شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
د. مصطفى بدوي والتجربة الشعرية بين الأدبين العربي والغربي
يعتبر الدكتور مصطفى بدوي واحدًا من قلة نادرة جمعت بين المعرفة العميقة بالأدبين العربي والغربي، فلقد ترجم عِدة أعمال أدبية ونقدية من اللغة الإنجليزية إلى العربية ومنها (الإحساس بالجمال) لجورج بسانتيانا وكتابي (العلم والشعر)، و(مبادئ النقد الأدبي) لـ(رتشاردز)، و(الحياة والشاعر) للشاعر الناقد (ستيفن سبندر) وقد وضّح (بدوي) في المقدمة التي كتبها للكتاب النقدي لمؤلفه (جورج واطسن) والموسوم بالفكر الأدبي المعاصر، وضّح هدفه من هذه الترجمات وسواها وهو: (التيسير للقارئ العربي الذي لا يُتقن الإنجليزية وسواها الاطلاع على بعض المؤلفات الهامة في النقد الأدبي-في هذا القرن أي العشرين الميلادي- وذلك كلما أتاحت لنا ذلك ظروف الحياة) أنظر: الفكر الأدبي المعاصر، جورج واطسن، ترجمة د. محمد مصطفى بدوي (الهيئة المصرية العامة للكتاب) 1980م، المقدمة ص7).
إلا أنه يبدو أن هناك عاملاً هامًا –آخر- دفع بالدكتور البدوي لترجمة مثل هذه الأعمال النقدية الهامة - وهو ما ضمّنه مقدمة كتاب (دراسات في الشعر والمسرح) الذي أخرجه عندما كان أستاذًا بجامعة الإسكندرية، وقبل أن ينتقل للعمل كأستاذ للأدب العربي بجامعة أكسفورد البريطانية، يقول المؤلف (ولما كانت بعض المحاولات الحديثة التي تستهدف التجديد في الشعر العربي متأثرة إلى حد بعيد بالشعر الأوروبي وبالمفاهيم النقدية الأوروبية لذا كان لزامًا علينا أن نقف موقفًا نقديًا من أساسه إزاء الشعر العربي القديم من ناحية فنستعرض بعض ملامحه وصفاته الأساسية، كما كان لزامًا علينا أن نوسّع من نظرتنا بحيث تشمل الشعر الأوروبي أيضًا - فتقارن بين التراثين العربي والأوروبي لنري ما يتميز به كل منهما) ولهذا نجده في كتابه هذا يتعرض لبعض الموضوعات ـ التي بدأ النقد العربي الحديث في الحديث عنها ومناقشتها وعلى مدى أكثر من نصف قرن من الزمن مثل: "الوحدة الفنية في الشعر"، و"الوحدة الفنية-التقرير والإيحاء" و"الذاتية في الشعر، والموضوع في الشعر". انظر: دراسات في الشعر والمسرح: د. مصطفى بدوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2، 1979م، المقدمة وقد ظهرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب سنة 1960م]، ويمكن القول إن الناقد الكبير محمد مندور قد قارب في منظومته النقدية الثرية شيئًا من هذه القضايا النقدية في بعض دراساته التطبيقية عن الأدب العربي الحديث، فنراه يحدد ثلاثة عناصر يقوم عليها الأدب وهي "عبارة إنسانية، وموقف إنساني، وقوة إيحاء، وقد اتحدت تلك العناصر في وحدة متينة هي وحدة الفن"، ثم يتعرض "مندور" لقضية هامة وهي الصياغة في الأدب الفني منتقدًا موقف النقاد العرب الأقدمين، من هذه القضية فيقول: "وأمر الصياغة في الأدب النفسي ليس أمرًا شكليًا كما ظن معظم نقاد العرب، فهو ليس أمر مجازات أو تشبيهات تتعلق بظواهر الأشياء أو تستخدم لإيضاح المعنى وتقويته، بل أمر الخلق الفني في صميم حقيقته النفسية -كما وضحنا- فالشاعر الذي يشرب لون الشمس أو يحس به في نعومة اللؤلؤ لا يقصد إلى تجميل معنى أو تعميق عبارة، وإنما يخلق قيمة فنية لها أصولها في نفسه ومن هنا يتمايز الكُتّاب بطرق صياغاتهم".
"انظر في الميزان الجديد، د. محمد مندور، دار النهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، ص 122".
وقريب من هذا الرأي النقدي الذي يؤكد على ذاتية الشعر ما أورده- من قبل "محمود عباس العقاد" حديثه عن رائد مدرسة الإحياء في الشعر الحديث "محمود سامي البارودي"، يقول "العقاد" المتأثر بالمدرسة الإنجليزية في الشعر والنقد ومن رموزها (هازليت)، يتحدث العقاد بإيجابية عن البارودي حول سمة الذاتية الهامة من وجهة نظر المدرسة النقدية الحديثة والتي لمسها العقاد في شعر البارودي فيقول: (وهذه آية الشاعرية الأولى، لأن الشعر تعبير والشاعر يعبّر عن النفوس الإنسانية، فإذا كان القائل لا يصف حياته وطبيعته في قوله فهو بالعجز عن وصف حياة الآخرين وطبائعهم أولى، وهو إذن ليس بالشاعر الذي يستحق أن يتلقى منه الناس رسالة حياة وصورة ضمير)، [أنظر: شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي، عباس محمود العقاد، ط3 ، 1965م، ص: 133].
ويذهب د. بدوي إلى أبعد مما ذهب إليه الناقدان المعروفان العقاد، ومندور فيما يتصل بالتجربة الإنسانية في الشعر فهو يقارن بين العلم والشعر إزاء هذه القضية الهامة، التي شغلت النقاد والدارسين على اختلاف ثقافاتهم: (وكما أن العلم يتخذ موضوع بحثه التجربة الإنسانية لا الوجود الخارجي، أو الطبيعة الخارجية فحسب وإنما الوجود الداخلي، أيضًا، كذلك مجال الشعر العالم الخارجي والعالم الباطني –معًا- لكن الفارق بينهما أن العلم يقوم على أسس لا شخصية أو على الأقل على براهين وأدلة موضوعية تختبر بها صحة الافتراضات أو خطأها، أما الشعر فهو عملية تفهم الشاعر نفسه للوجود، ولا أقصد بالوجود في ذاته إن كان لهذه العبارة معنى على الإطلاق في هذه المرحلة المتأخرة من التفكير الإنساني، وإنما للوجود كما ينعكس في نفس الشاعر). (أنظر: دراسات في الشعر والمسرح -مصدر سابق- ص: 46-49).
لقد شُغل رواد النهضة الأدبية في الأدب العربي الحديث بالحديث عن موضوع التجربة الإنسانية والذاتية عند المبدع، واشتغل من بعدهم بالموضوع ذاته وفي مقدمتهم الباحث د. مصطفى بدوي، والذي سوف نعرض لبعض مؤلفاته الأخرى في موضوعات قادمة وفي مقدمتها كتابه الذي قدمه باللغة الإنجليزية عام 1975، والموسوم: Acritical Introduction To Modern Arabic Poetry (مقدمة نقدية في الشعر العربي الحديث) والصادر عن مؤسسة جامعة كمبريدج للنشر، وكذلك للكتاب الذي حرره مع مجموعة من الباحثين وصدر ضمن سلسلة جامعة كمبريدج التاريخية عن الأدب العربي الحديث، تحت اسم (الأدب العربي الحديث) سنة 1992، وقام بترجمته إلى العربية عدد من الباحثين والأكاديميين السعوديين تحت إشراف وتحرير الزملاء الدكاترة: عبدالعزيز السبيل، وأبوبكر باقادر، ومحمد الشوكاني، وصدر عن نادي جدة الأدبي سنة 1992م ويعتبر من أكثر المراجع شمولية وموضوعية عن الأدب العربي الحديث.
 
 
طباعة
 القراءات :242  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 12 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.