توافه الأشياء وإعطاء الإنسان المعنى الحقيقي لوجوده وتعريفه على فحوى الرسالة التي عليه إيصالها إلى غيره من البشر، وإنجاز المهمة التي لا بد أن ينجزها قبل مغادرته هذه الدنيا. كل إنسان لا يأتي هذا العالم عبثاً، إنما عنده مهمة، عنده قضية معينة، وعنده رسالة عليه أن يكتشفها، وعليه أن يعرف هذه المهمة، وعلى أساسها يقوم بدوره، كل إنسان له دور، سواء كان كبيراً أو صغيراً، وكل إنسان رجل كان أو امرأة عنده مرحلة مهمة في حياته يجب أن يعطي المهمة كل جهده من أجل إيصالها ثمّ يغادر العالم.
من هذا المنطلق، أعود إلى تجربتي الخاصة في بعض المجموعات الشعرية التي كتبتها، حيث الشعر لم يعد هو التعبير عن الأحاسيس والمشاعر والبوح عما يختلج في الصدر من رغبات وهموم وعذابات، الشعر عندي تحول إلى قصائد حياة، فالعديد من التجارب التي دخلت فيها هي قصائد حياة منها (رؤية الفتوح)، التي هي قصيدة واحدة تتكلم على تجربة، أدخلت فيها أشياء كثيرة ربما لحتى هذه اللحظة لم تُقرأ بالصورة، التي يجب أن تُقرأ فيها، هناك استخدامات للألوان، للمربعات، والمستطيل، والمثلث، هناك حديث عن قضايا كثيرة ورموز كثيرة، الفتوح لوحدها رمز، الرؤية أيضاً هي رمز، فرؤية الفتوح التي استلهمتها من قصة سيدنا يوسف، وتعاملت فيها مع الأشكال الهندسية، والأرقام والألوان، بصورة أعتبرها جديدة في الشعر العربي. وفي كتاب (تقاسيم ضاحي بن وليد الجديدة)، وضاحي هو أحد المطربين البحرينيين، هو واحد من الأقطاب الثلاثة، الذين أسسوا لفن الصوت في البحرين، من خلاله كقناع حاولت التداخل معه في خلق الوتر الثامن، الّذي هو غير موجود، لذلك أنا حاولت من خلال ضاحي بن وليد خلق الوتر الثامن في العود العربي، هذا الوتر الذي لم يخلق بعد، وقد حاولت التوغل في الأوتار البدوية والنوتة الموسيقية، التي هي في واقعها ليست أكثر من مجموعة رموز خاصة بالشاعر، لذلك تحولت إلى رموز مغلقة عند بعضهم، أمام كل من يحاول تفسيرها وتأويلها، وهناك بعض من كتب عنها، لم يعرف كيفية التعامل مع الرموز غير المطروقة سابقاً، لأن الكتابة الجديدة تحتاج إلى ناقد جديد، لهذا كتب الصديق والناقد والشاعر البحريني علوي الهاشمي كتاباً حول تقاسيم ضاحي بن وليد جديدة تحت عنوان (قراءة نقدية في قصيدة حياة)، محاولاً تفكيك بعض الرموز، وتحليل لعبة النص اللغوية، مكتشفاً بعض النقاط التي لم يتطرق إليها النقد العربي.
اعتمدت في التجارب اللاحقة التي جاءت بعدها على ابتكار الأقنعة والرموز، منها على سبيل المثال مجموعة (مخطوطات غيث ابن اليراعة)، بعضهم حاول الأخذ منها وبعضهم الآخر لا يعرف من هو غيث بن اليراعة، هو شخصية مبتكرة مختلقة، لذلك البحث عنها لا يجدي. هي علاقة فنية واجتماعية وفلسفية وسياسية، في تجربة (غيث ابن اليراعة)، وكان الهامش يكاد يكون ملازماً للمتن، على الرغم من أنه يختلف عنه في التوجه والموقف، في الكتب التي جاءت بعد ذلك، أخذ الهامش ينمو ويتوسع، حتى كاد أن يغطي على المتن.
ثمة قضية أخرى، ربما لم يلتفت إليها بعض ممن قرؤوا تجاربي الأخيرة، في كتاب الشين كُتب بدلاً من كلمة شعر فلان بن فلان، جاءت كلمة: حققه علي الشرقاوي، وكتاب (من أوراق ابن الحوبة) لم يكتبْ شعر علي الشرقاوي (جمعها ورتبها علي الشرقاوي)، وفي كتاب (البحر لا يعتذر للسفن) كتبت (شيئاً من تداعيات بحار صغير يدعى علي الشرقاوي).
من مخطوطات (غيث ابن اليراعة) إلى (البحر لا يعتذر للسفن) هناك محاولة لاختراق جدار النقد من خلال أطروحة (موت المؤلف). و(موت المؤلف) قضية نقدية وليست قضية شعرية، أنا أشتغل عليها منذ مدة من خلال الشعر، فقد دأب النقاد على الكلام عن (موت المؤلف) بعد كتابة قصيدته ووصولها إلى القارئ. حيث يقوم الشاعر المؤلف في هذه التجارب بمحاولة إقصاء نفسه عن الارتباط بتجربته بصورة مباشرة ويعلن موته المعنوي قبل موته العضوي، الموت هنا يوضح لنا طبيعة الشعر وطبيعة الكتابة وطبيعة القول بصورة عامة. وهذا ما أراه جلياً من خلال معاشرتي لعملية الكتابة، وفي أكثر من مجال، المسرح الشعري، الفصيح والعامي، الكتابة للأطفال شعراً ومسرحاً، الأغنية العاطفية والوطنية، هذه الأشياء كلها علمتني أن القصيدة تكف عن ارتباطها بالشاعر مباشرة بعد أن تصل إلى القارئ، حتى ولو كان قارئاً واحداً. من هنا تتحول القصيدة من ملكية للشاعر كما يظن في السابق إلى ملكية للقارئ، الذي تهمه القصيدة، وحتى لو كانت الصورة التي وصلت إليه غير ما يقصدها الشاعر، لذلك نلاحظ القارئ المشاكس يرفض تفسير الشاعر لقصيدته، ويرفض تفسير الناقد للقصائد، القصيدة وصلتني هكذا، إذاً أنا أحب هذه القصيدة وأفهمها كما أريد أن أفهمها لا كما يريد أن يفهمها الناقد، ليس مهماً الناقد وليس مهماً الشاعر، وعليّ أن أقول إن أسوأ ما يمكن أن يقوم به شاعر هو تفسير قصائده، لأن الشاعر قال كل ما عنده في القصيدة التي نشرها، أي تفسير خارج إطار القصيدة هو كلام فارغ. شكراً.
عريف الحفل: شكراً للأستاذ علي الشرقاوي، والحقيقة يظهر أن أمسيتنا الليلة سوف تشهد الكثير من الحوارات والأسئلة لأنها بدأت تنهال علينا منذ بداية هذه الأمسية، بدايةً نشكر ضيفنا الأستاذ علي الشرقاوي على هذه الكلمة وهذا الحديث، ونبدأ الحصة الثانية من الأمسية وهي مرحلة الأسئلة، نبدؤها من قسم السيدات، اللواتي يرحبن بضيفنا الكريم، وليكن السؤال الأول من قسم السيدات، تفضلي الزميلة نازك الإمام.
 
طباعة
 القراءات :256  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 91 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج