شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
التاريخ والمؤرخون (2) (1)
وأشرقت شمس الهداية المحمدية فبدأ مؤرخو الإسلام ينؤون بعبئهم ويقومون بواجبهم عندما أخذ الإسلام يتبوأ الصفحة الخالدة من الدهر، ويغمر العالم بضيائه، ويسيطر على مقدراته؛ فذهب بفضل الشهرة والقدم وسيرورة الذكر من مؤرخي الإسلام الأولين أمثال: ابن إسحاق، والطبري، وابن الكلبي، والواقدي، وسيف بن عمر الأسدي، وابن قتيبة، والمسعودي وأمثالهم، ثم تأثر المؤرخون المسلمون في ما بعدهم، وأخذوا عنهم، واعتمدوا عليهم، ونذكر من مؤرخي العصور التي تلتهم أمثال: ابن الأثير، ابن كثير، البلاذري، ابن الطِّقطقي، أبي الفدا، المقدسي، ابن خلدون، السيوطي، ابن عساكر، الذهبي، القرماني، إلى غير هؤلاء ممن لا يقعون تحت حصر، وممن لا تزال آثارهم منهلاً موروداً لمن جاء بعدهم.
وللمؤرخين طرائق شتى في التعبير وأساليب متعددة في الكتابة؛ فمنهم الذي يعرض أمامك حوادث التاريخ، ثم لا يبدي فيها رأياً بإنكار أو بإثبات، ولا يحلل ملابساتها، ولا يستخلص لك منها نتيجة معقولة؛ ومنهم من يوفق وتساعفه مواهبه فيبحث ويمحص، ويذهب في التدقيق والتعليل إلى آماد بعيدة.
ولا أعرف في مؤرخي الإسلام من سما به علمه إلى هذه الذروة الرفيعة غير ابن خلدون؛ فقد ابتكر نظريات سامية في علم الاجتماع، ووضع للتاريخ قواعد قوية لا يضل المؤرخ ولا يتورط في المغالط ما شيد عليها دعائم تاريخه، وكثيراً ما يدفع به اعتداده بنفسه وثقته بطول باعه إلى التهافت والتناقض في كثير من أحكامه.
ومن المؤرخين من يعقب على محادثته التاريخية برأي وجيز أو تعليل بسيط، أو يرمز بكلمة نفي أو تقرير، أو يشير إلى قرائنها في حوادث التاريخ الماضية.. ومنهم من يكشف بدقة ملاحظته ونفاذ بصيرته عن خبايا مجهولة في التاريخ، فيتحفك بالطريف الممتع، ويعلمك ما لم تكن تعلم؛ وهذا جد نادر في المؤرخين، ولا أعرف في شخصيات مؤرخي الإسلام من ارتفع إلى هذه الدرجة العالية، ويمكن في بعض المناحي أن يرتفع المؤرخ المصري الشهير في العصر الحاضر محمد عبد الله عنان (2) إلى ما يقاربها.
قال ابن خلدون في المقدمة: "فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ [هو] (3) يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق وينكبان به عن المزلات والمغالط؛ لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق" (4) .
وقد آن لنا الآن بعد أن شارف البحث ختامه، أن نقرر هنا أن في مقدرة كل واحد من المؤرخين أن يسرد حوادث التاريخ سرداً بدون أن يعنى بها أو يعقب عليها بملاحظة أو يتتبعها بدراسة أو يبدي فيها رأياً، ولكن الفذاذة والبراعة في عرض حوادث التاريخ واستنباط النتيجة الصحيحة منها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :276  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 90 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج