شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
دقائق (7) (1)
في صيف عام 1376 كنت في بيروت أعالج نفسي وجسمي من أمراض شتى ألمت بي وأوبقتني.
وقد اخترت طبيباً يسمى (إبراهيم كنفاني) بإيعاز أحد الأصدقاء اللبنانيين، وبعد التحاليل من كل نوع طفق يطبني بعدة أدوية وعقاقير لا حصر لها، وكانت أسناني الأمامية تالفة إلى حد أني كنت أتصور أني لا أحمل في فمي أسناناً طبيعية كسائر الناس، وإنما أحمل في فمي ما يشبه الديدان القذرة، وهذا أهون ما توصف به تلك الأسنان التي عوضني الله برحمته خيراً منها!
استشرت الدكتور إبراهيم كنفاني في أمري، فأشار علي بدكتور في الأسنان والجراحة أرمني الأصل ينتهي اسمه الأول بـ (كيك)، وينتهي اسمه الثاني بـ (يان) كأغلب أسماء الأرمن الشرقيين، وكلَّمه تليفونياً ثم بعث معي بممرضته الخاصة إليه.
وقد نسيت اسمه الكامل على الرغم من أنه عالجني فأحسن علاجي، وكان -والحق يقال- بارعاً في مهنته ممتازاً في أخلاقه، وعلى جانب لطيف من التهذيب وحسن العشرة.
كانت عائلته تصطاف في الجبل كما يقولون هناك، وكان يصعد إليهم حيناً، ويهبطون إليه في بيروت حيناً آخر.. كانت عائلته مكوّنة من زوج في أواخر الشباب وبنات ثلاث على قسم وافر من الحسن والنضارة.. كانت صغراهن في الخامسة عشر، وكبراهن تلملم أطراف العشرين، وكان يحدثني عن عائلته باللهجة اللبنانية حديثاً كله حب وحنان.
وقد اختلطت به اختلاطاً وثيقاً، وصرت أقضي في عيادته أكثر وقتي.
وفي منتصف يوم من الأيام كنت عنده، وكان يعالج أحدهم، وكنا جميعاً نكابد حراً شديداً، وفجأة هبت نسمة باردة عذبة منعشة، فالتفت تلقائياً باحثاً عن مصدرها، فإذا بي أرى تلك الزوج لأول مرة ووراءها ثلاث أمثال الظباء حواسر يرفلن في غلائل من الحرير الناعم الثمين:
حسانُ التثني ينقشُ الوشي مثله
إذا مِسْنَ في أجسادهن النواعمِ
كما يقول أبو الطيب (2) .
لقد كن هن المصدر الرئيسي لتلك النسمة الباردة في حمَّارة قيظ ذلك النهار.
وقدمهن إلي، ثم قدمني إليهن كما يفعلون في تلك البلاد، وقال: إن البنات طالبات في إحدى مدارس لبنان.
ثم أصبح يأخذني معه إلى العائلة في الجبل، وإلى هنا وهناك، وإذا لم أصعد معه لعذر طارئ [ظل يسأل] (3) عني، ويعاتبني كلما تلاقينا.
وصرت أخيراً فرداً من أفراد الأسرة الأرمنية أو كدت، حتى لأحسنت بعض العبارات الأرمنية ثم أضعتها فيما بعد!
وخشيت في نهاية الأمر من فرط اختلاطي بهم أن يتحور اسمي ويصبح أرمنياً [على هذا النحو: حسينكيك سرحانيان] (4) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :206  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 32 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج