شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
في الأدب الشعبي
اللفتات الذهنية في شعر ابن لعْبُون (1)
قد يلتزم الشاعر معنى خاصاً، ثم يذهب به الخيال أو النَّفَس الواسع إلى آفاق أوسع، وأرحب، ومن هنا كما يبدو لي تبدأ اللفتة الذهنية التي بينما هي تسف في الأرض، فإذا هي تحلق في السماء.
وابن لعبون -اسمه محمد بن حمد بن محمد بن لعبون، المدلجي، الوايلي كما أشار إلى ذلك ابن بشر في تاريخه (2) .
وقد توفي هذا الشاعر في ربيع الثاني في بلد الكويت من الطاعون الذي حل بأهل العراق -يقال له الجارف- حل به سنة 1247هـ.. وهذا الشاعر توفي وهو شاب قبل وفاة والده -حمد بن لعبون.
وهذه نماذج من قصائده الفنية:
يقول من قصيدة:
كنْ طيّة ثوبها فوق الأرداف
الهوا والمايْ من فوق الغَرِيف (3)
ويقول من قصيدة -أيضاً:
ضِحْكتِي عندكم يومي رضيع
ما سوَت بكْوَني عند الوداع (4)
وهي إشارة عكسية لكلمة ابن الرومي المشهورة:
لِما تؤذن الدنيا به من صروفها
يكون بكاء الطفل ساعةَ يولدُ (5)
والجناس من قوله مع النقيض:
في ديارٍ كلْ ما فيها حسن
مع ربوعٍ كل مَنْ فيهم حزين (6)
وهذا الوصف "الفوتوغرافي" لا تنقصه حتى الألوان:
دارها.. يوم الإزار موَرَّس
والخضر مشغول، والسِّروال "كيني" (7)
وشرح هذا البيت المتكافئ الأوصاف..
أما الإزار فهو مضرَّب بالورس.. مثل العصفر، أو مثل الزعفران.. فهو أصفر!
والخضر بالضاد المعجمة.. وأنا أشتبه فيها، فلعلّه يريد الخصر بتقديم الخاء المعجمة على الصاد المهملة.. ومعنى مشغول، إما بنطاق أو ما هو في حكمه.. وكنت أعرف الكيني بكسر الكاف، وهو حرير طبيعي بين الصفرة والحمرة، ولا يخالطه أي لون آخر..
وقال، وأبدع:
هَبَّت أمواج الهبايبْ نُسْنِسن
في ربوعٍ كنْ ما تذْرا الطحين (8)
ومن غرائب أوصافه، يذكر رسماً.. فيقول ببساطة وهو لا يلهث:
يستبين بها الخبير لها رسوم
طافحات مثلُ خبزٍ في يدام (9) !
فكيف ترى المرق إذا طفح فيه الخبز، وتنفش، وأنت تنظر إلى الرسوم من بعيد والآل يلعب بها، فيصعدها ويخفضها -ويدنيها وينئيها- أتجد أصدق وأوعى من هذا الوصف..؟
وعاذلاته.. ليخسأن.. فإن:
ذا الخبزْ ما هوْب من ذاك العجين (10) !
وقد يطلق الحكمة، فيقول ما معناه:
إذا لم يثبت شيء في الماضي، فلن يبقى شيء في الآتي:
إن ما مِضى (شٍ) وهي في القوع
فلا بقاشٍ وهي قيعة (11)
وقال من مقطوعة أكثر مفرداتها عربية فصحى:
جزى ما دعانا الشوْق بالسير والسّرى
خضر مناسمها، وبيض لغومها (12)
ويعني أن أخفاف الإبل تطأ في العشب، فتخضار، وكأنه يشير من بعيد إلى قول شاعر في أيام عبد الله بن الزبير يصف طبائع البادية في مثل هذه الحالة:
قومٌ إذا اخضرَّت نعالهمُ
يتناهقون تناهقَ الحمُرِ (13)
وإلى أي مدى يقف الركب معه للوداع أو اللقاء؟!
لحظات قصار!
مقدار ما يفرغ من الكاس مشروبْ (14) !
ومن خرافات العرب في أيامه أن الجن تهرب من الذئاب، فيرمي إلى ذلك بملاحظة طريفة:
في مهمه كنه قفا التِّرسْ مقلوب
يطرب به الجني على فقده الذيْب (15)
والمهمه إذا كان أجرد عارياً عاطلاً، فليس له ما يليق بوصفه مثل ظهر الترس وهو الدرقة.. حديد أملس لا شية فيه!
* * *
وقيل كان له ربابة يعزف عليها أغانيه، وكان ذا صوت حلو ندي، هذه الربابة وهي من الرباب، آلة موسيقية، تتألف من هيكل خشبي.. يظرف بأي جلد كان، ويوضع لها قواعد قوسية، في بدايتها ونهايتها، ثم ينساب عليها مجموعة من ذيول الخيل ثقيلة أو خفيفة -حسب اللحن، والشدِّ والإرخاء- وهي معروفة، وقد كنت أضرب عليها، ثم أنسيتها!
ربابة ابن لعبون كان يسميها "فُرَيجة" بالتصغير، وكان يسند إليها كل لواعجه وأشجانه، وغرامياته، إسناداً متواتراً صحيحاً!
فمن الهجيني، وما يغنى به على الإبل..
قالتْ فريجَه لوُرقٍ ناحْ
يا مال سلاّل الأرواحِ
أسْهَر إلين السَّفر ينباح
وارقد الياكْبرْ ضحى ضاحي
فتحتْ قفلٍ بلا مفتاح
أنا للقفال فتَّاح (16)
ومما يسند إلى فريجة أيضاً:
قالت فريجه وأنا مضيوم
أرفع لها الفنّ وتشيله
يا اللَّه يا حيّ يا قيوم
اكتب غنائي من الليله
كم طاح في الحبس من مظلوم
وكم وادي تاه في سيله
واللَّه لولا الحيا واللوم
لصيح وقول: يا هيله (17)
وله رحمه الله قصائد كثيرة على كل الطروق والألحان، يغنى بها في شرق الجزيرة، وجنوبها وشمالها.
* * *
ولسنا نستطيع أن نلم بكل اللفتات الذهنية للشاعر ابن لعبون.. فقد ولد في بلدة "حَرْمة" من قرى سدير، ثم تنقل بين بلد الكويت والزبير والبصرة، ثم احتضر شاباً في حياة والده.
كما أننا لا نعلم شيئاً يجمع شعر ابن لعبون كله إلاّ متفرقات، هنا، وهناك.. وقد يكون شعره أسْيَر وأفشى، وأكثر انتشاراً في العراق وجنوبه منه في الجزيرة العربية.. وأحسب أن الأساتذة الإخوان عبد الله بن خميس وعبد الله بن إدريس، وعبد الكريم الجهيمان، يحفظون من شعره الكثير، ويعلمون عنه أكثر، فهل يجدون لديهم في مظانهم ومراجعهم، أو في ما يتذكرونه من شعره ما يمكن أن يضيفوه إلى هذه المعلومات.. إني لهم إذاً لشاكر (18) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :308  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 80 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج