شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صالح خصيفان ووسام المروءة والشّهامة ..!
يمرّ بعض النّاس في هذه الحياة مرورًا عابرًا، بينما يكون مرور آخرين ذا أثر فعّال وإيجابي في هذه الحياة، وهو أمر يرتبط بما منحه الله لعباده من سمات وسجايا، وبما رزقوا من قوة لعمارة هذا الكون، وعمارته تكون بتقوى الله، والخوف منه، والرغبة في ثوابه، والرّهبة من عقابه، والتقرّب إليه بالطّاعات، ومنها تيسير أمور العباد، وقضاء حوائجهم.
عرف البلد الحرام والوطن عامّة سيرة المرحوم معالي الفريق طه خصيفان، وعلى الرغم عن أنّ هذا الرجل لم يعمّر كثيرًا، حيث توفّي في منتصف العقد الخامس من عمره، إلا أنّ النّاس لازالت تحتفظ في ذاكرتها بصورة مضيئة عما قدمه لوطنه، ليس في المجال الأمني وحده؛ حيث كنّا ومازلنا مضرب المثل في النّواحي الأمنية، وكان النّاس في الحرمين الشريفين يتركون حوانيتهم مفتوحة في أوقات الصّلوات، وبين صلاتي الظهر والعصر إلا من (ستارة) رقيقة تكاد تشفّ عمّا تستره من ملابس ومجوهرات نفيسة، والذين عايشوا التجارة في (سويقة) المدينة المنورة، و(جودرية) مكّة المكرّمة و(خاسكية) جدة يدركون هذا وسواه.
نعم.. إن عطاء المرحوم طه خصيفان قد تجاوز النّواحي الأمنية التي كلّف بأدائها فأدّاها على خير وجه، وأنصع صورة مشرقة، إلى أبعد من ذلك، حيث عُرف بسعيه للإصلاح بين النّاس داخل مكة المكرمة وخارجها، حتى غلب عليه اسم (الشيخ).. وحدّثني الصّديق السيّد عبّاس المالكي بأنّ الفريق طه كان يقصد دارهم المعروفة في حي النّقا ليستعين بوالده فضيلة السيد علوي المالكي، صاحب أشهر حلقات العلم في الحقبة الماضية في المسجد الحرام، في رأب الصدع أو إزالة الجفوة بين النّاس، وكان النّاس يرضون بحكمهما. وعرف البلد الحرام شخصيّات اجتماعية من هذا الطّراز الفريد، وقد أدركت منهم الشيخين عبدالله بصنوي، ومحمّد سفر -رحمهما الله-، فلقد كان ما يمضيانه من وقت خارج دورهما للسعي لقضاء حاجات النّاس أكثر من الوقت الذي يمضيانه مع أهليهما وأبنائهما.. وفي ذلك من التضحية والإيثار ما يجعلهما اليوم موضع الذكرى الحميدة بين فئات المجتمع بأكمله.
لقد ورث معالي الأستاذ صالح بن طه خصيفان من والده، الذي كانت داره في (القشاشية) لا توصد أبوابها أمام أحد صغيرًا كان أو كبيرًا، فقيرًا أو غنيًا، ومن بادية الوطن أو حاضرتها، ورث منه ومن رجال أفذاذ عاصرهم حبّ فعل الخير؛ والذي يحرص على تقديمه في السر بعيدًا عن أعين النّاس قاصدًا به وجه الله وحده، ومع أنّ أبا طه تقلّد الكثير من المناصب الحساسة في بلادنا، وحظي بثقة ولاة الأمر الذين يقدّرون معادن الرّجال وينزلونهم منازلهم، إلا أنّ الذين يعرفونه عن قرب يجزمون بأنّ بريق هذه المناصب لم يؤثّر على أبعاد شخصيته الإنسانيّة وسلوكياتها، فهو في بساطة متناهية يتفقّد رجال حيّه في مكّة المكرّمة وسواهم، ويجلس إلى جوارهم في الأمكنة المتواضعة، ويتنقل في رضا وطمأنينة بين الأماكن المختلفة والمتباعدة أحيانًا ليواسي الآخرين إذا ما بلغه خبر محزن عنهم، فيضمد جراحهم بالقول الحسن والصنيع الجميل المستمد من قيم الشهامة والمروءة، التي ترسّخت في البيئة المكّية، حيث ولد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، وحيث تتنزّل الرحمات بين الصحن والمقام، وحيث ترتوي النفوس حبًّا، وجلالاً من معين نوراني لا ينضب، ومن عطاء رباني لا ينفد، وما عند الله أكثر ديمومة وبقاء.
الكلمات الصادقة التي شهدتها صحافتنا أخيرًا بعد تجديد الثقة في شخص أبي طه في عمله كمستشار في الديوان الملكي الذي تسلّمه بعد أن أمضى ما يقرب من خمسين عامًا في العمل في المجال الأمني، الذي كان يتمتّع فيه بإحساس أمني عالٍ، مصحوب بالورع والخوف من الله، ومعضد بالخلق الكريم والكلمة الطيبة تلك الكلمات وسواها من قبل لدليل على قرب الرّجل من أرباب الكلمة.. فهو يسأل عن مريضهم، ويشاركهم فرحتهم، ويقرأ لهم ولسواهم ما يبدعونه، ويعبّر عن إعجابه الحقيقي به، وهي سمة تكون نادرة في زمن أضحى فيه بعض أهل الفكر والإبداع في عزلة، وربما في غربة نفسية وروحية.
 
طباعة
 القراءات :383  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 33 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .