شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أفكار من الشعر النبطي (2) (1)
النبط في المنجد اللغوي والتاريخي:
"النبط: أول ما يظهر من ماء البئر، ويقال فلان قريب الثرى بعيد النبط" إذا كان يعد ولا ينجز.
- ما يتحلب من الجبل كأنه عرق يخرج من أعراض الصخر، ج أنباط، ونبوط.
- غور المرء وباطنه، يقال: "فلان لا يدرك نبطه" أي غوره وقدر علمه.
- بياض يكون تحت إبط الفرس، وبطنه.
النبط -أيضاً قوم من العجم كانوا ينزلون بين العراقين.. ثم استعمل في أخلاط الناس، وعوامهم، ومنه يقال "كلمة نبطية" أي عامية، الواحد "نبطي ونباطي بتثليث النون، ونباط: ج أنباط، ونبيط.
النبط -أول ما يظهر من ماء البئر.
- بياض يكون تحت إبط الفرس وبطنه.
الأنبط من الخيل ما كان تحت إبطه وبطنه بياض م نبطاً ج نبط..." (2) .
والنبط في دائرة معارف وجدي:
يقول الأستاذ محمد فريد وجدي في دائرة معارفه لهذه المادة في جملة قصيرة: "نبط الماء ينبط، وينبط نبع وأنبط الشيء: أظهره، واستنبط الشيء: أظهره واخترعه، والنبط: جيل من العجم ينزلون بالبطائح بين العراقين" (3) .
وقد أثبتت الحفريات الحديثة أن للنبط آثاراً نفيسة في العراق وفي بعض أطراف الجزيرة العربية.
ولكن الذي يهولني.. هو ما هي العلاقة بين شعرنا النبطي الحديث.. وبين لغة النبط في العصور القديمة.. وهل هناك تشابه في المفردات اللغوية أو في المشتقات من أصولها؟!
أما أن يكون يسمى "حمينياً" فإني لم أعثر في كل كتب اللغة في مادة الحاء والميم، وما يليهما على ما يفيد على معناه في أصله..
فمم اشتق هذا الاسم "الحميني"؟
إلى أن نعرف ذلك فسوف نسترسل في المقال (4) .
عود إلى الشعر النبطي:
ما مضى بحثه يمكن اعتباره مقدمة لا بد منها على ما فيها من الإخلال والإيجاز، فليس بين أيدينا مراجع أو مظان لهذا الموضوع، تروي غليل الظمآن أو تفيد المستقصي.
ونعود فنقول بأنّا سنتجنب ذكر الأسماء اللامعة المشهورة في الشعر النبطي من قديمه وحديثه، منذ أيام راشد الخلاوي ونمر بن عدوان، والقاضي، والهزاني، وابن سبيّل، وابن لعبون، وأمثالهم من المعروفين الذين تجاوبت أرجاء الجزيرة العربية في كل جهاتها بأشعارهم ما بين "مسحوب، وسامر، وهجيني".. وأغانٍ من كل أنواع، وأصبح حتى الأطفال ورعاة الأغنام يعرفون أسماءهم ويحفظون الكثير من قصائدهم.
نكتفي اليوم للتحديد، ولحصر الموضوع، بشاعر شمّري، وشمر من طيء.. أو هي طيء.. عاش في أيام محمد بن رشيد أمير حائل بعد أوائل هذا القرن أو قريباً منه.
هذا الشاعر اسمه دغيم الظلماوي.. والاسم الأول بالتصغير..
عاش هذا الشاعر في عهد محمد بن رشيد -كما أسلفنا- وكان محمد يجله، ويوده، ويزوده بكل ما يريده.. وقد اشتهر الظلماوي بأنه من غواة القهوة المعروفين.. وكان يصنعها بنفسه، ويتولى تنظيف أجهزتها (معاميلها) وتنقية بنها.. وهيلها.. وتحميسها في المحماس، ثم يتناول "الدلال" فيجيد غسلها.. مع "الفناجيل" التي يغسلها مرة بعد أخرى.
.. وهذه العملية الشاقة لا يكل أمرها إلى أحد من عبيده أو خدمه العديدين.. ولكنه يجد لذة إذا هو قام عليها منذ أن تبدأ بالحمس إلى أن تنتهي بالتبهير والتصفية، وبعد ذلك يتولى هو بنفسه صبها، ولا يعطي الفنجال إلاّ من هو على يمينه كائناً من كان.
هذه لمحة وجيزة كما حدثونا عنه..
ولقد كان ابن رشيد كما قلنا، يوفر له كل شيء من هذه الناحية، وكان هو يسكن في إحدى ضواحي حائل، وكان ابن رشيد يركب خيله مع بعض حاشيته، فيزوره بعد كل عصر من بعض الأيام..
أما دغيّم فكان إن جاءه ابن رشيد أو سواه لا يختلف عما ذكرناه في نظامه للقهوة وآدابها وصبها.
أيامئذ اشتهرت لدغيّم الظلماوي قصيدة نبطية ضربت في عرض الجزيرة، وطولها، وتغنت بها الركبان، وهي من النمط الذي يسمى "مسحوباً" ويصلح غناؤه على "السامر".
قال دغيّم: يصف القهوة، وصنعها، وما تجذب إليه:
يكليب شب النار يكليب شبّه
عليك شبه والحطب لك يجابِ
واملخ لها يكليب من رمث خبه
نار سناها تجذب اللي غياب
علي أنا يكليب هيله، وحبه
وعليك تقليط الدلال العذاب
لا ضاجع المغلول خطو الجلبّه
يا زين تالي الليل خبط الركاب
أفقت بهم ريح صليف مهبه
متغطلمين وسوقهم بالعقاب
وهي طويلة وفي آخرها يقول:
الصبر زين وراعي الصبر غبه
يرقا بروس مشمخرات الهضاب
ومن لا يصبر يكليب في حكم ربه
هذاك ما له عند ربه ثواب
بلغت هذه القصيدة محمد بن رشيد وتناقلتها العرب في كل مكان، فعجب ابن رشيد كيف ينظم مثلها، ولا يشير إليه ولو بكلمة واحدة وهو الذي يقوم على أموره، ويوفر له كل مطالبه، من ناحية القهوة على الأخص فما بالك بالأعم.
غضب ابن رشيد وتلبث أياماً عديدة لا يأتيه كما كان يفعل! لا هو ولا فرسانه.. وكان دغيم صليب الرأس، فلم يزر ابن رشيد، ولا سأل عنه..
وغبرت أيام قد تطول، وقد تقصر، واستوحش ابن رشيد من دغيم فاستأنف زيارته، ودغيم على حاله لم يتغير.. وجرى العتاب بين الأمير والشاعر ولم يطل!
لكن الأمير قال له كالممتن عليه: أنا الذي أمونك بكل ما يلزمك من هذه القهوة وما يتعلق بها، فكيف تصنع هذه القصيدة، ولا تشير إلي فيها ولو بمجرد ذكر.. وقد ذهبت هذه القصيدة بين العرب.. فكيف يقول الناس؟
كان دغيم أثناء ذلك يصنع قهوته على حاله.. ولم يحدث منه شيء.. وعندما قدم إليه أول فنجال من صنعه.. التفت إليه وقال هذه الأبيات الفريدة:
مده رهن لولاك ما قلت يكليب
يكليب شب النار صر موقد له
يبو اليتامى، والرمل والمحاديب
وعصام من جات العصا ثالث له
لا جاك يركع فوق روس المزاريب
من ضيعه وقته تكون ولد له
تملا محاليب وتكفى محاليب
وكبد تيبسها، وكبد تبلّه
والحروه أنه ينحرنك مراكيب
لو كان ما جو طمعة جوك ذله
أبصر بروحك يا قليل العذاريب
لو تستحي ما تجمع الطيب كله
ولست أدري كيف انتهت قضية دغيم مع محمد بن رشيد ومتى مات دغيم -رحمة الله عليه-.
أما محمد بن رشيد فقد ذكر موته أمين الريحاني في بعض كتبه -على ما أعتقد- وأظن أنه أشار إلى ذلك في كتابه المعروف "ملوك العرب".
 
طباعة

تعليق

 القراءات :309  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 79 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الأول - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج