شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
د. مصطفى بدوي وتأثره بالمدّونات الاستشراقية في دراسة الأدب العربي
ذكرنا في الحلقة السابقة عند تعرّضنا لكتاب الناقد مصطفى بدوي الموسوم “مقدمة نقدية في الشعر العربي الحديث” والصادر باللغة الإنجليزية عام 1975م :A critical Introduction to Modern Arabic Poetry بأن مؤلفه د. بدوي سار في دراسته للأدب العربي، مثل جلّ المؤلفين أو معظمهم في هذا الشأن، وذلك بدراسته مقترنًا بالعصور السياسية.
إلا إنه مما يحسب للمؤلف هو وقوفه على الظواهر الفنية التي يمتاز بها كل عصر من العصور، فهو يرى مثلاً أن أسس الشعر العربي قد وضعت في العصر الجاهلي؛ أي ما قبل الإسلام، وخصوصًا ما يتصل بالأوزان الشعرية، كما أن النثر غير المقفّى لم يظهر في تلك الحقبة –أصلًا- إلا أن الرجز بمضامينه العادية كان موجودًا في ذلك العصر المتقدّم.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى العصر الإسلامي؛ فيرى أنه قد حدث تغيّر ملحوظ؛ ويشبّه هذا التغير بما طرأ على الشعر الأنجلوساكسوني، حيث دخلت مفاهيم جديدة وفي مقدمتها ظاهرة شعر الحب العذري، وكان هذا متزامنًا مع تأسيس الدولة الإسلامية، وكان أشهر شعراء هذا التيار كُثيِّر عزّة، وجميل بثينة.
ويربط د. بدوي بين توسّع الدولة الإسلامية وبين تعدّد المضامين الجادة للشعر في العصرين الأموي والعباسي، ولعل هذا الربط يعود في نظر د. بدوي إلى اتّساع الأفق المعرفي والثقافي والفكري في المجتمعات العربية -آنذاك-، وهو يشير خاصة إلى الشعر الرعوي Bucolic، وكذلك شعر الطبيعة الذي ابتعد عن آفاق الصحراء ووجدناه لدى شعراء ينتمون لمجتمعات شمال أفريقيا والأندلس وجزيرة صقلية، ويرى أن ظاهرة الشعر الروحــي أو الصوفـــي ظهــرت في بيئة مصر عند شاعر مثل ابن الفارض (1182 - 1235م)، وفي الأندلس عند شاعر مثل ابن عربي (1165 - 1240م)، وهو الأدب الذي توقف عنده المستشرقون كثيرًا.
يرى المؤلّف أن الحقبة العثمانية التي بدأت في بلاد الشام سنة 1516م، ثم في مصر سنة 1517م، والتي انتهت مع غزو نابليون لمصر سنة 1798م، هذه الحقبة شكّلت من رؤيته النقدية مرحلة الانحطاط في القصيدة العربية، ويعود بدوي لرأي كلٍّ من المستشرق الإنجليزي "جيب" Gibb1895 -1971 صاحب كتاب "المدخل إلى الأدب العربي" والصادر سنة 1926م، (انظر: موسوعة المستشرقين، د. عبدالرحمن بدوي، بيروت، ط1 1984م، ص105-107)، وكذلك إلى رأي مستشرق إنجليزي آخر هو : ر. لي. بوين Bowen حول هذه الحقبة حيث يعترف هذان الباحثان في الأدب العربي بأن الشعر في هذه الحقبة ـ أي العثمانية ـ ظل مجسّدًا حقيقة المجتمع العربي الذي استنفد بواعثه الحضارية، ويؤكد "بدوي" دور العزلة الثقافية التي عاشتها المجتمعات العربية في أواخر العصر العثماني، والتي انعكست بدورها على حالة الأدب؛ حيث اعتراه الضعف والانحلال، إلا أن مسارًا آخر في الأدب العربي بدأ في البروز ـ وذلك مع بداية القرن الثامن عشر الميلادي ـ حيث أسس ”الموارنة” العرب مطابع في لبنان وسوريا؛ وإن كان دور هذه المطابع كان تبشيريًّا، ثم بعد حوالي قرن من الزمن لعبت "مصر" دورًا حضاريًا هامًا؛ حيث دخلت الطباعة بداية مع الغزو الاستعماري الفرنسي لمصر، إلا أن ظهور " محمد علي باشا" كزعيم وقائد عهدت إليه الدولة العثمانية بإخراج الفرنسيين من مصر، هذه المنزلة قادته للتفكير في الوضع الثقافي؛ فبدأت في عصره حركة الترجمة، وعملية نقل الثقافات الأخرى إلى اللغة العربية. ويشير “بدوي” إلى دور المهاجرين السوريين في الارتقاء بالوضع الثقافي والفكري للمجتمع المصري؛ إلا أن ذهاب الخديوي إسماعيل باشا، وبروز خلف له بعيد عن الحس الثقافي مثل عباس وسعيد باشا، وقد قلل من شأن التعليم والفكر. ويربط الناقد بدوي هذا التدهور الثقافي والفكري بالتدهور السياسي في العهود التي تلت عهد محمد علي، ويبدو أن د. بدوي مثل غيره من المؤرّخين والنقّاد الذين تعرّضوا لتلك الحقبة -والتي شكّلت بدايات عصر النهضة في الأدب العربي- يميلون إلى أن جهود محمد علي باشا في إدخال التقنية الأوروبية الحديثة انعكست بدورها على وضع الأدب العربي؛ بل على الثقافة العربية بكافة أشكالها، واصفين دوره بأنه كان عرّابًا لليبرالية. كما يتوقّف د. بدوي عند الوضع الثقافي في لبنان، وذلك بعد عام 1860م، وهي مرحلة استقلاله عن الدول المجاورة له، بدعم أوروبي محض، حيث تأسست كلية أمريكية في بيروت سنة 1866م، وتأسيسًا على حقبة الانفتاح أو الانبعاث التي شهدها المجتمعان السوري واللبناني فلقد شهدت الحركة الأدبية تطورها أيضًا في اتجاهات عدة؛ حيث ظهر فن الدراما، وكذلك الفن ذو الجذور الغربية القصّة، وكان الرائد للفن الأول هو مارون النقّاش في سنة 1847م، والثاني -أي القصة- على يد سليم البستاني، ويحدد "بدوي" بذور هذه النهضة الأدبية بعام 1847م وذلك في العاصمة اللبنانية والثقافية (بيروت)، كما يشير إلى دور رائدين آخرين هما بطرس البستاني وناصيف اليازجي، وفي مرحلة لاحقة قامت المجلة الثقافية "المقتطف" بدور هام من وجهة نظر المؤلف وهو محاولة التعريف بالحياة الفكرية في المجتمع العربي، وقد ولدت هذه المجلة على يد كل من يعقوب صروف، وفارس نمر في بيروت سنة 1876م، ثم انتقلت بعد ذلك إلى مصر سنة 1885م، واستمرت في أداء دورها الثقافي إلى سنة 1952م، وقد كانت هجرة الأدباء السوريين إلى مصر متزامنة مع الخطّة العلمية التي وضع أسسها إسماعيل باشا. ويعتبر "بدوي" حقبة إسماعيل هذه عاملاً مهمًا في تاريخ الثقافة العربية الحديثة، والذي تأسست في عهده الكلية التطبيقية للمعلمين، والتي حاولت التوفيق بين التقاليد العلمية العربية والتقاليد الغربية الوافدة، وتزامن ذلك مع بروز شخصيات دينية واعية مثل جمال الدين الأفغاني (1839 - 1897م)، وكذلك شخصية الشيخ محمد عبده العالم الأزهري المعروف، وقد عملت هاتان الشخصيتان حسب وجهة نظر المؤلف على تخليص الثقافة العربية من عوامل تخلّفها وانتكاصها، والعمل كذلك على جعل اللغة العربية أداة هامة في تحديث الفكر العربي، ويختم د. بدوي حديثه بعد ذلك كله بالإشارة إلى أنه من خلال هذا العرض الذي قدمه للأدب العربي منذ بدايات عصر النهضة يتضح مدى التغلغل الواضح للثقافة الغربية في جميع أوجه الحياة العربية، وكان هذا التغلغل واضحًا لدرجة ظهور ردّات فعل كثيرة فيما بعد، واتضحت هذه الردود الطبيعية الداعية إلى إبراز الوجه الحقيقي للثقافة العربية والإسلامية في موقفين: أحدهما يدعو للوقوف بقوة وباستخدام كلّ الأساليب المتاحة في وجه هذه التيارات الوافدة، أما الموقف الثاني فهو يسعى أو يعمل على إيجاد نظرية توفيقية بين ما هو وافد من الغرب وما هو أصيل في المجتمع، ويبدو أن هذه المعادلة الأخيرة التي يشير إليها الباحث "بدوي" هي التي ظلت مسيطرة على المشهد الثقافي والفكري من البدايات الأولى للنهضة الحديثة وحتى وقتنا الحاضر، كما يلاحظ القارئ لما دوّنه الناقد مصطفى بدوي عن الأدب العربي بأنه لم يخرج كثيرًا عن التقاليد والمناهج التي اتبعها العديد من المستشرقين عند دراستهم للأدب العربي قديمًا كان أم حديثًا، ولا ننسى في هذا الصدد أن د. بدوي يعيش في الغرب منذ عام 1964م، بعد تركه العمل في جامعة الإسكندرية.
 
طباعة
 القراءات :253  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 13 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.