الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > فنّ المذكّرات ودوره في المجتمعات المتقدّمة

فنّ المذكّرات ودوره في المجتمعات المتقدّمة

يحتلّ أسلوب كتابة المذكّرات من قبل الشخصيّات المشهورة منزلة رفيعة في المجتمعات الغربيّة؛ حيث يسجّل فيه كُتّابه أو رواته أدقّ تفاصيل حياتهم اليوميّة، وهو الأٍسلوب ذاته الذي اتّبعه الرحالة الغربيون الذين تعلّقوا بالحياة الشرقية وفي مقدّمتهم؛ الأديب والمؤرّخ والجيولوجي الإنجليزي ريتشارد بيرتون Richard Burton المتوفى سنة 1890م الذي يعتبر كتابه "الرحلة إلى مكة والمدينة"، من أهم وأروع ما كتبه الرحالة عن الديار المقدسة، وقليلون هم الذين التفتوا إلى ترجمته كذلك لقصص "ألف ليلة وليلة" شعرًا إلى الإنجليزية، ومن أكثر المذكّرات ذيوعًا هو ما كتبه الزعيم الإنجليزي المحافظ تشرشل الذي أضحى رئيسًا للوزراء سنة 1940م، ثم اندلعت الحرب العالمية الثانية سنة 1945م، والتي قاد فيها بلاده إلى النصر مع الحلفاء على النازية الألمانية وقد نال تشرشل على مذكراته التي كانت في عدة أجزاء جائزة "نوبل" كمؤرخ وليس كسياسي. وفي عصر ما بعد تشرشل تعتبر مذكّرات السياسي المحافظ Buteler الذي وقف تشرشل ضد وصوله إلى منصب رئيس الوزراء سنة 1955م وفضّل عليه صهره "أنتوني إيدن" الذي ختم حياته بنفي اختياري بعد ارتكابه لحماقة سياسية سنة 1956م في حرب السويس، كما تعتبر مذكّرات السياسي العمالي "دينيس هييلي Healey" أنموذجًا في امتزاج الأدبي والفكري بالسياسي والاقتصادي، وقد احتفت "صحيفة الديلي تلغراف" المعروفة بميولها المحافظة جدًا بعيد ميلاده التسعين في العام الماضي 27 أغسطس 2007م، وذلك يوضح مساحة التعددية وعدم الضيق بالآخر في الأدبيات الغربية بينما هو العكس لدينا، في الختام لابد من التنويه بأن الوزير والأديب الدكتور غازي القصيبي استطاع أن يتغلّب على العقبات وكثير منها وهمي وأن يكتب رحلته في العمل السياسي ويتعرّض لأمور بالغة الحساسية فكان كتابه "حياتي في الإدارة" مزيجًا أيضًا من السياسي والأدبي والاجتماعي.