شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
وهلم جرا (1) !
أكان للناس عجباً؟ إن كتبت فأطلت، وأعدت فأمللت، ثم ثلثت فأثقلت عن حكاية الصحة والمرض وما يتعلق بهما ويدور عليهما.. كلا لم يكن هناك من عجب ولا عاجب..
إن العجب أن يتقلب المرء في النار، ويزعم أنه في جنة.. بل أعجب من ذلك أن تكون السبيل إلى العافية هي السبيل إلى الوفاة.
وما يخالج المؤمن أي شك في أن قدر الله نافذ وقضاءه مبرم، وقد تنبه "ابن الرومي" إلى العلاقة الدقيقة بين الطبيب والموت، فأشار إلى سهولة الإيراد التي تتلوها صعوبة الإصدار، وختم التعس عويله في يأس واستسلام وقال: إن غلط الطبيب إصابة الأقدار، ولم يعقب.. فقد أغمض عينيه على صورة طبيب من معاصريه قد شمر أردافه واعتمر طيلسانه، ويرحم الله ابن حرب (2) .
وفي عصرنا هذا كما في كل العصور يوجد في الأرض وثنيون كثيرون وإن كانوا ينطوون في أي دين من الأديان السماوية، وقد أشار الذكر الحكيم إلى ذلك، فتحدث عمن يتخذ إلهه هواه (3) ، وأفاض فيمن يجعلون أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ (4) .. وليس معنى ذلك أنهم يصومون ويقومون ويعبدون ويسجدون لهؤلاء الأرباب، وإن كان هذا يقع أحياناً.. ولكن معنى ذلك أن كل تنزيه وتعظيم تجاوز حده في أي شيء من الأشياء -ما خلا الله- فهو ضرب من ضروب العبادة والتأليه.
وإذا اتبعت هواك في كل خبيث مسترذل مقبوح، فقد اتخذته إلهاً معبوداً، وإن كنت لا تصلي له، ولا تقول له: سبحانك وتعاليت..
ولكن الوثنيين الأحقاء بالرثاء والسخرية هؤلاء الذين يشيدون دائماً -وحتى بلا مناسبة- بالطب الحديث وتقدمه واجتراحه العجائب وإتيانه بالغرائب، وتظل الإذاعات تتحدث والأقلام تكتب والألسنة تلهج، والصحف والكتب تنشر، فيخيل إليك وقوع إحدى مسألتين:
إما معجزات سيدنا عيسى التي حدثت حقاً في أيامه عليه السلام، وإلاّ تأويل المسيح الدجال التي يسحر بها العيون ويزيغ بها القلوب في آخر الزمان.
وتنظر فإذا كل ما قاله النحويون على مر القرون كذب في كذب، فلا زيد ضرب ولا عمرو انضرب، وتجد الأمراض حتى في أرقى دول الأرض أسرى من الهواء، وكؤوس المنون تدور على الناس مع الخمر والماء.
فلا مركبات "السيلفاناميد"، ولا العقاقير التي تنتهي أسماؤها بالياء والنون، ولا الحقن التي تطعن كل موضع من الجسم مثل رمح "آخيل"، ولا أي شيء آخر.. كل ذلك لا يستطيع أن يدفع "فيروساً" بسيطاً مثل "فيروس" الزكام -مثلاً- بل إن بعض الحميات الخفيفة وبعض أنواع الصداع والنقارس لا يوجد أي دواء يقضي عليها.
إن شللاً جزئياً في خنصر اليد أو القدم يخرج لسانه هازئاً بكل معامل الكيمياء ومعاهد التشريح القابعة على الأرض، حتى ولو شُرّح ذلك الخنصر إلى مئات الذرات عشرات المرات، وفحص بالمكبرات كرات بعد كرات.
إننا لا نطلب من الطبيب أن يدفع المرض أو الموت، فإنه لا يقدر على دفعه عن نفسه فضلاً عن دفعه عن سواه.. ولكننا لا نشرك بعبادة ربنا أحداً، وعلى ذلك لا يمكننا كأولئك الوثنيين أن نؤله الطب الحديث ونقول له في خشوع: جل جلالك.. بل جل جلال الله ومُتبَّر ما سواه..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :456  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 134 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.