شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
اليهود بين النفاذ من عقدة "شيلوك" وطرح البدائل الأخرى
لن يكون غريبًا أن يعبّر الرئيس الفرنسي الجديد ساركوزي عن ولائه للحركة الصهيونية بدعوته لتدريس الهولوكوست، أو المحرقة النازية لطلاب المراحل الأولى في المدارس الفرنسية؛ وذلك لتجديد الإحساس بعقدة الذنب والضمير إزاء الشخصية اليهودية، كما أن دولاً أخرى من نفس الرؤية الفكرية التي يمتزج فيها السياسي بالديني والفكري بدأت تشكك في الأعمال المشهورة لكتّابها وأدبائها.. فلقد أثارت مدرسة يهودية بريطانية قضية إعلامية ضد الكاتب والروائي الإنجليزي شكسبيرShakespear ، والذي أضحى يصنّف عمله الأدبي المتجرد من أي خلفية دينية "تاجر البندقية" Merchant of Venice ، والذي يقوم بناؤه على شخصية اليهودي الذي يتعامل بالربا، ويبتزّ بذلك الصنيع البشع عملاءه، والذي يحمل هذا العمل الأدبي اسم شيلوك Shylock، أضحى هذا العمل بعد قرون عدة على صدوره بأنه متحيّز، وينطلق من عقدة عداء السامي Anti Semitic ، ولقد تمثلت هذه الحملة الإعلامية ضد شكسبير من خلال رفض بعض طلاب وطالبات مدرسة Yesodey Hatorh Senior Girls School، الإجابة على قصص مادة تصنّف بأنها مادة تحمل سمات وطنية (أدب شكسبير)، وهي مادة ثبتت في التغيرات المنهجية والتعليمية الجديدة انطلاقًا من دور شكسبير التاريخ الأدبي للمملكة المتحدة، وهذا ما يجعل التهمة التي تلصقها بعض الدوائر الغربية بالجاليات المسلمة، زاعمة أنهم يعيشون ولاءً مزدوجًا، يجعل هذه التهمة هي أقرب إلى الجالية اليهودية التي تعمّق الهوة بين مبادئها ومبادئ الأوطان التي يعيشون فيها لقرون عديدة، وأكثر من أي جالية أخرى، لا يقاس وجودها في المجتمعات الغربية بالوجود اليهودي المتجذر.
ولقد قام الملحق الفكري والأدبي لصحيفة التلغراف الإنجليزية Weekly Telegraph The الصادر في 5-11 مارس 2008 في الصفحة الرابعة، بطرح هذه القضية التي هزّت الوسط التعليمي في بريطانيا على أحد الحاخامات اليهودية Ralli Alrham Pinter والذي أجاب بأنه يحترم مقاطعة طالبات المدرسة للإجابة عن الأسئلة المتصلة بأدب شكسبير، مستدركًا أن شكسبير عبّر في زمن مضى عن مشاعر إيجابية إزاء اليهود مقارنة بمجايليه، و لم يكن شكسبير الوحيد بين أدباء الإنجليز الذي تتخذ الدوائر اليهودية مواقف سلبية منه، بل تثير هذه الدوائر حملات متتابعة على الرحّالة والمؤرخ والأديب الإنجليزي ريتشارد بيرتون؛ لأنه يتحدث ـ كما يزعمون ـ في كتاب له غير منشور عن عملية تضحية بعض المتشددين اليهود ببعض الدماء المسيحية في مناسبات دينية كانت موجودة في الماضي، وهو ما كان يسبب حساسية في العلاقة بين المسيحيين واليهود، إلاَّ أن اليهود نجحوا في المدة الأخيرة بإيهام المسيحيين بأن العهد القديم (التوراة) هو الكتاب الذي يجب أن يعود إليه المسيحيون بدلاً من العهد الجديد (الإنجيل).
ويعلل البعض الهجمة على بيرتون من قِبل الدوائر العلمية والفكرية اليهودية بأن هذا الكاتب الإنجليزي كان واحدًا من الرحّالة الذين جابوا البلاد العربية، ومن بينها المدينتان المقدستان (مكة المكرمة، والمدينة المنورة)، وأبدى تفهّمًا للشعائر التي يمارسها المسلمون، مع أنه يعلن إسلامه، كما أنه اهتم بقصص ألف ليلة وليلة وترجمها شعرًا باللغة الإنجليزية، وكان لهذه الترجمة، والترجمة الفرنسية التي صدرت في القرن الثامن عشر الميلادي أثرهما على أسلوب القص في الأدب الغربي، وخصوصًا لدى الشاعر الإنجليزي المعروف جيفري تشوسر.
تفترض هذه المناسبة التي ينعقد فيها معرض الكتاب الفرنسي، وتحلّ فيه الدولة الصهيونية ضيف شرف عليه، استغلال هذه المناسبة بنشاطات فكرية وأدبية ومسرحية وسينمائية عربية؛ لإيضاح وتبيين الهولوكوست الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وبينما تطرح وجهة نظر لها مبرراتها من حيث مقاطعة المعرض، إلا أنني أجدني أميل إلى ما طرحه الأستاذ جمال الغيطاني في أخبار الأدب (9/3/2008م) في مقالته الموسومة "المواجهة أفضل من الاحتجاج"، حيث يرى الغيطاني أن مشاركة إسرائيل يجب أن تكون "فرصة لتنظيم نشاط مواجه، معارض تعيد التذكير بمذابح إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، بالمجازر، باحتلال الأرض، بتدمير الهوية الفلسطينية، بإلغاء ذاكرة الشعب"، وأضيف: لقد ترك العرب كمؤسسات فكرية وثقافية المجتمعات الغربية أمام الوجود الصهيوني، والذي استطاع النفاذ إلى مراكز صنع القرار الإعلامي والفكري، ونضرب مثلاً: حاييم وايزمان أول رئيس للكيان اليهودي فلقد كان يدرس مادة الكيمياء الحيوية في جامعة مانشستر فيكتوريا ببريطانيا، واستطاع التعرّف على شخصية فكرية وإعلامية هامة في صحيفة "مانشستر جارديان" وهو "مستر سكوت"، استطاع هذا الأخير تقديمه للدوائر البريطانية التي تصنع القرار وتنفذه، ومن هذه العلاقة الفكرية بين وايزمان وسكوت، وبلفور ولد قرار "بلفور" في عام1917م، لكن هذا القرار ما كان ليوجد لولا أن الحاسة الفكرية والإعلامية لدى "وايزمان" كانت قوية إلى الحد أنه سعت جامعة مانشستر لتكريمه لإنجازاته في علم الكيمياء، فرفض الجائزة بحجة أن شعبه مشرّد، ويريد قطعة أرض يبني عليها وطنًا، وكانت الضحية أرض فلسطين العربية والمسلمة.
ويحقّ لنا أن نطرح السؤال: متى يوجد لدى المفكر والأديب العربي والفلسطيني خاصة مثل هذا النوع من التضحية بالذات في سبيل الغايات الكبرى، والأهداف السامية، وفي مقدمتها قضية الشعب الذي سُلبت أرضه، وشُرّد أهله، ووئدت أحلام أطفاله؟
 
طباعة
 القراءات :180  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 49 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج