شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لم أخسر من جيبي ولا قرشاً واحداً (1)
كتبت جريدة البلاد في عددها "945" الصادر يوم الاثنين 29/9/1381هـ، وفيه خبر عن أني -بالاشتراك مع الأستاذ محمد فهمي (2) الشاعر المصري- قد أقمنا حفل إفطار بكازينو الشاطئ بجدة.. دعي إليه الكثير من الشعراء والأدباء.. وكانت الدعوة بالبرقيات. وتعليقاً على هذا الخبر الطريف.. أود أن أصحح فيه شيئاً، وأضيف إليه أشياء.
وحقيقة الأمر في الموضوع.. هي أن الأستاذ محمد فهمي سبق أن دعاني قبل نحو أسبوع -برقياً- من جدة.. وطلب إلي أن يكون موعد الاجتماع في فندق الحرمين وعلى أن الدعوة مسبقة ببضعة أيام.. وجدة لا تخف على قلبي -رغماً عن احترامي لأهلها- فقد بادرت بإرسال برقية أعتذر فيها عن الحضور، وكنت أحسب فيها أني نجوت لآخر مرة من مخالب محمد فهمي.. والوقوع تحت سيطرته.
ولكن عرفت بعد ذلك أن حدسي كان خائباً، ونظري لم يكن صائباً، ففي منتصف ليلة آخر جمعة في رمضان، لم أشعر إلاّ والأستاذ محمد فهمي يقع علي كما يقع الصقر على الحباري.. -بلا ذرق- أو كما وقع الذئب على الحمل بجانب الغدير.. وقد قال لي أشياء كثيرة ولم أحفظ منها إلاّ أقلها.. ولكن "الدكتور داهش" -وأقصد به محمد فهمي- أكد لي بأنه على موعد مع جملة من الأصدقاء -غداً- بجدة لتناول الإفطار بكازينو الشاطئ بجدة، وألزمني بالحضور، وكنت واقعاً تحت تأثيره إلى درجة لا يمكن أن يتصورها أي عقل، فأجبت، واستجبت دون أي شعور بالشيء الذي أنا مقدم عليه، وكأنني "شرلوك هولمز" أو "أرسين لوبين".. وكل الفرق بيني وبينهما أنني أنا في منتهى الغباء، وهما كانا على الجانب الأعلى في الذكاء، وحُسن التصرف لكل من يقرأ قصصهما.
ما علينا..!
قال لي الأستاذ فهمي: غداً -وهو يوم الجمعة- سآتيك بعد العصر، وسنذهب لجدة كما اتفقنا.
فقلت -وأنا مسلوب الإرادة:
وهو كذلك.. أنا تحت أمركم.. وفي الخدمة!
وجاءني قبل العاشرة من بعد عصر يوم الجمعة.. وكان تأثيره علي ما يزال في ذروته القصوى.
وقال: هيا.. البس ثيابك على عجل فقد كاد أن يفوتنا الوقت.
ولم يبق علي إلاّ أن أقول له: يا مولاي خذني بـ "البيجاما" كما شئت وإلى أي جهة تكون!
ولكني لبست ثيابي على عجل.. وإنما أراد أن يخفف من وقع سيطرته علي قال لي إني في غاية الأناقة، وروعة الهندام، و "إنك يا حسين سرحان تشبه رودولف فانتينو".
وأشهد -والشهادة لله- بأنه لم يكن علي إلاّ ثوب مغسول من القماش الرخيص.. وغترة مغسولة أيضاً من البوال الرديء، ونعال شرقي قديم، ومع السرعة وإصدار الأوامر جزافاً، والأمر بالتعجيل نسيت حتى أن أخلع "بنطلون البيجاما" وبقيت -هكذا- ثيابي من أسفل.. خليطاً من الأخضر والمرقش.. والأبيض والمكفوف، والمنفرد.
ومشينا مع سائق، من أجياد إلى جدة وكان عنيفاً في السرعة، إلى حد الجنون، ولكنا كنا خمسة، وطفلاً صغيراً، ولذت بالصمت، ونزلنا أمام "مكتبة بايزيد"، وهي تقع أمام عمارة مستطيلة ذات شقق لا آخر لها.
وحينئذ أعطاني رقم تلفون الأستاذ محمد حسن فقي وكلفني أن أكلمه أن يوافينا للإفطار بكازينو الشاطئ.
وذهب هو ليأتي "بأبي تراب".. وعندما لمست وجهي بعده أيقنت أني ألمس رؤوساً من أعالي الأشجار.. فقد كان مثل أي غابة أفريقية، وقلت لأحدهم -في مكتبة بايزيد- أما يوجد حلاق قريب هنا؟!
فقال: كلا.. ولكن يوجد حلاقون متسكعون.
فقلت له: ولا يهمك.. إني أكثر تسكعاً منهم.
هات أي واحد منهم.. فأخرج لي كرسياً في العراء على الرصيف، ونادى على أحدهم، فجاء وقلت له: عجّل.. فليس الوقت وقت أناقة.. احلق بسرعة.. وخلّصنا. وفي هذه الأثناء جاء الأستاذ فهمي والأستاذ أبو تراب.. وعند نهاية الحلاقة جاء الأستاذ رشدي ملا نيازي يسوق عربة، خير ما فيها أنها تحمل أناساً متسكعين مثلنا.
ومررنا على الأستاذ محمد حسن عواد بالعمارية.. وبعدما أدينا واجب السلام "وزنهار الاحترام" وقد خرج إلينا بالفوطة كأي شيخ من مشايخ الجاوه.
وعندئذ حدث صدام، ولدام، بين الأستاذين فهمي والعواد على أن يذهب العواد معنا لتناول طعام الإفطار في الكازينو.
وطالت القضية بكل عناء، وبلا أقل غناء.. ثم وعد الأستاذ العواد أنه سيلحق بنا هناك.
ومررنا في ناحية.. ثم توقفنا وخرج الأستاذ فهمي وغاب لحظات وأتانا بالأستاذ سليمان قاضي.. ثم ذهبنا في زفة تشبه زفة العروس إلى الكازينو رأساً.. وهناك وافانا كل من الأستاذين حسن فقي ومصطفى حمام واخترنا كراسينا على المائدة.. وبالطبع لم نكن ننتظر أن نأخذ مقاعدنا على البلاط.
وإلى ما قبل العشاء.. استأذن الأستاذ الفقي.. والأستاذ القاضي فذهبا.
ونسيت أن أقول إن الإفطار كان يبدأ بالحساء الشهي بعد السلطات المختلفة.. ثم نثني بالخضار، ونثلث بنوع من اللحم المشوي، المحاط بشيء من الفول، والبطاطس، ثم نحلي بالفاكهة، أو بالحلوى، وبعد ذلك نملحها بالقهوة والشاي.
وبعد هذا كله.. قال الأستاذ أبو تراب: تعالوا عندي للشاي البلدي والجراك.
فذهبنا إليه في شقته في العمارة -إياها- وكان معنا الأستاذ مصطفى حمام، وعندئذ ذهب الأستاذ محمد فهمي وادعى أن له أوراقاً في مكان ما ليأتي بها، ولم نشعر بعد دقائق إلاّ وهو يزف إلينا الأستاذ العواد.. وهو -حقاً- بالغ الأناقة.
وعند الأستاذ أبي تراب شربنا الشاي البلدي والجراك -كما سبق أن قلنا- وتمتعنا بأحاديث الأستاذ مصطفى حمام من الناحية الشعرية واللغوية والتاريخية، والأستاذ رشدي ملا نيازي في رحلاته المتعددة.. وصلاته بالأسرة المالكة إلى ردح من الليل.. وعندئذ قلت للأستاذ محمد فهمي -وهو الداعي الأول، والمنفق على كل هذه المنصرفات:
قلت: يجب أن أعود إلى مكة حالاً.. إني أنا وجدة "لك الشرق والغرب.. لا يلتقيان".
ورجعنا إلى مكة بعد الساعة السادسة من الليل -في ما أظن.
إني أشكر الأستاذ محمد فهمي أن أتاح لي فرصة اللقاء بالأستاذين الفقي والعواد بعد مدة طويلة لم يتح لنا اللقيا فيها.
وإني أعترف بأني لم أخسر من جيبي ولا قرشاً واحداً منذ أن ذهبنا إلى جدة إلى أن رجعنا منها، والسبب في ذلك هو أن سيطرته التأثيرية علي ربما قد حبست يدي عن فتح كيسي، فإذا لم يكن في ذلك عذر.. فإنه هو الملوم.. وعليه السلام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :467  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 113 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج